المرأة السومرية والبرلمان العراقي

                                        

                الباحث الاثاري عامر عبد الرزاق الزبيدي

كلنا ندعو ونزف الرايات المناشدة بحقوق المرأة وإعطائها الدور الذي تستحقه لبناء العراق...

لكن أين التطبيق؟ فلكنا ساهم في قتل حق المرأة وكأن عقل الرجل يختلف عن عقل المرأة! أو المناهج الدراسية التي تعطي للرجل غير تلك التي تعطى للمرأة... فأي حق سلطوي ملكه الرجل حتى يحدد انه أفضل من المرأة، وخاصة إذا عرفنا أننا نعيش في مجتمع أكثر من 6 % منه من النساء، وأكثر الخريجات بشهادة البكالوريوس من التعليم العالي من النساء، وأكثر المتفوقين في المراحل الدراسية هن من النساء حيث حصلت فتاة من الموصل على أعلى معدل في المرحلة الإعدادية على العراق 2010 ، وخاصة نحن نعيش في زمن الديمقراطية وإعطاء كل ذي حق حقه، وان ميزان وضع أي شخص في مكان المسؤولية هو قائم على الكفاءة والقدرة.
لكن كانت الكلمة الرائعة للسيدة (آلاء طالباني) على البرلمان العراقي بتهميش دور المرأة كلمة لابد منها وأتت في محلها حتى يكون التاريخ حاكما لعقول الساسة العراقيين الذين استغنوا عن أكثر من نصف المجتمع.
وأريد أن اذكر الساسة العراقيين جميعا أن قبل خمسة آلالف عام (5000) في العراق القديم كان للمرأة دور بارز في إدارته، ووضع المرأة في وادي الرافدين كان أحسن بكثير من وضع نظيرتها في بعض البلدان القديمة الأخرى مثل اليونان والرومان، إذ كانت المرأة العراقية تتمتع باستقلال ذاتي يقره القانون والعرف، ولم يقتصر هذا الاستقلال على طبقة معينة من النسوة.
وأعطى للزوجة حرية التمسك للبيع والشراء دون تأثير أو تدخل كبير من الأب أو الزوج في معاملتها الخاصة، وهذا الحق لمتحصل عليه المرأة في انكلترا مثلا إلا في نهاية القرن التاسع عشر الميلادي.
فإن الحضارة السومرية كانت تعطي للنساء الحق المطلق والقدرة الكاملة على ممارسة الحياة الاجتماعية، فهناك العديد من النصوص التي تشير الى ان النساء السومريات كن يمتلكن العبيد والإماء ومساحات من الأراضي وعددا من الماشية وكميات من النقود، وكان للزوجة في ذلك العصر حق التصرف بأموالها المنقولة وغير المنقولة فلها الحق في شراء ما تريد وبيع ما يعود لها، وكان للمرأة حق رفع الدعاوى والظهور كشاهدة في المحاكم، وقد مارست المرأة السومرية مهنة الكتابة، ومارست التجارة كما كان لها أختام خاصة تستعملها في المعاملات، ليس هذا فقط بل كان العراقيون القدماء قبل التاريخ يعتبرون الأم هي اله وظهرت عقيدة عبادة الأم، وهذا ما تشهده دمى الطين التي تمثل للالهة الأم وكان كثير من آلهة وادي الرافدين مؤنثة مثل (ننخرساك) و(انانا) السومرية و(عشار) البابلية.
ولقدت أدت هذه الوثائق إلى افتراض وجود سيطرات حقيقية للنساء في تلك الأزمنة البدائية.
وفي أول إصلاحات قام بها الملك السومري اوروكاجينا ملك لكش (2378_2371ق.م) هي رفع الرسوم الباهظة التي تخص الزواج والطلاق.
أما أقدم قانون شهدته البشرية هو قانون أور نمو مؤسس سلالة أور الثالثة (2113_2006ق.م) وكان القانون يتألف من 30 مادة قانونية لكن الملفت للنظر أن نصف فقرات هذا القانون كانت بحق المرأة (الباكر والمتزوجة والأرملة).
هناك دلائل تشير الى أن المرأة السومرية في بداية عصر فجر السلالات كانت تتمتع بمركز اجتماعي مرموق وبقسط وافر من الحرية والاحترام وإنها تشارك الرجل في كثير من المجالات الاقتصادية والدينية.
وكان للمرأة دور فعال في قيادة الدولة ومن هذه النساء الأميرة السومرية (ديم باندا) زوجة الحاكم السومري (انيسيتارزي) حاكم لكش (2384ق.م ) والأميرة (بارنمتار) زوجة لوكالاندا والأميرة شاشا زوجة اوروكاجينا، حيث قام هولاء النسوة بالإشراف على إدارة وتصريف الأمور التجارية الواسعة النطاق في دويلة لكش، وقد كانت (ديم باندا) تترأس الاحتفالات الدينية التي تقام في كرسو، وان هؤلاء النسوة كن يحافظن على مراكزهن المقدسة حتى بعد زوال حكم أزواجهن.
ويعطينا التاريخ صورة مشرفة عن الملكة (كوبابا) التي حكمت على عرش مدينة كيش (2420 ق.م) وحكمت لمدة 100 عام وأعطت هذه الملكة دوراً فعالاً لمملكة كيش وكانت تحظى بشعبية كبيرة من قبل سكان المملكة لإدارتها الناجحة لسياسة الدولة الداخلية والخارجية.
أما في الإمبراطورية الاكدية ومؤسسها الملك سرجون الاكدي (2371_2200 ق.م )، فأيضا كان للمرأة دور فعال في إرساء هذه الإمبراطورية وسبل نجاحها.
فقد قام الملك الاكدي سرجون ببسط نفوذه على المدن السومرية الشهيرة أور والوركاء بواسطة ابنته الكاهنة (انخدوانا) التي كانت تتمتع بأساليب دبلوماسية وتفاوضية لقيادة الدولة.
ولا ننسى الأميرة السومرية كو - آبي (شبعاد) أميرة أور ودورها في الحياة اليومية لمدينة أور. ومن ملكات العراق القديم الملكة (نقية) زوجة الملك سنحاريب والملكة سمير أميس والدة الملك (أدد فيراري) الخامس.
أما في السلطة القضائية فقد كان للمرأة في العراق القديم كلمتها وبصمتها ودورها الكبير في تلك السلطة هذا أتى من كفاءتها في إدارة دفة القضاء فتذكر الألواح المسمارية أن الكاتبة (عشتار - اومو) المرأة التي تولت منصب القضاء في العراق القديم.
وكل الذي ذكرناه هو شرح مختصر عن دور المرأة في العراق القديم وكيف كانت ملكة ناجحة وأميرة ناجحة وسياسية ودبلوماسية وسفيرة وكاتبة وقائدة، حيث لا يوجد أي تهميش لها ولدورها في بناء الدولة فقد كانت مرشحة ناجحة في جميع المجالات واستطاعت مع الرجل ان تخلق أعظم حضارة شهدتها البشرية في بلاد وادي الرافدين، فكانت امرأة تستحق المجد والتقديس ورفع القبعة لها بكل احترام.
أما الآن فقد همش دورها بعد تعاقب السنين وصولا إلى القرن الواحد والعشرين، فنحن بحاجة إلى إعادة عقارب الزمن إلى الوراء ونرى كيف كانت المرأة في ذلك الزمن.
فإلى جميع أحزاب العراق اليوم اقول: ان المرأة قد جربت وكانت كفاءتها أن بقي اسمها على مر العصور يخلد في ألواح سومر وأكد وبابل.
* كاتب عراقي
عامر عبد الرزاق الزبيدي/ منقب اثار / دائرة اثار ذي قار

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1584 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع