الحلقة العاشرة
حظ أمحيسـن! مـسلـسل تلفزيوني بين الحقيقة والخيال من الحياة الأجتماعية في العراق في الحقبة الواقعة في منتصف الأربعينيات من القرن الماضي..
بعد أختفاء سائق السيارة,..راح أمحيسن يمشـط المنطقة بنظره, لعله يعثرعليه مُختبأً في حفرة اووراء َتلة,.. فخاب امله,..وتجمدت الدماء في عروقه, وصاريرتعـش ُرعباً,..وحدس المصائب التي قد يواجهها نتيجة تصرفات ذلك السائق الطلسـم!
وبعد حوالي الساعة, سـمع المنبه (الهورن), فألتفت نحو الصوت,.. وشاهد من على بعـد سيارة تكسي ينزل منها السائق(الطلسم) متوجهاً نحو سيارته ويجلس خلف المقود, ويومئ بأصبعه الى أمحيسن, طالباً منه التوجه نحوه! ,.. فذُهلَ امحيسن من تصرفاته,.. ولم يجد بُداً من التنفيذ, خوفاً من تعثرحظه المتعثر أصلاً!,..وعِاد ثانية مُلبياً النداء, وقد انعقد لـسانه, وتشنجت اعصـابه, واخذ يحدق في السائق لمعرفة ما يضمرله, والسائق يبادله النظرات بكل سخرية,ثم تشجع أمحيسن وسأله:
لماذاغادرت السيارة ؟,واين ذهبت؟, وما علاقتك بالتاكسي؟!
الا أن السائق لم يكترث, ويكتفي بالأبتسـامه فقط ,..ولم يرد على أي استفسار,..وبعد برهة من الزمن, يفتح صندوق سيارته, ويرفع منه حقيبة جلدية متوسطة الحجم, ثم يخرج بطاقة أمحيسن وقائمة بكل ما تحتويه الحقيبة, مع نصف ورقة من فئة العشرة دنانير!,..وقال له :
ستواجه شخص حال وصولك الى كراج بغداد وسيعطيك النصف الآخرللعملة التي معك,فتسلمه الحقيبة, واذا لم يحضرأحد,.. فالحقيبة ومحتوياتها هدية لك,..فهيا ارفع عفشك والحقيبة وتوجه للركوب في التاكسي الواقف هناك(واشارلمكانه) ,..لنقلك الى بغداد, حيث تلقيت أشارة باللاسلكي, لتحذيري من الدخول للعاصمة!, فخاف أمحيسن, وأمتثل لأمره, وحمل عفشه والحقيبة وتوجه نحو سيارة التاكسي!
أستقبله سائق التكسي, ووضع عفشه والحقيبة في الصندوق الخلفي, وطلب منه الجلوس في(الصدر), وبعد دقائق تحرك التاكسي بأتجاه بغداد,..وهكذا استعاد أمحيسن صحته,.. وزاد أطمأنانه عندما تخلص من شرالسائق الطلسم,..ولا يدري كم مضى من الوقت حتى بانت له أطراف بغداد, وشعر براحة نفسية عندما طرق سمعه أغنية من راديو السيارة,.. لصوت عذب المناداة رقيق,.. لسيدة الطرب أم كلثوم:
بغداد يا قلعة الأسود يا كعبة المجد والخلود
يا جبهة الشمس للوجود
سمعت في فجرك الوليد
توهج النار في القيود وبيرق النصر من جـــديد
يعود في ساحة الرشيد
بغداد يا قلعة الأســـــود يا كعبة المجد والخلود
يا جبهة الشمس للوجود
زأرت في حالك الظلام وقمت مشدودة الزمام
للنور للبعث للأمام لبأسك الظــــافر العتيد
ومــــجدك الخالد التليد عصفت بالنار والحديد
وعدت للنور من جديد
بغداد يا قلعة الأســــود يا كعبة المجد والخلود
يا جبهة الشمس للوجود
يا عربآ دوخوا الليالي وحطموا صخرة المحال
ضموا على شعلة النضال مواكب البعث والصعود
لقمة النصر في الوجود عودوا لأيامكم وعودي
كالفجر في زحفك المجيد
بغداد يا قلعة الأســـود يا كعبة المجد والخلود
يا جبهة الشمس للوجود
قد آذن الله في علاه أن يصحوالشرق من كراه
ويرحل الليل عن سماه وتسطع الشمس من جديد
من أمسنا للثائر البعيد
بغداد يا قلعة الأســــود يا كعبة المجد والخلود
يا جبهة الشمس للوجود
وبعد نصف ساعة ,..وقبل الوصول الى كراج بغداد,..توقف التاكسي بأمر من شرطي المروروطُلب من السائق ان يركن السيارة بعيداً عن الطريق العام,..ثم وصل مفوض الكمارك,..وسأل السائق عن وجود مواد ممنوعة في سيارته أي(قجغ)!, فأنكرالسائق علمه بأي شيئ , . وكررسؤاله على أمحيسن وأجاب بالنفي !,.. ثم أمرضابط شرطة الكمارك السائق لفتح صندوق السيارة, وفتح الحقيبة الجلدية,.. وبدأ بالتفتيش,فوجد فيها بضاعة من أرقى أنواع الساعات اليدوية وأنواع من الخواتم والعطوروالحلى الذهبية وملابس نساء داخلية واحذية!
تعجب الشرطي, وطلب من السائق بيان ملكيتها,فقال: انها تعود لمحيسن,..الا أن أمحيسن أنكر ذلك, وأستخرج القائمة التي معه,.. وراح يشرح لشرطي الكمارك كل ما داربينه وبين السائق الطلسم!,
فأستغرب الشرطي لما يرى,..وفي الحال وضع الكلبجة في معصم أمحيسن, وأخذ كل أوراق السائق الثبوتية, وطلب منه اللحاق به نحو مركز شرطة العباخانه,لأخذ أقوالهما والتحقيق في القضية !, والتفت
أمحيسن الى من حوله,..وقال لهم: حتماً أنتم ما عرفتوني!؟,.. فأنا أمحيسن,.. وصار كل واحد ماعنده حظ يكول:
حظي مثل "حظ أمحيـسـن"!
دونت افادة السائق, ثم اطلق سراحه,أما أمحيسن فقد اودع التوقيف على ذمة التحقبق,.. وتكررالتحقيق مـرات عديدة, وما من احد صَـدقَ ادعاء امحيسن, فقصته,.. أشـبه بالمسلسلات الهندية والتركية!
كان للموقف شباك يطل على حديقة تكتنفها الأشجار الباسقة,..ولاحظ أمحيسن وقوف حمامة (جميلة)على غصن مقابل الشباك, ظل يستمع لهديلها الشجي أو قل بكاؤها الذي يتفطرله القلب!,..فيمعن فيها النظر ويتصورها الحبيبة (جميلة)!, ويضحك كالمهوس, ثم ينحب كالطفل الرضيع,..ومن ثم يسمع ناظم الغزالي مُناجياً هديل حمامه,..ويغني:
ناحت بقربي حمامة:
أقُولُ وَقَدْ نَاحَتْ بِقُرْبي حمامَة ٌ:= أيا جارتا هلْ باتًَ حالكَ حالي ؟ معاذَ الهوى ! ماذقتُ طارقة َ النوى ،=وَلا خَطَرَتْ مِنكِ الهُمُومُ ببالِ أتحملُ محزونَ الفؤادِ قوادمٌ = على غصنٍ نائي المسافة ِ عالِ ؟ أيا جارتا ، ما أنصفَ الدهرُ بيننا != تَعَالَيْ أُقَاسِمْكِ الهُمُومَ، تَعَالِي! تَعَالَيْ تَرَيْ رُوحاً لَدَيّ ضَعِيفَة ً، = تَرَدّدُ في جِسْمٍ يُعَذّبُ بَالي أيَضْحَكُ مأسُورٌ، وَتَبكي طَلِيقَة ٌ، = ويسكتُ محزونٌ ، ويندبُ سالِ ؟ لقد كنتُ أولى منكِ بالدمعِ مقلة ً؛ = وَلَكِنّ دمعي
ومرَت الأيام , فطرق سـمع أمحيسن, خبر زيارة موظف كبيرمن وزارة الداخلية, عن طريق الشـرطي المكلف بخدمة الموقوفين, فدبت الشجاعة عند أمحيسن وفاتحه بقصـته, واعلمه برسـالة شـيخ الشطرة, ولم يصـدقه الى ان عرضـها عليه, ولما قرأها قال له:شيخ (خيون)!؟ هذا الشـــيخ نعتبره شيخ عشـيرتنا,ولذا فأنت(بن ولايتي),أي بلدياتي, ووعده بتسليمها الى وكيل وزيرالداخلية, حال وصـوله مركز الشرطة فكتب امحيسن رسـالة موجزة لقصـته, ملـتـمسـاً فيها من المسـؤول الزائرأعادة التحقيق معه ورفع الظلم عنه.
وفي يوم الزيارة, جاءه الشرطي (البلدياتي) فرحاً, وبشره بتوصيل رسـالته الى سـيادة وكيل الوزارة, وقد قرأها بأمعان,.. واسـتفسـر من مدير التحقيق عن الموضوع ,.. واطلع على افادة امحيسن, واستغرب او قل لم يصـدق حدوث مثل هذه القصة,وطلب اعادة التحقيق !
وبعد سـاعة, لاحظ امحيسن اهتماماً بشخصه,..وطلب منه الأسـتحمام وارتداء ملابساً نظيفة, تليق بأبناء الشيوخ !
بدأ التحقيق, بحضـور وكيل الوزارة , وما ان شـاهد أمحيسن حتى ابتسـم له, وتبادلا التحية من على بعدِ,.. ثم راح يصـغي بأمعان لكل أجوبته, وكانت ملامح الأسـتغراب واضحة على وجهه, وأبدى اشـد العجب مما سـمعه !
تولى وكيل الوزارة بنفسـه طرح الأسـئلة, وفهم امحيسن,الغاية من ذلك يعود لمعرفة قواه العقلية, فتكلم الوكيل مع لجنة التحقيق,.. وقدموا له اوراقاً لكي يملئها أمحيسن , وعلى الفورامتثل للأمر.
وبعد اكمالها سـلمها للمحقق,..وما ان قرأها حتى التفت الى وكيل الوزارة واثنى على قدرة امحيسن على الأجابة,..وعرض الأوراق على سـيادته, وبان عليه السـرور, وراح يغدق على أمحيسن المديح وكلمه بلهجة أهالي الشطرة ,..وقال:
مدينة الشطرة هي اول مدينة عملت فيها عند اول تعييني , واثنى على شــيخها المرحوم الحاج خيون آل عبيد, ثم طلب وكيل الوزارة من المحقق الأتصال بشـرطة المنتفك, (ذي قار), والأستفسار منهم عن هوية المالك والســائق والسـنوية للسـيارة التي اقـلت محسـن سـرحان مع البضـاعة المهربة من الشـطرة الى بغداد.
وبعد برهة وجيزة,..جاء الرد بعدم وجود اي سـجل لسـيارة الحمل التي تحمل الرقم المدون في فاتورة البضـاعة !
وما ان سـمع امحيسن بذلك, حتى هتف بأعلى صـوته :
" الله اكبر,..الله اكبر".
ثم التفت السـيد وكيل الوزارة الى المحققين وقال لهم :
"ان محسـن ســـرحان, ضـحية عصـابة ذكية,اوعمل خارق للطبيعة"وفي الحال طلب وكيل الوزارة من آمر التحقيق ان يصـدر امـراً بأطلاق سـراحه, وطلب منه المرورعليه في الوزارة صـباح الغد,.. وتقدم امحيسن نحوه لتقبيل يده, فسحبها وصـافحه بحرارة, ودس في جيبه بعض المال, ..فرفض امحيسن , الا ان الوكيل اصــر, وابى مسـاعدته ان لم يطاوعه, فوافق امحيسن على مضًض, وودعه وباقي المحققين, داعياً المولى ان يكثر من امثالهم , او قل من الذين يُحكمون العقل قبل القانون, ويتصرفون بحكمة تضـِمن حقوق الناس الأبرياء, ..ورحم الله من قال: "الرحمة فوق القانون "
يتبع في الحلقة /الحادية عشرة
للراغبين الأطلاع على الحلقة التاسعة:
http://www.algardenia.com/maqalat/8822-2014-02-11-09-07-55.html
1260 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع