وجبة طعام "صفحات من سيرة حياتي"

                                         

                            د.سهام علي السرور، الأردن حيث القلب

             

ما أن يؤذن الفجر حتى تطير عقارب الساعة، فكل شيء على عجل، ولا أعرف كيف أُصبح أسرع كائن على وجه الأرض،

ولكن ما أعرفه أن هذا من متطلبات الجمع بين الوظيفة وطلب العلم، ومن ضروريات اللحاق بأول حافلة تغادر قريتي، قريتي الخشبية المتهالكة ... أقصد الحجرية السوداء، وما أن أصعد الحافلة وأجلس حتى أبدأ بالتقاط ما تقطّع من أنفاسي، وأبدأ باستيعاب فكرة أن اليوم قد بدأ، فأرتب أفكاري، وأحاول الهدوء، بينما لازالت تتردد في أذني كلمات أختي الصغيرة، وهي تطلب مني أن أشاركها تناول طعام الإفطار؛ بعض من حبات الزيتون، وصحن من الزعتر وآخر من الزيت، وسيد الجلسة إبريق الشاي بالميرمية، كما تتردد في ذهني صورتها وهي تنظر إلي وبودها لو تساعدني؛ ولكن لا سبيل إلى ذلك فحتى المدفئة لن يكون ليديّ نصيب من حرارتها، كالعادة سأخرج وللبرد نصيب من أصابع يديّ، وستكبر أختي يومًا وتعرف أن الإفطار من كماليات الحياة بالنسبة لمثلي وليس من أساسياتها.     
اقتربت الساعة من الثانية ظهرًا، وخرجت من الدوام، باتجاه مكتبة الجامعة، هناك بعض الأبحاث لابد كتابتها، ولديّ رغبة بقراءة مسرحية "الشر المستطير" لا ليستطير شري، ولكن لأني قرأت بعض من صفحاتها بالصدفة فأحببت أن أقرأها كاملة هناك شيء جذبني إليها حيث حوت بعض كلماتها توجيه للطيبين بأن يكفوا عن ضعفهم.
في الحافلة بالطريق إلى الجامعة تراودني أفكار وبعض أبيات شعر، أدونها في دفتري البني الصغير، وبعد أكثر من ساعة أقف أمام المكتبة، ليس معي من الوقت كثير، أشعر ببعض الصداع، فمنذ الصباح لم آكل فقط هما الشاي والقهوة انسكبا في عروقي، ولكن التوقيت الشتوي يُذيب الشمس خلف الأفق مبكرًا، هي نصف ساعة معي، سأدخل المكتبة أما الطعام فسأتناوله لاحقًا، كم أحبها الكتب؛ رفوفها، متنها، هوامشها، صفحاتها البنية القديمة، أقلام الرصاص، تدوين ملاحظاتي على طرف دفتري التراثي، الكتب عالمي المُحبب ... عشيرتي كتب، ووطني مكتبة.
    وبسرعة تماثل التي خرجت بها من البيت صباحًا أغادر الجامعة إلى مجمّع الحافلات للحاق بآخر حافلة إلى قريتي، وحين أصل إلى البيت أنتبه إلى أن البرد لازال مستقرًا في أصابعي، والصداع أصبح أعنف، والوقت أصبح يتقلص باتجاه صباح جديد، أصنع كوب الشاي الثالث أو الرابع لا أذكر تمامًا كما لا أذكر كم كتاب احتضن نظراتي، ولكن الشيء المؤكد هو أن وجبة طعامي اليتيمة تقلصت إلى سندويشة جبنة وأنا أكتب الصفحة الأخيرة من أطروحتي الدكتوراه.

د.سهام علي السرور، الأردن حيث القلب.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1185 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع