البقاء لله فقط

                                               
لشارلي شابلن هذه الكلمة الحكيمة، وهي أنه لا شيء يبقى ولا يتغير.. حتى مشكلاتنا تتغير. وينطبق هذا المثل على الأعمال والمهن. فالتغير المتسارع الذي جاءت به المدرسة العقلانية والثورة الصناعية أخذ يقضي على الحرف والمهن ويأتي ببديل لها بين يوم وليلة.

رويت فيما سبق كيف أدى دخول الكهرباء إلى بغداد إلى القضاء على مهنة اللمبجية (صانعي الفوانيس والمصابيح النفطية). وعندما أخذ أرباب معامل النسيج في بريطانيا باستعمال الآلات والاستغناء عن المناول والمغازل اليدوية هجم عمال الغزل والنسيج على هذه الآلات وكسروها.

لم أرَ ذلك ولكنني رأيت نماذج طريفة في هذا المجال. كان الكتاب والعلماء والباحثون الذين يقومون في أبحاثهم بمراجعة المصادر والوثائق في صالة المطالعة من المتحف البريطاني (كما فعل كارل ماركس)، كانوا يضطرون إلى تكليف نفر من المستنسخين المحترفين لاستنساخ الوثائق وصفحات الكتب كما تتطلب أبحاثهم. كانوا مثل العرضحالجية عندنا، ولكن لاستنساخ الكتب العلمية.

كانت العادة أن يجلس هؤلاء المستنسخون في مقهى المتحف ومعهم القلم والدواة انتظارا لمن يكلفهم باستنساخ أي شيء. ولكن سرعان ما جاءت آلات الاستنساخ والتصوير الغرافيكي ودخلت مكتبة المتحف. ما على الباحث غير أن يكلف مأمور المكتبة باستنساخ أو تصوير أي شيء مقابل أجرة زهيدة. انتهت الحاجة للعرضحالجية. ولكنهم ظلوا بحكم العادة يتقاطرون إلى مقهى المتحف. كنت أراهم يتناولون القهوة ويأكلون الكعك ويتبادلون الحديث هناك دون أن يعرفوا ماذا يفعلون بأنفسهم. رأيتهم مرارا في هذا المشهد الحزين. عرضحالجية عاطلون ولا أحد يسأل عنهم!

قريبا من المتحف، كانت هناك امرأة فاضلة تقف في شارع شيرنغ كروس وبيدها حزمة من صحيفة «بيس نيوز» (أخبار السلام)، الصحيفة الرائدة والرائجة في أيام الحرب الباردة. كنت أكتب فيها ضمن حملتها للتبشير بالسلام. أكاد الآن أتذكر صوت تلك المرأة ينادي برقة «بيس نيوز! بيس نيوز! اقرأ بيس نيوز». ولكن شبح حرب عالمية ثالثة تلاشى ولم يعد موضوع السلام العالمي يشغل بال الناس. فقل الطلب على الجريدة. فحاول أصحابها ترويجها بإضافة صور خلاعية على نحو ما يفعل الكثيرون من أرباب الصناعة والأعمال. ولكن ذلك لم يرق لتلك السيدة المحترمة. رأيتها ذات يوم وقد قطعت الصورة الخلاعية ومزقتها وأخذت توزع ما بقي من الجريدة على المارين مجانا وقد دفعت أثمانها من جيبها. «بيس نيوز ببلاش! بيس نيوز ببلاش! اقرأ بيس نيوز مجانا!».

ولكن حتى الصور الخلاعية لم تنقذ الصحيفة واضطر أصحابها للتوقف عن إصدارها. وبذلك، اختفت تلك المرأة من شارع شيرنغ كروس مع سائر موزعي تلك الصحيفة النبيلة.

حدث مثل ذلك في العراق عندما أغلقت السلطات المبغى العام في 1956 وانتهى عمل المومسات فتدفقن على مقاهي بغداد يتوسلن الرجال: «اللي يريد زوجة تائبة ومخلصة! ارحموني يرحمكم الله. زوجة ببلاش، بلا مهر. واللي يريد خادمة نظيفة للبيت! اللي يريد أي شغل! أي خدمة! اشهدوا عليّ! الله وكيلي تبت!».

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

918 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع