أوباما أراد علاوي رئيساً للجمهورية(2/1)

                                                 

نشر موقع "عراق القانون" تقريراً بعنوان: " أوباما طالب طالباني بالتنازل عن الرئاسة العراقية لعلاوي". شمل التقرير تصريحات لشخصيات كردية ظهرت في صحيفتي "الشرق الأوسط" السعودية و"كردستان تربيون" الكردية الصادرة باللغة الإنكليزية. [يمكن الإطلاع على التقرير كاملاً على الرابط أدناه في (1)].

أود التعليق على ثلاث قضايا في التقرير مؤشرة أدناه، علماً أنني لا أدعو إلى القطيعة أو توتير العلاقات مع الولايات المتحدة بل أدعو إلى علاقات صداقة حقيقية قائمة على التكافؤ والإحترام المتبادل والمصالح المشتركة وإلا فلا لزوم لها:
1-ورد في التقرير:
"....إدارة الرئيس باراك أوباما كانت تريد أن يتولى زعيم القائمة العراقية إياد علاوي رئاسة الجمهورية  للحد مما كان المسؤولون في واشنطن يعتبرونه انزلاقا مثيرا للقلق لرئيس الوزراء نوري المالكي نحو الاستبداد."

هذه لغة الحرب الباردة حيث يُقال شيء جميل والمعني أمر آخر تماماً. إذ إعتادت الولايات المتحدة والغرب، آنذاك، التشهيرَ بالحكومات الوطنية وزعمائها في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية وتخويفهم وحشد التآمر عليهم عن طريق إتهام الدول والقادة بعدة تهم كان أكثرها شيوعاً تهمة الشيوعية وخدمة المخططات السوفييتية ومعاداة العالم الحر (كما فعلت مع الزعماء جمال عبد الناصر وعبد الكريم قاسم وسوكارنو ونكروما وحتى نهرو). تبدلت أوضاع العالم وتبدلت الموضة فأصبح حديث الإتهام اليوم ينصب على الديمقراطية والحريات والدكتاتورية والإستبداد والإرهاب. قسط كبير منها يستخدم في محله، وهذا أمر لا يمكن نكرانه. ولكن مازالت أساليب الحرب الباردة مستخدمة في حالات غير قليلة أيضاً. فيتم توجيه تهمة الإستبداد والمقصود أمر آخر.

 الآن يتهم البعض رئيس حكومة العراق السيد نوري المالكي،  بالإستبداد. لا أعير أي قدر من الأهمية لإتهام إئتلاف العراقية والحزب الديمقراطي الكردستاني  المالكي بالإستبداد فالذي بيته من زجاج عليه ألا يرمي بيوت الناس بالحجارة؛ كما إنهما يقرآن مزاج أصحاب المصالح العالمية كشركات النفط وداعمي إسرائيل ثم يوفران لهم مادة لممارسة الحرب الباردة ضد معتنقي مبدأ "عقود خدمة" في بغداد بدلاً من مطلب شركات النفط المحبب "الشراكة في الإنتاج"؛ كما لا أعير أهمية لإتهام التيار الصدري لأن منطلق قادته شخصي وإنتقامي وغير مسؤول ضد المالكي كما إن فهمهم للديمقراطية قاصر يشوبه التشوش الشديد.
 
سألتْ فضائية الحرة، مرة، عدة وزراء من عدة كتل: هل أن رئيس الوزراء المالكي يتخذ قرارات دون الرجوع إلى مجلس الوزراء والوزراء المعنيين؟ أجمع المستجوَبون على أن القرارات تتخذ في مجلس الوزراء بالتصويت؛ علماً أن إئتلاف دولة القانون لديه عدد محدود من الوزراء بحدود الأربعة من بين ما يربو على الثلاثين وزيراً.

في الحقيقة هناك عملان كيديان نصبهما إئتلاف العراقية بقيادة السيد أياد علاوي وهما:
 أولاً: التعمُّد في عدم ترشيح شخص مناسب لشغل حقيبة وزارة الدفاع. ولما أخطأ الإئتلاف ورشح السيد خالد العبيدي وجرت الموافقة عليه سرعان ما سحبوا الترشيح ورشحوا شخصاً  آخر متهماً بشبهة الإرهاب؛ وأخيراً رفضوا الدكتور سعدون الدليمي رغم أنه من تنظيم الوسط المنضوي في إئتلاف العراقية ورغم كونه مرشح هذا الإئتلاف لمنصب وزير الثقافة؛ فعيَّنه المالكي وزيراً للدفاع بالوكالة.
ثانياً: قدّم إئتلاف العراقية تصوّره التفصيلي للإتفاق المبدئي حول تشكيل "المجلس الوطني للسياسات العليا" ليشغله السيد أياد علاوي، فكان التصوّر عبارة عن وصفة كاملة لوضع الرئاسات الثلاث في جيب السيد علاوي ليصبح أقوى من "الولي الفقيه" الإيراني لأن هذا الفقيه يؤيد أو يرفض قرارات وقوانين مجلس الشورى. أما ولي قادتنا وفقهائنا، السيد علاوي، فهو الذي يُصدر القرارات مباشرة وعلى الآخرين التنفيذ.

إن إغفال إصدار تشريع لأخطر مجلس في العراق نص عليه الدستور وهو "مجلس الإتحاد"، والتأييد المبطن الغامض من قبل السيد مسعود برزاني لوصفة إئتلاف العراقية ل"المجلس الوطني للسياسات العليا" المفتعل والمتطفل على الدستور، يشيران إلى أن فكرة تأسيس "المجلس الوطني للسياسات العليا" هي فكرة أمريكية طلبَ نائب الرئيس السيد جو بايدن من "فخامة" السيد الرئيس مسعود برزاني طَرْحَها بإسمه (كحلّال حكيم لمشاكل العراق) لحل أزمة تشكيل الحكومة الذي تعقَّد بسبب الصدريين والمجلس الأعلى من جهة وبسبب التزوير الحاذق في إنتخابات 7/3/2010 البرلمانية، من جهة أخرى.

ربما أراد السيد بايدن من "تتويج" السيد علاوي على رئاسة "المجلس الوطني للسياسات العليا" – أراده كتعويض عن فشل طلب الرئيس أوباما ترشيحَ السيد علاوي لرئاسة الجمهورية وذلك "للحد ... من الإنزلاق المثير للقلق لرئيس الوزراء نوري المالكي نحو الإستبداد"، على حد ما ورد في التقرير الذي نحن بصدده.
من جهة أخرى، لو فرضنا جدلاً أن السيد المالكي ينزلق نحو الإستبداد، فهل أن السيد أياد علاوي هو الشخص المناسب "للحد" من هذا الإنزلاق؟ لا أرى ذلك، بل أرى أنه مطلوب لأداء مهام أخرى. لذا فقد جرى التزوير لإئتلافه والتفخيم له شخصياً.
هَدَفَ هذان الكيدان إلى إظهار التحالف الوطني وبالأخص إئتلاف دولة القانون وزعيمه رئيس الوزراء بمظهر المستأثر بالسلطة، وإظهار السيد المالكي بالمستبد الذي يسعى إلى الهيمنة على الأجهزة الأمنية ليسخرها لمصالحه الشخصية وتأسيس حكم دكتاتوري، وإظهار وضع العراق بالقلِق المقبل على حرب أهلية. كل ذلك الكيد كان يرمي إلى الضغط على الحكومة العراقية لإطالة أمد بقاء بعض القوات الأمريكية وعدم إنسحابها ربما للإنتفاع منها في يوم مشابه لما خُطط ليوم 25/2/2011 وفشل. إن نشر الشائعة التي كان مفادها أن المالكي إتفق مع الصدريين على تسليمهم قيادة عدد من الفرق العسكرية، كان مصمما لوضع مزيد من التبريرات بيد الأمريكيين لتوجيه مزيد من الضغط على التحالف الوطني لإبقاء قواتهم في العراق بعد 31/12/2011. وهذه الإشاعة، بتقديري، هي مساهمة السيد مسعود البرزاني  للضغط على المالكي بإتجاه إبقاء القوات (نزولاً عند رغبة الأمريكيين) لأن الذي أطلق الإشاعة بشكل حذلقي هو أحد مرتزقة الرئيس مسعود. يُخطئ من يظن أن الأمريكيين إنسحبوا من العراق من تلقاء ذاتهم لوعد إنتخابي قطعه الرئيس أوباما على نفسه، فتخريجات التملص من الوعود الإنتخابية أمر إعتيادي في دنيا السياسة. مازال الجمهوريون في الكونغرس يوجهون اللوم بعد اللوم لهذا الإنسحاب.  

لكنني أعير أهمية لإتهامات الإدارة الأمريكية والصحف الأمريكية والبريطانية وغيرها، لا للتعرف على حقيقة أوضاع العراق عبرها وأنا المواطن العراقي الحريص على شعبه ووطنه الذي كادت أن تكون متابعته لأوضاعهما يوميةً ومنذ أكثر من خمسن عاماً. لكنني أعير أهمية لها وأتابعها للتعرف على ما يراد للعراق وما يُخطط له.    
 
إن لصق تهمة الإستبداد بالسيد المالكي قد دحضه خبراء أمريكيون لا غير في فضائية الحرة (برنامج "الطبعة الأخيرة") إذ تساءلوا: "أليس المالكي مسؤولاً أمام البرلمان؟ وأليس المالكي سيواجه إنتخابات عامة؟ فكيف هو مستبد ودكتاتور، إذاً؟"
جوابي: إنها أساليب الحرب الباردة التي خبرناها جيداً، حتى ولو نسيها البعض من العراقيين.

حقيقة موقف الرئيس أوباما هو تفضيل علاوي على المالكي لرئاسة الحكومة. وقد كشف هذه الحقيقة قبل سنتين تقريباً السيد كنيث كاوتسمان، كبير الباحثين في الكونغرس الأمريكي، إذ قال في فضائية الحرة (برنامج الجهات الأربعة) "بأنني لا أتكلم بإسم البيت الأبيض ولكنني أعلم أن الرئيس أوباما يفضل علاوي على المالكي لأن علاوي ليس صديقاً لإيران".

هنا، إذاً، يتبين جذر إتهام المالكي بالإستبداد. وبتقديري، لولا الخوف من إحتمال تأجج أغلب الرأي العام العراقي المليوني والخوف من إحتمال دفع العراق بإتجاه إيران، لسمعنا إتهامات أشد وأقسى ومؤامرات يقل فيها الحذر.
منحت الوقائع اللاحقة مصداقية لقول السيد كاوتسمان إذ أصر المالكي على إستقلالية العراق ومد يد الصداقة للجميع وعدم الإنخراط في أي محور؛ بينما صرح علاوي جهاراً بأنه سيحارب إيران "سياسياً".
لذا فالمالكي مستبد وعلاوي ديمقراطي "للكَشر".

ماذا عسانا نفهم من كلام "النيويورك تايمز"، وهي تكيل ذات التهمة للمالكي، بأن صدور حكم الإعدام بحق طارق الهاشمي يفاقم الشعور الطائفي؟ هل هذا الكلام قراءة لحقيقة أم إنه تأجيج للطائفية؟ أما كانت الصحيفة ستقول "إن إظهار الحق وإصدار الحكم القضائي بشأن من خان الأمانة الوظيفية وأزهق أرواح أبرياء وزاد في وتيرة الإرهاب، ينبغي ألا يثير أي قدر من الشعور الطائفي" لو كان طارق الهاشمي ليس عراقياً ولو لم يكن يُراد للعراق الضعف والتمزق (بعد أن فشلوا في تحقيق كامل هذه المهمة وجيوشهم جاثمة على الأرض العراقية بفضل وعي الشعب العراقي وقادته المنتخبين)؟
 
عطفت صحيفة الغارديان المؤيدة لإسرائيل على نوري المالكي فلم تطلق قولها في 10/9/2012 بغير قيد: "سِجِلُّ إنتهاكات المالكي يتضخم بإنتظام"، لكنها عطفت عليه وقالت أيضاً: "رغم أنه ليس بقدر صدام". إنها نكتة سمجة لم يفُقْها قبحاً إلا رأي الموظف السابق لدى الإعلام السعودي واليوم نائب رئيس تحرير صحيفة "المدى" الذي كتب: " مباشرة ومن دون لفّ أو دوران أو تورية أو تعمية ومن دون تردد أقول انني أقصد هذه الحكومة بالذات .. الحكومة التي تُمسك الآن بالسلطة في عاصمتنا بغداد .. انها أسوأ حكومة في تاريخ العراق الحديث (تأسس العام 1921) .. أسوأ حتى من نظام صدام الذي كنا نعتقد انه الأسوأ والأبشع والأكثر وحشية في تاريخ العراق والمنطقة، بل العالم كله."

بالطبع، هذا الكلام صادر من السيد عدنان حسين الحانق لأن "الريح العراقية لا تجري بما تشتهي سفن السعودية و "أصدقائها زرافات ووحدانا"".
حَسٍبَ السيد عدنان حسين أن العراقيين قد نسوا صدام ونظام حكمه الطغموي(2). كيف لا يحسب ذلك وهو الذي كتب قبل عدة سنوات بأن العراقيين لا يعرفون أين تقع الأردن وأين تقع الكويت؛ أي كأنه يقول إن العراقيين "صم بكم عمي فهم لا يفقهون".
إن هذا هو البؤس والإفلاس الكبيرين.

أعود إلى بريطانيا وصحفها. ربما تنطلق المواقف البريطانية من حسابات تتعلق بتوقف الحرب الباردة وبالتالي بروز الفرصة أمامها للعودة إلى الشرق الأوسط بعد أن إحتكرته أمريكا لصالحها بعد إسقاط حكومة مصدق، ثم فشل العدوان الثلاثي على مصر إثر تأميم شركة قناة السويس عام 1956 ثم تدبير إنقلاب 8 شباط عام 1963 الطغموي الأسود ومساعدة السادات على طمس إرث عبد الناصر الوطني وزج طغمويي العراق في حربي الخليج الأولى (ضد إيران) والثانية (إحتلال الكويت) ومن ثم إحتلال أفغانستان وأخيراً إحتلال العراق. لذا شاركت بريطانيا  الولايات المتحدة في غزو العراق لأغراضهما الخاصة نجم عنه تحريره من الفاشست الطغمويين آملة في أن تستعيد موطئ قدم لها في العراق معتمدة على عملائها التقليديين الذين أسست لهم نظاما تمتعوا فيه طويلاً وتبادلوا المنافع معها وهم الطغمويون بأنواعهم الثلاث: الملكيين والقوميين والبعثيين.

قد يفسر هذا، إضافة إلى رغبة إسرائيل في أن ترى في بغداد حكومة معادية لإيران وتدخل في حرب معها دون مبرر وتؤيد التدخل العسكري في سوريا، إلحاحَ بعض الصحف كالغارديان للتحرش بالعراق ووصف المالكي بالمستبد والدكتاتور.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1): تمكن مراجعة التقرير كاملاً على الرابط التالي:
http://www.qanon302.net/news/news.php?action=view&id=22522
(2): للإطلاع على "النظم الطغموية حكمتْ العراق منذ تأسيسه" و "الطائفية" و "الوطنية" راجع الرابط التالي رجاءاً:
http://www.qanon302.net/news/news.php?action=view&id=14181

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1074 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع