
عبد يونس لافي
الرسالة الثانية من رسائل رجال حاشية البلاط الآشوري/مُسْتَلَّةً من أرشيف نينوى إبّان الامبراطوريةَ الآشوريَّةَ الحديثة(Neo-Assyrian Empire)
الآن نأتي الى الرسالة الثانية التي كان قد بعث بها أداد - شومي – يوصُر (Adad-šumi-uṣur) الى الملك آشوربانيپال (Ashurbanipal) وقد بدأها كالعادة داعيًا له بالصحة التامة، وأن يُسدِلَ عليه الإلهان
نابو (Nabû)ومردوخ (Marduk) البركةَ تلو البركة، ثم يخبره بما عليه موظفو مخازن الأسلحة من اوضاع نفسية تدعو الى الاطمئنان.
مما يبدو من هذه الرسالة أنَّ الملك كان قد وجَّه له رسالةً سابقةً ضمَّنها كلماتٍ طيبةً، وذاكرًا فيها اسماءَ آلهةٍ عِظامٍ، ولذا فهو يتمنّى ان تعود تلك الكلماتُ الطيبةُ، وبركاتُ الآلهة المذكورة، على الملك نفسه بالخير والسلام، وتدفع البلدانَ القويةَ الاخرى الى مباركةِ عهدِه، وتسخيرِ دعاءِها المستمرِّ لحفظهِ وأولادِه من كل شر، وأنْ تمُدَّه الآلهةُ بالصحة لآلافٍ من سنين السَّعدِ والتَّمكين. ثم يقول له اذا ما تحقق ما قام به من عملياتٍ سحريةِ تحت رعاية الإلهين إيا (Ea) وأسَلوحي (Asalluhi) ، فإنَّما هو بسبب كلمات الملك الطيبة وبركاته التي ارسلها له.
من الجدير بالذكر ان إيا (Ea) هو إلهُ الحكمة كما ورد في مقالٍ لنا سابق، ويسمى احيانًا أنكي (Enki) وهما تسميتان لنفس الاله، اذ أنَّ إيا هي تسميةُ الأكديِّين و البابليّين اما أنكي فهي تسميةُ السومريّين. اما أسَلوحي (Asalluhi) فهو إله السحر والتعويذات وطرد الارواح الشٍّرِّيرة.
من اللافت للنظر أنَّ هذا الرجلَ حينما ذكر رسالةَ الملك الموجَّهة اليه، يصف نفسه وهو يستلم تلك الرسالة، بأنًّه كلبُ الملك وخادمُه، وأنّه الرجلُ العجوزُ الذي يعيش في قصره ليس إلّا.
هنا اتوقَّف قليلًا لأميط اللثامَ عن سبب تشبيه الرچل العجوز نفسه بالكلب. هذا التشبيه يبدو للوهلة الاولى إمعانًا في احتقار الذات، اما الحال فهو غير ذلك، فما كان سائدًا في بلاد الحضارات القديمة، حضارات بلاد الرافدين ، أنْ يصفَ المرؤوسُ نفسَه أنَّه كلبٌ، للتعبير عن الوفاء والخضوع والاحترام المطلق لإرادةِ السيد او الملك، لأن الكلبَ يمتاز بحفظه الود والاندفاع الفوري للدفاع بشراسةٍ عن مالكه إن داهمه خطر، دون انتظار اوامر او طموحٍ لجزاء. وهو بهذا الوصف انما اراد ان يقول للملك، انه المخلص الذي لا يناقَشُ اخلاصُه، وأنَّه المستعدُّ لتنفيذ الأوامر دون نقاش.
وهنا نعرض نص رسالة الرجل للملك:
إلى الملك، سيدي آشوربانيپال (Ashurbanipal)،
من خادمك أداد - شومي – يوصُر (Adad-šumi-uṣur) ،
الصحةَ الجيدةَ لجلالتِك!
ليمنحِ الإلهان نابو (Nabû) ومردوخ (Marduk) لك البركة.
كلُّ شيءٍ على ما يُرام مع موظفي ترسانةِ الأسلحة؛
إنهم في حالةٍ نفسيةٍ جيدة.
عسى جميع الآلهة العظماء الذين ذكر جلالتك أسماءهم،
تجعل جلالتك تستفيد من هذه الكلمات الطيبة،
ومن البركات نفسها التي أرسلها جلالتك (في رسالته الأخيرة لي)،
انا كلبه وخادمه، الرجل العجوز الذي يعيش في قصره؛
وتجعل البلدان الأجنبية القوية، تبارك جلالتك وتصلي ليلً نهار،
صباحَ مساء، إلى الآلهة العظماء للكون بأسره،
آلهة آشور، آلهة بابل، وجميع البلدان الأخرى،
من أجل سلامة شخص جلالتك، وأبناء الملك،
وتمنح جلالَتَك آلاف السنين من السعادة والرفاهية.
الآن أنا أعلم أنَّه إذا نجحت العملياتُ السحريَّةُ لخادمك،
تحت هدي الإلهين إيا (Ea) وأسَلوحي (Asalluhi)،
فسيكون ذلك فقط بفضل هذه البركات التي أرسلها جلالتك إلى خادمه.

700 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع