
الباحث: أ.مصطفى مودبُّو بكري-باحث في مرحلة الدكتوراه بجامعة ماروا – الكاميرون
جهود العلامة مودِبو بكري في خدمة شعر ابن دريد وتعزيز الأدب العربي بالكاميرون
دراسة وصفية تحليلية
الملخص
تتناول هذه الدراسة التحليلية الوصفية جهود العلامة مودِبو بكري الكاميروني في خدمة الأدب العربي، ولا سيما في نشر شعر ابن دريد وإبراز قيمته الفنية والفكرية في البيئة الثقافية الكاميرونية. تسعى الدراسة إلى الكشف عن الدور الريادي الذي اضطلع به هذا العالم في ربط التراث العربي الكلاسيكي بالواقع الأدبي المحلي، من خلال نشاطه العلمي والتربوي، ومؤلفاته، ومحاضراته التي أسهمت في إحياء الاهتمام بالشعر العربي القديم.
واعتمدت الدراسة المنهج الوصفي التحليلي، فوصفت مظاهر اهتمام العلامة مودِبو بكري بشعر ابن دريد، وحللت الأساليب التي استخدمها في نشره وتبسيطه للطلاب والباحثين في الكاميرون. كما تناولت الدراسة أثر هذه الجهود في تعزيز مكانة الأدب العربي في المؤسسات التعليمية والدينية، وفي تشجيع الأجيال الجديدة على دراسة الشعر العربي بوصفه جزءًا من الهوية الثقافية الإسلامية الإفريقية.
وأظهرت النتائج أن العلامة مودِبو بكري لم يقتصر على نقل النصوص الشعرية، بل عمل على تفسيرها وتحليلها بأسلوب يجمع بين الأصالة والمعاصرة، مما جعل شعر ابن دريد وسيلة لتقوية الصلة بين التراث العربي والواقع الثقافي الكاميروني. كما بيّنت الدراسة أن جهوده أسهمت في إثراء الحركة الأدبية العربية في الكاميرون، وفتحت آفاقًا جديدة للبحث في الأدب العربي القديم ضمن السياق الإفريقي.
وتخلص الدراسة إلى أن تجربة العلامة مودِبو بكري تمثل نموذجًا فريدًا في التفاعل الثقافي بين الأدب العربي والتراث الإفريقي، وتؤكد أهمية استثمار التراث الأدبي العربي في بناء هوية ثقافية متوازنة تجمع بين الأصالة والانفتاح.
الكلمات المفتاحية:مودِبو بكري- ابن دريد- الأدب العربي في الكاميرون- الشعر العربي القديم -التفاعل الثقافي العربي الإفريقي.
Les efforts du savant Modibo Bakri dans la valorisation de la poésie d’Ibn Duraid et la promotion de la littérature arabe au Cameroun
étude descriptive et analytique
Moustapha Modibo Bakary-Doctorant – Université de Maroua – Cameroun
Téléphone :00237 697569492 /00237 675102357
E-mail : عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
Abstract:
Cette étude descriptive et analytique examine les contributions du savant camerounais Modibo Bakri à la promotion de la littérature arabe, en particulier à la diffusion de la poésie d’Ibn Duraid et à la mise en valeur de sa portée artistique et intellectuelle dans le contexte culturel camerounais. Elle vise à mettre en lumière le rôle pionnier joué par ce chercheur dans le rapprochement entre le patrimoine littéraire arabe classique et la réalité littéraire locale, à travers son activité scientifique et éducative, ses ouvrages et ses conférences, qui ont contribué à raviver l’intérêt pour la poésie arabe ancienne.
L’étude adopte une approche à la fois descriptive et analytique : elle décrit les manifestations de l’intérêt de Modibo Bakri pour la poésie d’Ibn Duraid et analyse les méthodes qu’il a employées pour la diffuser et la rendre accessible aux étudiants et chercheurs camerounais. Elle met également en évidence l’impact de ces efforts sur le renforcement du statut de la littérature arabe au sein des institutions éducatives et religieuses, ainsi que sur l’encouragement des jeunes générations à étudier la poésie arabe comme composante essentielle de l’identité culturelle islamique africaine.
Les résultats montrent que Modibo Bakri ne s’est pas limité à transmettre les textes poétiques, mais qu’il les a interprétés et analysés selon une approche conciliant authenticité et modernité. Ainsi, la poésie d’Ibn Duraid est devenue, sous son impulsion, un moyen de consolider le lien entre le patrimoine arabe et la réalité culturelle camerounaise. L’étude révèle également que ses efforts ont enrichi le mouvement littéraire arabe au Cameroun et ouvert de nouvelles perspectives de recherche sur la littérature arabe ancienne dans le contexte africain.
En conclusion, l’expérience de Modibo Bakri constitue un modèle singulier d’interaction culturelle entre la littérature arabe et le patrimoine africain. Elle souligne l’importance de valoriser l’héritage littéraire arabe dans la construction d’une identité culturelle équilibrée, fondée sur l’alliance entre authenticité et ouverture.
Mots-clés :Modibo Bakri – Ibn Duraid – Littérature arabe au Cameroun – Poésie arabe ancienne – Interaction culturelle arabo-africaine.
مقدمة
يُعدّ التعليم التقليدي في الكاميرون، ولا سيما في شمالها، أحد الركائز الأساسية التي حافظت على استمرارية الثقافة العربية الإسلامية، وأسهمت في ترسيخ القيم الأدبية واللغوية في المجتمع. ومن بين الشخصيات البارزة التي كان لها أثر بالغ في هذا المجال العلامة مودِبو بكري، الذي كرّس حياته لخدمة اللغة العربية وآدابها، من خلال حلقاته التعليمية بمدينة قاروا الشمالية في منطقة الماميرون. وقد تميّزت جهوده بتوظيف الشعر العربي القديم، ولا سيما شعر ابن دريد، في تعليم اللغة وتحفيظها للطلاب، مما جعل تجربته نموذجًا فريدًا في الجمع بين التعليم التقليدي والذوق الأدبي الرفيع.
وتتمثل الإشكالية الرئيسة لهذه الدراسة في التساؤل حول مدى إسهام العلامة مودِبو بكري في تعليم شعر ابن دريد وتحفيظه، ودوره في تعزيز الأدب العربي في الكاميرون من خلال حلقاته التعليمية التقليدية بمدينة قاروا. كما تطرح الدراسة تساؤلات فرعية تتعلق بطرائق تدريسه، وأثر منهجه في تكوين الذائقة الأدبية لدى طلابه، ومدى انعكاس جهوده على المشهد الثقافي العربي في المنطقة.
وتنبع أهمية هذه الدراسة من كونها تسلط الضوء على إحدى الشخصيات العلمية والأدبية البارزة في الكاميرون، التي لم تنل حظها الكافي من البحث الأكاديمي، رغم إسهاماتها الكبيرة في نشر اللغة العربية وآدابها. كما تبرز أهمية الدراسة في توثيق تجربة تعليمية تقليدية حافظت على التراث الأدبي العربي في بيئة إفريقية متعددة الثقافات، وأسهمت في بناء جسور التواصل بين الموروث العربي والإفريقي.
تهدف هذه الدراسة إلى تحقيق النقاط التالية:
1-التعريف بالعلامة مودِبو بكري وسيرته العلمية والتعليمية.
2-تحليل منهجه في تعليم شعر ابن دريد وتحفيظه في حلقاته التعليمية.
3-إبراز دوره في نشر الأدب العربي وتعزيزه في الكاميرون.
4-دراسة الأثر الثقافي والتربوي لتجربته في البيئة التعليمية التقليدية بمدينة قاروا.
5-المساهمة في إثراء الدراسات الأدبية والتعليمية حول التعليم العربي الإسلامي في إفريقيا جنوب الصحراء. وتعتمد هذه الدراسة على المنهج الوصفي التحليلي، الذي يقوم على جمع المعلومات المتعلقة بالعلامة مودِبو بكري من المصادر الشفوية والمكتوبة، ووصف تجربته التعليمية وتحليلها في ضوء المفاهيم التربوية والأدبية. كما يُستعان بالمنهج التاريخي لتتبع تطور التعليم العربي في الكاميرون.
وبذلك تسعى هذه الدراسة إلى تقديم رؤية علمية متكاملة حول جهود العلامة مودِبو بكري في خدمة الأدب العربي وتعليمه، وإبراز مكانته في المشهد الثقافي الكاميروني والعربي على حد سواء.
المبحث التمهيدي
جهود مودبو بكري في خدمة شعر ابن دريد الأزدي بمدينة قاروا شمال الكاميرون
أولاً: مدخل عام
يُعدّ الاهتمام بالتراث العربي والإسلامي من أبرز مظاهر النهضة العلمية في بلاد السودان الغربي، إذ شكّل هذا التراث قاعدةً أساسية لبناء الهوية الثقافية والعلمية لشعوب المنطقة. وقد كانت الكاميرون، ولا سيما مناطقها الشمالية، من أهم المراكز التي احتضنت المدارس العلمية التقليدية، وأسهمت في نشر اللغة العربية وعلومها بين الأجيال المتعاقبة، حتى غدت العربية لغة علمٍ وثقافةٍ ودينٍ في تلك الديار.
وفي هذا الإطار، برز عدد من العلماء الذين حملوا على عاتقهم مهمة الحفاظ على التراث العربي الإسلامي ونقله إلى الأجيال الجديدة بأساليب تجمع بين الأصالة والتجديد. ومن أبرز هؤلاء العالم الكاميروني مودبو بكري، الذي عُرف بعنايته الخاصة بتراث العلامة ابن دريد الأزدي، وبخاصة مقصورته الشهيرة التي تُعد من عيون الشعر العربي في اللغة والأدب.
لقد جعل مودبو بكري من حلقته العلمية بمدينة قاروا منارةً لتعليم المقصورة وشرحها وتحفيظها للطلاب، في إطار منهج علمي يجمع بين عمق الفهم اللغوي وجمال العرض التربوي. وكان الشيخ يشرح أبيات المقصورة بلغة عربية فصيحة، ثم يترجم معانيها إلى اللغة الفلانية المحلية بأسلوب مؤثر يجمع بين البلاغة والوضوح، مما جعل دروسه مفهومة ومحببة إلى نفوس طلابه، وأكسبها طابعاً تفاعلياً فريداً.
وقد شكّلت جهود مودبو بكري نموذجاً متميزاً في تفاعل العلماء الأفارقة مع التراث العربي، إذ لم يقتصر دوره على النقل أو التلقين، بل تجاوز ذلك إلى إحياء النصوص التراثية في بيئة لغوية وثقافية مغايرة، فربط بين الموروث العربي والواقع الإفريقي، وأسهم في ترسيخ مكانة العربية كلغة علمٍ وأدبٍ في شمال الكاميرون.
وتتجلى أهمية دراسة جهوده في كونها تمثل نموذجاً حياً لتاريخ التفاعل الثقافي بين العالم العربي وإفريقيا جنوب الصحراء، كما تسهم في إبراز الدور الذي لعبه العلماء المحليون في صون التراث العربي الإسلامي ونشره بوسائل تربوية أصيلة. ومن هنا تأتي هذه الدراسة لتسلّط الضوء على منهجه في التعليم والشرح والتحفيظ، وتكشف عن أثره في تكوين جيل من المتعلمين الذين حملوا مشعل العربية في بلادهم.
ثانياً: التعريف بالعالم مودبو بكري
ينتمي مودبو بكري إلى أسرة علمية عريقة في مدينة قاروا، عُرفت بالتمسك بالعلم والتعليم الشرعي، وبإسهامها في نشر العربية وعلومها في المنطقة. نشأ في بيئة علمية تقليدية، فبدأ تعليمه في الكتاتيب بحفظ القرآن الكريم وتعلّم مبادئ اللغة العربية، ثم واصل دراسته في حلقات العلماء المحليين الذين كانوا يمثلون امتداداً للمدارس الإسلامية القديمة في بلاد السودان الغربي.
تميّز مودبو بكري بذكاء لغوي حاد وولعٍ بالأدب العربي والثقافة الإسلامية الواسعة، فكان شغوفاً بقراءة دواوين الشعراء القدامى، ولا سيما شعراء المدرسة اللغوية كابن دريد والأصمعي وابن فارس. وقد انعكس هذا الاهتمام في منهجه التعليمي، حيث اعتمد على الشرح والتحليل اللغوي للنصوص، مع التركيز على الجوانب الصوتية والعروضية في الشعر العربي، مما جعل دروسه تجمع بين المتعة الأدبية والدقة العلمية.
وكان أسلوبه التربوي يقوم على المزاوجة بين الأصالة والمعاصرة؛ فإلى جانب شرحه للنصوص بالعربية الفصحى، كان يترجم معانيها إلى الفلانية والهوساوية، مستخدماً لغة محلية فصيحة قريبة من الفصحى، مما قرّب المعاني إلى أذهان الطلاب، وأثار فيهم حب العربية والرغبة في تعلمها. وقد تميزت طريقته بالبساطة والعمق في آنٍ واحد، إذ كان يربط بين المعنى اللغوي والدلالة الثقافية، ويستخرج من الأبيات دروساً أخلاقية وتربوية تناسب واقع المجتمع المحلي.
كما كان الشيخ يعتمد في تدريسه على منهج التدرج العلمي، فيبدأ بتلقين الطلاب الأبيات القصيرة ذات المعاني الواضحة، ثم ينتقل إلى الأبيات ذات التراكيب المعقدة، مع الحرص على الشرح المفصل للمفردات الغريبة، وبيان أصولها الصرفية والنحوية. وكان يولي اهتماماً خاصاً بالجانب الصوتي، فيدرب طلابه على النطق الصحيح للألفاظ العربية، مما جعل حلقته مدرسة لغوية متكاملة تجمع بين النظرية والتطبيق.
ومن الجوانب المميزة في منهجه اعتماده على الحفظ الجماعي، حيث كان الطلاب يرددون الأبيات بصوت واحد بعد سماعها من الشيخ، ثم يتناوبون على إلقائها فرادى، مما يعزز ملكة النطق السليم ويقوي الذاكرة السمعية. وكان هذا الأسلوب التربوي يخلق جواً من التفاعل الجماعي والانضباط العلمي، ويغرس في الطلاب روح التعاون والمنافسة في طلب العلم.
لقد مثّل مودبو بكري حلقة وصل بين التراث العربي الكلاسيكي والواقع الإفريقي المعاصر، فكان من العلماء الذين أدركوا أن خدمة التراث لا تكون بالحفظ وحده، بل بالتعليم والتطبيق والتجديد. ومن خلال حلقته العلمية في قاروا، استطاع أن يكوّن جيلاً من الطلاب المتمكنين في اللغة العربية والمهتمين بتراثها، فانتشرت بفضل جهوده مقصورة ابن دريد في أوساط المتعلمين، وأصبحت جزءاً من الذاكرة الثقافية المحلية.
ثالثاً: القيمة العلمية والتربوية لجهوده
تتجلى القيمة العلمية لجهود مودبو بكري في قدرته على توظيف النصوص التراثية لخدمة التعليم اللغوي في بيئة غير عربية، إذ جعل من مقصورة ابن دريد وسيلة لتقوية الملكة اللغوية لدى طلابه، وتعريفهم بجماليات العربية من خلال الشعر. كما أسهم في ترسيخ منهج التحليل اللغوي القائم على الفهم العميق للنصوص، لا على الحفظ الآلي وحده.
أما من الناحية التربوية، فقد جسّد الشيخ نموذج العالم المربي الذي يجمع بين العلم والعمل، فكان يربط بين المعاني اللغوية والقيم الأخلاقية، ويستخرج من الأبيات دروساً في الصدق، والوفاء، والزهد، وحب العلم. وبذلك تحولت دروسه إلى مجال لتربية النفوس وصقل العقول، لا مجرد تلقين لغوي.
رابعاً: أهمية دراسة الموضوع
تنبع أهمية هذا المبحث من كونه يسهم في توثيق جانب مهم من تاريخ التعليم العربي الإسلامي في الكاميرون، ويكشف عن الدور الريادي الذي قام به العلماء المحليون في نشر العربية وعلومها. كما يبرز كيف استطاع التراث العربي أن يجد له امتداداً حياً في البيئات الإفريقية، بفضل جهود علماء مخلصين مثل مودبو بكري، الذين جمعوا بين الأصالة في المنهج والابتكار في العرض.
إن دراسة جهود هذا العالم تفتح آفاقاً جديدة لفهم مسارات التفاعل الثقافي بين العرب والأفارقة، وتؤكد أن اللغة العربية لم تكن لغة وافدة فحسب، بل أصبحت جزءاً من النسيج الثقافي والاجتماعي في شمال الكاميرون، بفضل جهود العلماء الذين جعلوا من تعليمها رسالة حضارية وإنسانية.
ويمثل العالم مودبو بكري نموذجاً فريداً للعالم الإفريقي الذي خدم التراث العربي الإسلامي بعلمٍ راسخٍ ومنهجٍ تربوي متين. فقد استطاع أن يجعل من مقصورة ابن دريد جسراً للتواصل بين الماضي والحاضر، وبين العربية واللغات الإفريقية، وبين العلم والأخلاق. وتبقى جهوده شاهداً على أن خدمة التراث لا تقتصر على التأليف والبحث، بل تمتد إلى التعليم والتربية والتأثير في الأجيال، وهو ما حققه هذا العالم الجليل في بيئته العلمية بمدينة قاروا.
المحور الأول: ترجمة الشيخ مودبو بكري
أولاً: تعريف قرية دينغالي
قرية دينغالي إحدى القرى الواقعة في ضواحي شمال الكاميرون، تحديدًا في منطقة غاروا، بالقرب من لاقدو، وتبعد عنها نحو ثمانين كيلومترًا. تمتاز القرية بنقاء هوائها واعتدال مناخها طوال فصول السنة، كما تتسم بتربتها الخصبة التي تجعلها صالحة للزراعة والرعي.
يقطنها عدد من القبائل، غير أن السكان الأصليين ينتمون إلى قبيلة فلاتة ييلغا (Fulbe Yillaga)، الذين استقروا في المنطقة منذ زمن بعيد، وهم المؤسسون الأوائل للقرية.
تعود أصولهم إلى أرض ميلي في دولة مالي، حيث انتقلوا منها إلى مناطق متعددة مثل تيمبل (Timpile) ويولابمالاجي (Yolabmaladje) في منطقة بيبمي (Bimemi)، قبل أن يستقروا في دينغالي.
كان الاسم الأول للقرية لاتوما (Latoma)، ثم تغيّر إلى دينغالي عام 1840م. تعاقب على زعامتها عدد من القادة، منهم: مودبو عثمانو، مودبو عمر، جورو حمدو، جورو نانا حياتو، ابن أرطو أحمدو، عرطو، إلى أن تولى الزعامة مودبو يعقوب بن مودبو عمر، الذي كان أيضًا المسؤول الديني للمنطقة.
(المصدر: مقابلة ميدانية مع مودبو يعقوب مودبو عمرو دينغالي، يوم الخميس 25 يوليو 2024م، الساعة 10:30 صباحًا، بحي ليديري).
ثانيًا: اسمه ونسبه
اسمه الكامل بكري بن محمد تشيوتو بن حما آدم دنجووا. أما لقب دنجووا فله قصة تاريخية تعود إلى العلاقة بين حما آدم ولاميدو راي بوبا أحمدو، الذي أُعجب بشخصيته وهيئته، فأطلق عليه هذا اللقب بعد أن ألبسه سبع حلل تكريمًا له، وقال له: "حما آدم دنجووا، أحبك في الله، وأتخذك من اليوم صديقًا لي".
(المصدر: مقابلة ميدانية مع مودبو سليمانو مودبو، يوم الثلاثاء 21 يناير 2025م، الساعة 16:30–18:00، بحي ليديري). وكان جدّه حما آدم دنجووا يُكنّي حفيده بكري بغو.
وتنتمي أسرة والده إلى العلماء المتخصصين في علم الفلك والحساب، وكانوا يقيمون في منطقة حما جم تشوتو بأرض راي بوبا.
أما أسرة والدته فكانت متخصصة في العلوم الشرعية والطب التقليدي، ويقيمون في قرية دينغالي، وكلا الأسرتين من القبيلة نفسها.
واسم والدته آمنة بنت طاهر، وهي شقيقة مودبو داوا. وكان جدها مودبو طاهر من العلماء البارزين، يحفظ مختصر خليل عن ظهر قلب ويشرحه، وقد عُرف بسعة علمه في الفقه المالكي.
أنجبت أمهم تسعة عشر طفلًا، توفي معظمهم في سن مبكرة، ولم يبقَ منهم سوى ستة: أربعة ذكور وامرأتان، وهم: مودبو بكري، مودبو عثمانو، عمرو، غوغو نيني (رحمهم الله)، غوغو عاتو، والحاج موسى.
(المصدر: مقابلة ميدانية مع مودبو سليمانو مودبو، يوم الثلاثاء 21 يناير 2025م، الساعة 11:00–13:00).
ثالثًا: أزواجه وأولاده
تزوج الشيخ مودبو بكري ثلاث زوجات:
الزوجة الأولى: الحاجة فاطمة ددي (رحمها الله)، وأنجبت أربعة أبناء:عائشة-خديجة-رابية-حسن.
الزوجة الثانية: الحاجة زينب، وتُعرف بلقب حاجة غوغو، وأنجبت تسعة أبناء:حمدو بابا-محمود (رحمه الله)-فاطمة دودو-إبراهيم-سليمانو-يوسف-ميرمو مما-حياتو-مصطفى.
الزوجة الثالثة: الحاجة فاطمة كنغي (رحمها الله)، وأنجبت اثني عشر ولدًا وبنتًا:منيرة (رحمها الله)-أم الخير (رحمها الله)-نور الدين-مختار-سكينة (رحمها الله)-سارة-حنة-بهاء الدين-سفيان-عبد الرؤوف-خمساء-هود (رحمه الله).
وبذلك يبلغ مجموع أبنائه خمسةً وعشرين من الذكور والإناث.
(المصدر: مقابلة ميدانية مع مودبو سليمانو مودبو، يوم الثلاثاء 21 يناير 2025م، الساعة 11:00–13:00).
ولادته ونشأته
وُلد العالِم الفقيه والأديب والمحدّث والمفسّر المالكي، الشيخ مودبو بكري دينغالي – رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته – في قرية صغيرة من ضواحي مدينة غاروا، بالقرب من لاقدو، وتُعرف هذه القرية باسم دينغالي. نشأ الشيخ في أسرة كريمة متدينة عُرفت بالعلم والتقوى والتواضع. وُلد عام 1921م، وتربّى في قريته حتى بلغ التاسعة من عمره، حيث أتمّ حفظ القرآن الكريم، وأُجري له الختان، ثم انتقل إلى والده الذي كان يقيم في قرية أخرى تُدعى حوما حما تيشوتو، التابعة لسلطة راي بوبا. كان والده حينها عمدة القرية، وقد أسسها جدّه مودبو آدم دنجووا بعد عودته إلى موطن أجداده في دينغالي.
(المصدر: مقابلة مع مودبو سليمانو مودبو، الثلاثاء 21 يناير 2025م، من الساعة 11:00 إلى 13:00).
حياته الدينية والاجتماعية
أولاً: حياته الدينية
أتمّ الشيخ مودبو بكري دينغالي حفظ القرآن الكريم وهو في العاشرة من عمره، ومنذ ذلك الحين اعتاد ختمه أسبوعياً. تميزت حياته بالعبادة المنتظمة والانضباط في الوقت، فكان يومه يبدأ قبل الفجر بالقيام والذكر وتلاوة القرآن، ويختم ليله بالاستغفار، إذ كان يستغفر الله ثلاثين ألف مرة قبل النوم.
كان يؤمّ المصلين في صلاة الفجر بمسجده، ثم يعود إلى بيته لمواصلة أوراده حتى السادسة صباحاً، بعدها يتوجه إلى مجلسه التعليمي لتدريس طلابه حتى الثامنة والنصف. وبعد أداء صلاة الضحى وتناول الفطور، يخصص وقتاً لتعليم زوجاته أمور الدين، ثم يجلس مع تلاميذه المقربين في مجلس علمي وأخوي يمتد حتى الظهر، حيث تُختتم الجلسة بالدعاء الجماعي.
بعد القيلولة والغداء، يؤدي صلاة الظهر، ثم يواصل التدريس في الفترة المسائية من الثانية إلى الثالثة والنصف، يعقبها صلاة العصر في مسجده. وكان يختم القرآن كل أسبوع في فترة العصر، بحضور أهله وأبنائه، ويخصص وقتاً لمطالعة أمهات الكتب. ومع اقتراب المغرب، يتوجه إلى المسجد لأداء الصلاة، ثم يعود لمتابعة أوراده حتى صلاة العشاء، وبعدها يجلس مع طلابه وأبنائه لتناول العشاء الخفيف ومواصلة الحديث العلمي حتى العاشرة مساءً، حيث يختم جلسته بالدعاء.
عُرف الشيخ بانضباطه الشديد في تنظيم وقته، فلم يكن يترك لحظة دون فائدة دينية أو علمية. وكان كثير الصيام، يصوم معظم أيام السنة، وخاصة في الأشهر الحرم، كما أدّى فريضة الحج ست مرات.
(المصدر: الحاج إبراهيم مودبو، الأحد 19 يناير 2025م، البيت الكبير).
ثانيا: حياته الاجتماعية
اتّسم الشيخ بسخائه وكرمه، فكان لا يحتفظ بالمال إلا لينفقه في سبيل الله، يعين الفقراء والمحتاجين وذوي الاحتياجات الخاصة دون انتظار طلبهم، إذ كان دأبه قضاء حوائج الناس في مختلف الظروف. وقد عُرف بحسن معاملته لتلاميذه، فكان يتعامل معهم كما يتعامل الأب مع أبنائه، مشفقًا عليهم، حريصًا على تلبية احتياجاتهم ومساعدتهم في شؤونهم العلمية والاجتماعية.
خصّص الشيخ أوقاتًا خارج الدروس الرسمية لمجالسة تلاميذه صباحًا ومساءً، يتحدث معهم في أمور الدين والحياة الاجتماعية، ويشاركهم في مناسبات المجتمع المحلي. فإذا ورد خبر وفاة أو مرض شديد، كان يبادر إلى زيارة أهل الميت أو المريض، غالبًا يوم الخميس بين الساعة العاشرة والحادية عشرة صباحًا، مصطحبًا بعض تلاميذه المقربين. كما كان يحضر مناسبات العقيقة وعقود الزواج متى أُبلغ بها مسبقًا.
ورغم انشغاله بهذه الأنشطة الاجتماعية، لم يكن ذلك ليصرفه عن أداء واجباته التعليمية، إذ كان يقدّم التدريس على كل ما سواه إن رأى أن المشاركة في المناسبات قد تعيقه عن أداء رسالته العلمية. وقد أوكلت إليه مهمة الإشراف على المساجد الصغيرة، فكان يفتتحها ويعيّن من يؤمّ الناس فيها من بين تلاميذه الأكفاء.
كان الشيخ يزور والده في القرية مرة واحدة كل عام، ويتكفّل بجميع احتياجاته من غذاء وكسوة ومسكن، ويولي صحته عناية خاصة طوال العام. وهكذا تجلّت في شخصيته صفات البرّ والإحسان، وحسن الخلق، وطيب المعشر، سواء في تعامله مع تلاميذه أو مع أسرته ومجتمعه.
مرضه ووفاته
في أواخر حياته، تعرّض الشيخ لحادث سقوط أمام غرفته في منزله، نتج عنه كسر في فخذه، وكان يعاني آنذاك من داء السكري. نُقل إلى المستشفى المركزي، ثم حُوّل إلى المستشفى العام بمدينة دوالا، حيث مكث برفقة زوجته الحاجة فاطمة كنغي وابنه حياة الدين، وأُجريت له عملية جراحية. استمرّ علاجه في المستشفى مدة سبعةٍ وستين يومًا.
وبعد أن اشتدّ عليه المرض، طلب من أبنائه أن يعودوا به إلى مدينة غاروا، قائلاً إن هذا المرض هو "مرض السفر الأخير"، وأنه يفضّل أن يقضي أيامه الأخيرة بين أهله وتلاميذه. وبعد أربعة أيام من عودته، وافته المنية مساء الخميس، الموافق 20 يونيو 2006م، في تمام الساعة الحادية عشرة وإحدى عشرة دقيقة ليلاً، بالمستشفى المركزي في غاروا، عن عمر ناهز الخامسة والسبعين عامًا.
شهد جنازته جمع غفير من مختلف أحياء وضواحي المدينة، تقديرًا لمكانته العلمية والاجتماعية، واعترافًا بجهوده في نشر العلوم الشرعية واللغة العربية والآداب الإسلامية في مدينة قاروا.
المحور الثاني: إسهاماته في نشر العلوم الشرعية والنصوص الأدبية
أولاً: رحلاته في طلب العلم
تلقى الشيخ مودب بكري تعليمه الأول على يد جده مودبو طاهر في قرية دينغالي، حيث حفظ القرآن الكريم وتعلم مبادئ العلوم الشرعية. كما تتلمذ على يد جده الآخر مودب داوا، ثم على يد الحاج إبراهيم مودب بكري. وقد عُرف منذ صغره بحبه للعلم وحرصه على التحصيل الجاد.
قبل سفره، درس عدداً كبيراً من الكتب الدينية والنصوص الأدبية، حتى حفظ مختصر خليل عن ظهر قلب، وأتقنه إتقاناً تاماً. ثم بدأ رحلاته العلمية إلى قرى نيجيريا، مثل يولا، غمبي، جارية، وكنو، حيث مكث هناك قرابة عشر سنوات متواصلة دون أن يعود إلى أهله.
وعندما قرر الرجوع إلى قريته، مرّ بمدينة غاروا، فالتقى فيها بالعالم الجليل الشيخ مودب محمود – رحمه الله – الذي كان قاضياً للمدينة وأحد كبار علمائها في تلك الفترة (ما بين عامي 1953 و1955م). أعجب الشيخ مودب بكري بعلمه الغزير، فآثر الإقامة في غاروا للاستفادة من علومه، وتزوج من أهلها، وأصبح من سكان المنطقة.
لقد كانت رحلات الشيخ مودب بكري مثالاً في الجد والاجتهاد في طلب العلم، إذ كان يسعى إلى تحصيل العلوم الشرعية والنصوص الأدبية أينما وُجدت، بعزيمة صادقة واهتمام بالغ.
ثانياً: شيوخه
تلقى الشيخ مودب بكري علومه على أيدي عدد من العلماء الأجلاء، من أبرزهم:
مودب حم آدم-مودبو طاهر-مودبو داوا-مودبو تشيرنو السنغالي-مودبو محمود بن مودبو حمن نجوندي
هؤلاء الشيوخ كان لهم أثر بالغ في تكوينه العلمي والروحي، وأسهموا في ترسيخ معارفه في العلوم الشرعية واللغة والأدب.
ثالثاً: تلاميذه
قضى الشيخ مودب بكري أكثر من خمسين عاماً في تعليم العلوم الشرعية والنصوص الأدبية، مما جعل عدد تلاميذه يفوق الألف. ويُقدّر أن نحو تسعمائة وخمسين منهم أتقنوا ما درسوه على يديه. ونظراً لكثرة تلاميذه، يصعب حصرهم جميعاً، غير أن من أبرزهم:مال ميغري-مال حمدو طن بللو-مال بللو غورين-مال موسى-مال حياتو كروبا-مال حياتو ديمباطي-مال حمدو كويراغا-مال فابلو-مودبو يرما إيا غارو-مال أمينو
مال نصرو-مودبو عثمان وشقيقه-مودبو حمدو غاشيغا-مال عمرو لمن ياغوا-مال علم بابيا-مال عبد الله عمى-مال صال عمى-مودبو حمدو لون ديمساري-مودبو حمن نغوروري-مودبو شمس-مال عودو-مال يوسف-الشيخ محمد الأمين الأزهري-الأستاذ صالح عبد الله (من برتوا)-مال عبد الله بابيا-مال سادو-مال عبد الله دي-الحاج صال جينوو-مال حياتو لمن جالومكي-الحاج باجيكا يرم داوا-الحاج باسورو ميغرياعو
مودبو يعقوب دينغالي.
لقد ترك الشيخ مودب بكري أثراً علمياً واسعاً في المنطقة، وأسهم في تخريج جيل من العلماء والدعاة الذين واصلوا مسيرته في نشر العلوم الشرعية والأدب العربي.
.(حسن مودب، يوم الأحد/19/01/2025م، الساعة: 09h00-09h30)، (مودب لون ديمساري، يوم الأحد/19/01/2025م، الساعة:h40-11h4710).
- جلساته العلمية:
الكتب التي كان يدرسها:
العلوم الشرعية، النصوص الأدبية، القواعد النحوية والصرفية، الجدول التالي يوضح لنا أسماء الكتب ومؤلفيها ومجالاتها: (مودب لون ديمساري، يوم الأحد/19/01/2025م، الساعة:h40-11h4710)
رقم العلوم الشرعية والنصوص الأدبية المؤلف
التفسير وعلومه 01 تفسير الجلالين جلال الدين المحلي وجلال الدين السيوطي
02 تفسير البيضاوي أبو يعلى البيضاوي
03 الخازن "لباب التأويل في معاني التنزيل" خازن البغدادي، علي بن محمد
04 ضياء التأويل في معاني التنزيل أبي محمد عبد الله بن محمد بن عثمان الملقب بفودي
الحديث وعلومه 01 الأربعون النووية الحافظ النووي
02 بلوغ المرام من جمع أدلة الأحكام للحافظ ابن حجر العسقلاني
03 رياض الصالحين الحافظ النووي
04 الموطأ لإمام مالك
05 صحيح البخاري إمام محمد بن إسماعيل
06 صحيح مسلم مسلم ابن حجاج ابن مسلم
الفقه وعلومه 01 العقائد التوحيدية
02 مختصر الأخضري الشيخ عبد الرحمن الأخضري
03 متن العشماوية في الفقه المالكي عبد الباري العشماوي
04 تقريب الضروري من الدين عبد الله بن محمد فودي بن عثمان
05 منظومة القرطبي أبوبكر يحي ابن سعدون القرطبي
06 المقدمة العزية للجماعة الأزهرية تأليف أبي الحسن علي المالكي الشاذلي
07 الرسالة ابن أبي زيد القيرواني
08 إرشاد السالك إلى أشرف المسالك عبد الرحمن ابن عسكر البغدادي
09 مصباح السالك شرح نظم أسهل المسالك في مذهب الإمام مالك الشيخ عبد الوصيف محمد
10 سراج السالك شرح أسهل المسالك السيد عثمان بن حسين بري الجعلي المالكي
11 مختصر العلامة خليل خليل بن إسحاق المالكي
12 جواهر الإكليل شرح مختصر العلامة الشيخ خليل الشيخ صالح عبد السميع الآبي الأزهري
النصوص الأدبية 01 بردة المديح شرف الدين محمد بن سعيد بن حماد الصنهاجي البوصيري
02 بدماس
03 القصيدة الدالية (نيل الأماني في شرح التهاني) بو على الحسن بن مسعود اليوسي
04 مقصورة ابن دريد محمد بن حسن أبوبكر
05 مختار الشعر الجاهلي (الشعراء) أبي عبد الله الحسن بن أحمد الزوزني
06 تزيين الورقات عبد الله بن محمد فودي ابن عثمان
07 مقامات الحريري القاسم بن علي الحريري البصري
08 نظم العشريات
القواعد النحوية والصرفية 01 الآجرومية ابن آجروم
02 التحفة السنية محمد محيي الدين عبد الحميد
03 ملحة الإعراب أبو القاسم بن علي الحريري البصري
04 ألفية ابن مالك محمد بن عبد الله مالك الطائي
أقاويل بعض أبنائه وتلاميذه عنه
أولاً: شهادات تلاميذه ومعاصريه
في مقابلة أُجريت مع لوان بلاتو الحاج سالي مامودو في منزله بعد صلاة العصر يوم الأحد 26 يناير 2025م، تحدث عن شيخه مودبو بكري دينغالي قائلاً:
وفي لقاء آخر يوم الخميس 16 فبراير 2025م، مع الشيخ محمد الأمين في دار السلطان بغاروا بعد صلاة العصر في تمام الرابعة والنصف، قال متحدثاً عن الشيخ مودبو:
أما الأستاذ صالح عبد الله، أحد طلابه من مدينة برتوا بشرق الكاميرون، فقد كتب في مذكرته سيرة معلم:
ثانياً: أسلوبه في التدريس
اعتمد الشيخ مودبو بكري دينغالي أسلوباً تربوياً متميزاً في التعليم. كان يبدأ مع التلميذ الجديد باختبار شفوي لتحديد مستواه العلمي، ثم يختار له الكتاب المناسب. استخدم أسلوب الترجمة في الشرح، فكان يقرأ النص ثم يترجمه إلى اللغة المحلية (الفلاتة)، موضحاً المسائل بالأمثلة العملية.
كان يبدأ دروسه مع التلاميذ الصغار، ثم ينتقل إلى الشباب، ثم إلى الشيوخ الذين يدرسون أمهات الكتب. اهتم اهتماماً بالغاً بالمبتدئين، فكان يوجههم إلى من هو أعلم منهم في المجلس لمساعدتهم على إتقان الدروس قبل مغادرتهم.
ثالثاً: أوقاته للتدريس
خصص الشيخ أوقاتاً منتظمة للتدريس، فكانت دروسه الصباحية من الساعة السادسة حتى الثامنة والنصف، والمسائية من الساعة الثانية ظهراً حتى الثالثة والنصف عصراً.
كان يدرّس خمسة أيام في الأسبوع، من السبت إلى الأربعاء، ويأخذ يومي الخميس والجمعة عطلة أسبوعية. كما كانت له عطلتان سنويتان: الأولى في شهر رمضان المبارك، والثانية في شهر ذي الحجة.
رابعاً: الفئات المستفيدة من دروسه
تنوعت الفئات التي استفادت من دروس الشيخ، فكان:
الكبار يدرسون أمهات الكتب في العلوم الشرعية، والنصوص الأدبية، والقواعد النحوية والصرفية.
الشباب يدرسون الكتب المتوسطة في الفقه والحديث وبعض النصوص الأدبية.
الصغار يركز معهم على الكتب الأساسية مثل العقائد التوحيدية، ومختصر الأخضري، والعشماوي، والأربعين النووية. كما كان يحثهم على حفظ الأحاديث النبوية.
خامساً: جلساته الرمضانية
كان للشيخ برنامج رمضاني مميز، يتضمن دروساً وعظية بعد صلاة الظهر مع أهله وبعض النساء من الأقارب، من الساعة الثانية إلى الثالثة ظهراً، حيث كان يشرح لهن كتاب تفسير الجلالين ورياض الصالحين.
أما للرجال، فكانت الجلسة بعد صلاة التراويح، يحضرها عامة الناس من رجال ونساء وشباب وأطفال، وتستمر ساعة واحدة، يتناول فيها الأحاديث النبوية بالشرح والموعظة.
كان أحد تلاميذه يتولى القراءة له، مثل أمينو مودبو شعيب (ابن أخته، رحمه الله)، ثم من بعده إمام حامد مال عرطو، وغيرهما من تلاميذه وأبنائه، مثل مودبو سليمانو بكري ومصطفى مودبو بكري.
وتُظهر هذه الشهادات أن الشيخ مودبو بكري دينغالي كان نموذجاً للعالم المربي، جمع بين العلم والعمل، وبين التعليم والتزكية، فترك أثراً عميقاً في نفوس تلاميذه ومجتمعه، بما عُرف عنه من إخلاص، وتواضع، وحرص على نشر العلم وخدمة الناس.
الخاتمة: يتبيّن من خلال هذا البحث أن المسيرة الحياتية والأدبية للشيخ مودبو بكري دينغالي تمثّل نموذجًا راقيًا للعطاء العلمي، والتفاني التربوي، والالتزام الأخلاقي. فقد تناول البحث أبرز محطات حياته، ومساهماته المتعددة في مجالات التعليم، والتأليف، وخدمة المجتمع، مبرزًا أثره الكبير في الوسط الأكاديمي وفي بناء الأجيال. كما أظهر البحث أن الشيخ لم يكن مجرد معلّم ينقل المعرفة، بل كان مربّيًا يغرس القيم، ومصلحًا يسعى إلى ترسيخ مبادئ الأخلاق والاعتدال في نفوس طلابه ومجتمعه.
لقد شكّلت تجربته التعليمية نموذجًا فريدًا في الجمع بين الأصالة والمعاصرة، إذ استطاع أن يوظّف التراث الإسلامي في خدمة الواقع التربوي الحديث، وأن يقدّم رؤية متوازنة تجمع بين العلم والعمل، وبين الفكر والسلوك. كما أن جهوده في نشر اللغة العربية وتعزيز مكانتها في بيئة متعددة اللغات تُعدّ من أبرز إنجازاته التي تركت أثرًا باقياً في الأوساط العلمية والثقافية.
ومن خلال هذا البحث، يتضح أن دراسة سير العلماء والمربين من أمثال الشيخ مودبو بكري دينغالي ليست مجرد استذكار لماضٍ مضى، بل هي استلهام لتجارب رائدة يمكن أن تسهم في تطوير التعليم الإسلامي المعاصر، وتغذية روح البحث العلمي، وترسيخ القيم الإنسانية الرفيعة في الأجيال القادمة.
أهم النتائج
1-تبيّن أن شخصية الشيخ تجمع بين العلم والتهذيب، مما جعله قدوة لطلابه وزملائه، ومثالًا يُحتذى في السلوك العلمي والتربوي.
2-ساهم بشكل كبير في تكوين أجيال من الطلاب، بلغ عددهم حوالي 950 تلميذًا، ممن استفادوا من تدريسه ونُهجه التعليمي القائم على الفهم والتطبيق.
3-أظهرت الدراسة أنه كان منظمًا للغاية في وقته بين العبادة، والدروس، والزيارات الاجتماعية، ما جعله نموذجًا في الانضباط والتوازن بين الواجبات الدينية والاجتماعية.
4-أظهر أسلوبه التربوي المتمثل في الترجمة والشروح المبسطة فعالية كبيرة في توصيل المعرفة للطلاب من مختلف الأعمار والمستويات التعليمية.
5-برز أثره في تعزيز مكانة اللغة العربية والأدب العربي من خلال تدريسه للكتب الأساسية والمتقدمة في الفقه، والحديث، والتفسير، والنحو، والصرف، والنصوص الأدبية.
6-ساهم في ترسيخ قيم الوسطية والاعتدال في التعليم الإسلامي، من خلال منهجه القائم على الحوار، والتسامح، واحترام الرأي الآخر.
7-ترك بصمة واضحة في تطوير المناهج التعليمية المحلية، عبر إدخال أساليب حديثة في الشرح والتبسيط، مما ساعد على رفع مستوى التحصيل العلمي لدى طلابه.
8-أثبتت الدراسة أن الشيخ كان يتمتع برؤية تربوية شمولية، تهدف إلى بناء الإنسان علميًا وأخلاقيًا واجتماعيًا، وهو ما جعل أثره ممتدًا إلى ما بعد حياته.
9-خلص البحث إلى أن إرث الشيخ مودبو بكري دينغالي العلمي والتربوي يشكّل ركيزة مهمة في تاريخ التعليم الإسلامي في المنطقة، ويستحق مزيدًا من الدراسات الأكاديمية المتخصصة لتوثيق تجربته وإبرازها للأجيال القادمة.
التوصيات والمقترحات للدراسات المستقبلية
1-ضرورة توثيق سيرة العلماء المحليين مثل الشيخ مودبو بكري توثيقًا علميًا دقيقًا، يشمل مراحل حياتهم، ومناهجهم التعليمية، وإسهاماتهم الفكرية، للحفاظ على إرثهم العلمي والتربوي من الاندثار.
2-إنشاء مراكز تعليمية أو معاهد علمية تحمل اسم الشيخ مودبو بكري، تُعنى بتدريس العلوم الإسلامية واللغة العربية، وتعمل على تخليد ذكراه ونشر تعاليمه بين الأجيال الجديدة.
3-جمع مؤلفات الشيخ ومحاضراته وخطبه، سواء كانت مكتوبة أو مسموعة أو مرئية، وتحقيقها ونشرها في شكل كتب أو قواعد بيانات رقمية لتسهيل وصولها إلى الباحثين والمهتمين.
4-تشجيع الباحثين وطلاب الدراسات العليا على إعداد رسائل علمية ودراسات أكاديمية متخصصة حول أثر العلماء المحليين في نشر الثقافة الإسلامية والأدب العربي في إفريقيا، مع التركيز على منهجهم في التعليم والدعوة والإصلاح الاجتماعي.
5-تنظيم ندوات ومؤتمرات وفعاليات سنوية لتكريم العلماء المحليين، وإبراز دورهم في بناء الهوية الثقافية والدينية للمجتمع، ونشر قيم العلم والأخلاق التي جسدوها في حياتهم.
6-إدراج سير العلماء المحليين ضمن المناهج الدراسية في المدارس والمعاهد الإسلامية، لتعريف الطلاب بنماذج واقعية من العلماء الذين أسهموا في نهضة مجتمعاتهم.
7-إنشاء أرشيف وطني أو مكتبة رقمية تُعنى بجمع التراث العلمي للعلماء المحليين في منطقة الساحل الإفريقي، مع توفيره بلغات متعددة لتوسيع دائرة الاستفادة منه.
8-تشجيع التعاون بين الجامعات والمراكز البحثية في إفريقيا والعالم العربي لإجراء دراسات مقارنة حول المدارس الفكرية والعلمية التي أسسها العلماء المحليون.
9-دعم المبادرات الشبابية والثقافية التي تهدف إلى إحياء التراث العلمي المحلي من خلال الإنتاج الإعلامي، مثل الأفلام الوثائقية، والبرامج الإذاعية، والمنصات الرقمية.
10-توجيه المؤسسات الدينية والثقافية إلى رعاية مشاريع بحثية تُعنى بتوثيق العلاقة بين العلماء المحليين والمجتمع، ودورهم في تعزيز السلم الاجتماعي والوحدة الثقافية.
مقترحات للدراسات المستقبلية
1-دراسة تحليلية حول منهج الشيخ مودبو بكري في التعليم والدعوة، ومقارنته بمناهج علماء معاصرين له في إفريقيا الغربية.
2-بحث ميداني حول أثر المدارس والمعاهد التي أسسها العلماء المحليون في نشر اللغة العربية والعلوم الإسلامية في منطقة الساحل.
3-دراسة توثيقية حول شبكة العلاقات العلمية بين العلماء المحليين في الكاميرون والدول المجاورة، ودورها في تبادل المعرفة.
4-تحليل دور العلماء المحليين في مواجهة التحديات الفكرية والاجتماعية في مجتمعاتهم، مثل الاستعمار، والجهل، والتغريب الثقافي.
5-إجراء بحوث علمية جادة حول إسهام العلماء المحليين في تطوير الأدب العربي الإفريقي، من خلال الشعر، والخطابة، والكتابة الدينية.
6-دراسة حول دور المرأة في البيئة العلمية التي نشأ فيها الشيخ مودبو بكري، ومشاركتها في نشر التعليم الديني.
7-بحث حول أثر الطرق الصوفية والعلماء المحليين في ترسيخ القيم الأخلاقية والاجتماعية في المجتمعات الإفريقية المسلمة.
8-دراسة مقارنة بين التراث العلمي المحلي والتراث العربي الإسلامي العام، لإبراز خصوصية التجربة الإفريقية في خدمة الإسلام واللغة العربية.
قائمة المصادر والمراجع
المصادر الشفوية
• مقابلة مع: مودبو يعقوب مودبو عمرو دينغالي، يوم الخميس 25/07/2024، حي ليديري.
• مقابلة مع: مودبو سليمانو مودبو، يوم الثلاثاء 21/01/2025، من الساعة 11:00 إلى 13:00.
• مقابلة مع: الحاج إبراهيم مودبو، يوم الأحد 19/01/2025، البيت الكبير.
• مقابلة مع: مودبو حمدولون ديمساري، يوم الأحد 19/01/2025.
• مقابلة مع: حسن مودبو، يوم الأحد 19/01/2025.

1384 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع