العراق بين إشكالية الحكم والأزمات السياسية والمجتمعية والخدمية!

عصام الياسري

العراق بين إشكالية الحكم والأزمات السياسية والمجتمعية والخدمية!

لا يمر يوم على العراق دون التوقف عند الوضع السياسي المعقد والأزمات المتراكمة ومنها الاقتصادية والمجتمعية وأزمة المياه والكهرباء وقطاع الصحة والمعيشة وو. ويراوح المحلل في مكانه يسأل نفسه عن تكرار تناوله هذه القضايا وأسبابها التي تشغل بال العراقيين ومصيرهم دون أن تجد حلول ولو جزئية بسيطة من أصحاب المسؤولية وهما في الأساس ـ السلطتين التشريعية والتنفيذية.

إشكالات العراق الحالية مركّبة ومتداخلة، باختصار: أزمات سياسية وانقسام في الحكم ووجود ميليشيات ونفوذ فصائل مسلحة يضعف سلطة الدولة ويعرقل إصلاحات سريعة. هشاشة مالية واقتصاد معتمد كليا على النفط ، وفيرُ العائدات النفطية يجعل الميزانية والإنفاق عرضة لتقلبات الأسعار ولأخطاء السياسات. أزمات خدمات حادة مع فقدان الشفافية ومشاركة المجتمع المدني للحد من سوء الأوضاع.. النقص الحاد في الغاز المحلي والاعتماد على واردات أو على إمدادات إيرانية تسبب انقطاعات في الكهرباء؛ استيراد الغاز من تركمانستان عبر إيران يتعثر لأسباب سياسية/ دبلوماسية. البنية التحتية للطاقة تعاني من فقدان غاز مصاحب لإنتاج النفط، مما يزيد التناقض بين الثروة والقصور الخدمي. جفاف حاد وانخفاض مناسيب نهري دجلة والفرات، بسبب سياسات تحكم مياه المنبع (سدود تركيا وإيران)، ما يؤدي لملوحة المياه وتدهور الزراعة. كلّها تغذي الاحتقان الاجتماعي وتُضعف قدرة الدولة على الاستجابة لتنفيذ الإصلاحات. فيما أسباب كل ملف، تداخلاتها، المخاطر المحتملة، تتوارد باستمرار دون حلول عملية قصيرة ومتوسِّطة أو على أقل تقدير طويلة الأمد.
السؤال ـ ما السبب في تعثر الحلول، رغم مرور أكثر من عقدين على التغيير؟
الجواب في الحقيقة يكمن في البعد السياسي، أي فهم السياسة بلغة الشعارات والمصالح الحزبية ـ تحالفات طائفية وإقليمية تجعل الحكومة المركزية غير قادرة على اتخاذ قرارات سياسية واقتصادية صعبة. نفوذ الفصائل المسلحة "الميليشيات" المدجّجة بسلاح، السياسي والاقتصادي. حوادث احتكاك مع السلطات تؤدي إلى زعزعة الاستقرار المالي والسياسي والأمني ويقلّص قدرة السلطة على إدارة ملفات الخدمات والإصلاح. وإذا ما نظرنا إلى الأمر من وجهة نظر اقتصادية: فنجد الإيرادات النفطية تشكل غالبية التمويل العام للدولة، لكن الأحزاب المتنفذة هي من تستهلكه أو تستبد به ـ وأي هبوط في الأسعار أو تعطّل في التصدير يضغط على الميزانية، ويجبر الحكومة على الاقتصار في الإنفاق أو تراكم العجز. بيد أن ضعف التنويع ومحدودية الإيرادات غير النفطية، إلى جانب ضغط كبير على أجور ورواتب القطاع العام، يحدّ من قدرة الدولة على تمويل البنية التحتية الأساسية وتحسين الخدمات كما يؤدي إلى هشاشة مالية ومحدودية المساحة لإصلاحات واسعة دون تدابير هيكلية.
وبالعودة إلى أزمة الكهرباء والمياه في مقابل صرف أكثر من 90 مليار دولار، وانعكاس ذلك على الوضع المجتمعي والإنساني، فمآلاته، مزيج من أسباب فنية وسياسية: ضعف الشبكة وتعطل محطات قديمة زائد نقص الغاز المستخدم في التوليد يؤدي إلى انخفاض كبير في القدرة الفعلية. العراق يستورد كميات غاز من جيرانه (بما في ذلك إيران) لتعويض العجز؛ هذه الروابط عرضة لعقبات سياسية ودولية (مثل رفض مصادقة بعض صفقات بسبب قيود دولية)، وقد تسبّبت بخسارة آلاف ميغاواط خلال فترات الذروة. مفارقة: جزء كبير من الغاز المهدور المصاحب لإنتاج النفط يُحرق بديلاً من التقاطه واستخدامه في محطات توليد ـ وهذا عائق فني وتنظيمي قابل للحل ولكنه يتطلب استثمارات وسياسات واضحة.
أما أزمة المياه ـ المباشرة والهيكلية، سببها الجفاف وتغير المناخ ـ فيما تسجل السنوات الأخيرة مستويات أمطار أقل وارتفاع درجات الحرارة، ما يخفض مناسيب تدفق الأنهار اضافة إلى سدود ومنشآت في دول المنبع (تركيا وإيران) تقلّص تدفق المياه موسمياً وتغيّر توقيتها، مما يؤثر بشكل خاص على الجنوب (البصرة والمناطق الزراعية). والأخطر، الانخفاضات أدّت إلى تسرب المياه المالحة في المصب وتلف المحاصيل الزراعية والبيئة الساحلية. يقابلها إدارة محلية ضعيفة وممارسات ري غير كفوءة وشبكات متهالكة وزيادة استهلاك في قطاعات غير مُدارة (الزراعة القائمة على طرق ري مائية قديمة).
الكهرباء والماء قطاعين حيويين في الحياة المجتمعية والانسانية، أي ترهل في شأنهما يفاقم عدم الرضا الشعبي، ويعيد إشعال احتجاجات شعبية. وضعف الخدمات يزيد هجرة الكفاءات ونزوح بعض السكان من المناطق المتضررة (خصوصًا الجنوب)، ويضغط على النظام الصحي والغذائي. وقد يؤدي إلى مخاطر مستقبلية لا يحمد عقباها ان لم تتخذ إجراءات طارئة فعالة زائد تمويل ودعم دولي زائد تنفيذ مشاريع الغاز والطاقة المتجددة (مثل مشاريع شمسية) تحسّن الإمدادات وتخفض الاحتقان خلال 3 سنوات، ذلك يتطلب بالتأكيد إلى إرادة سياسية واستقرار أمني. أي سيناريو وسط: تحسّن جزئي في الكهرباء بفضل استيراد الغاز وإنشاء مشاريع فورية غير مدروسة ـ بالإضافة إلى استمرار تدهور مناسيبب المياه والاعتماد على النفط تقيد في كل الأحوال الإصلاحات المرجوة. وفي حالة استمرار الجفاف، وفشل إصلاحات الطاقة، وتفاقم النزاعات المحلية ـ الفصائلية يؤدي إلى أزمة إنسانية أوسع واضطرابات اجتماعية.
العراق، وبالأساس المواطن العراقي بحاجة ماسة إلى إتخاذ الحكومات "المركزية والمحلية" خطوات فورية على النحو التالي: خطة طوارئ للمياه في عموم العراق والجنوب على وجه الخصوص، تشغيل محطات تحلية متنقلة، توزيع مياه آمنة، صيانة شبكات المياه الرئيسة في البصرة وموانيها، بناء المنشآت الكهربائية الحيوية الحديثة وحفظ الطاقة للاوقات الحرجة لتجنّب انفجار غضب شعبي مفاجئ وإنهيار كامل لمنظومة الدولة.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الساعة حسب توقيت مدينة بغداد

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

926 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع