بقلم: نوري جاسم
شارع المتنبي نبض بغداد الثقافي
شارع المتنبي ليس مجرد ممر حجري على ضفاف دجلة، بل هو شريان حيّ ينبض بالفكر والجمال، ملتقى الحضارات، ومشغل الأرواح التي تبحث عن الثقافة وتكتب ملاحمها على الأرصفة، هنا يتعانق التاريخ بالسكون، وتتصافح الجدليات، وتنطق الكتب بلغة الحب، هنا كل حجر، كل جدار، كل باب يحمل سرًا، كل عابر يحمل حلمًا، كل قارئ يحمل رواية، كل خطاط يحمل قصيدة، كل مصور يحمل لقطة، كل محاضر يحمل فكرة، كل ناشر يحمل بابًا على عوالم أرحب، شارع المتنبي ذاكرة بغداد وحكايتها، قبلة للسياحة الثقافية حيث تتناثر على جنباته مئات الكتب، من التراث المحقق إلى الروايات الحديثة، من الأدب الرفيع إلى التصوف العميق، من مؤلفات سادة الفكر والروح والدين، إلى نصوص الشعراء السائرين على خط الحب، من شوقيات أحمد شوقي إلى ترنيمات العرفان الكسنزاني، حيث يأخذ القلب مدياته على وقع سطور الحب، وحيث تجد النفس مطلبها وبلوغ مرامها،
وهو ليس مجرد شارع، بل ساحة حياة، قبلة المثقفين من العراق والوطن العربي، بل من أصقاع الأرض، كلهم هنا، يحملون مذكراتهم، مؤلفاتهم، مخطوطاتهم، يتبادلون الحديث على طاولات مقهى الشابندر، حيث المكان له طقوس، والزمن له عطر، وحيث تذوب القلوب على صوت قارئ يشدو قصائد الحب، وحيث المحاضرات والندوات والنقاشات تملأ المكان، من المركز الثقافي البغدادي إلى آخر ممر، كل شبر منه مخصص للحوار، للحلم، للسؤال، للبحث عن إجابة، وهنا، على الأرصفة، تتناثر عناوين الكتب، يغريك بريقها، وتشدك أصوات الباعة، حيث الكتب ليست سلعة بل حياة، يحملها بائع شغوف، يخاطب الزائر كما يخاطب المحب حبيبته، عارضًا على مائدته كنوزًا من التراث، من الأدب، من التصوف، من الفكر، من الشعر، من الموسيقى، من كل شيء، كل باب هنا نافذة على عالم مدهش، كل كتاب يحمل قصة وألف حياة، كل زاوية تختزل ألف حكاية، وليس غريبًا أن يصبح شارع المتنبي محط رحال الإعلام، ميدان العدسات، قبلة المحطات، هنا يقف مصور على قارعة الطريق، يحمل كاميرته كما يحمل المحارب سلاحه، يحاول التقاط ملامح الوجوه، وحروف الحب المحفورة على أرصفة المكان، وحين تشح الصور بالكلمات، تتحدث الأفلام الوثائقية، وتنقل المحطات الفضائية، وتكتب الصحف، وتنسج أقلام الإعلاميين خيوط السحر على وقع أقدام الزوار، وتنقل للعالم قصة شارع ينبض حياة، يحمل ملامح حضارة عريقة، ويكتب سطورًا على جدار الذاكرة، وشارع المتنبي ليس ماضيًا وحسب، بل حاضر ومستقبل، ملتقى لكتب تخرج من دور النشر، ومكان توقيع مؤلفات جديدة، ومساحة لتفاعل القارئ مع الكاتب، ولحظات الحب التي تتبادلها الأرواح على مائدة الفكر، هنا حيث كل كلمة تختزل مئات المعاني، وكل حرف يحمل ألف حلم، وحيث تتناثر المحابر على الأرصفة، وتشهد زوايا المكان على مولد نص، على حب يُكتب، على فكرة تتفتح، على شاب يحمل كتابًا بفرحة الاكتشاف، على شيخ يحمل مسبحته وتنطق عينه بالشوق، على صبية تتنقل بين الروايات كالفراشة، على خطاط ينحت الحرف على الورق كما ينحت القلب على الحب، وشارع المتنبي، شوق وحب، قبلة للثقافة وحاضنة للحلم، مساحة للكتب، مملكة للخط، ساحة للرسم، ملتقى للصور، ملتقى للحديث، للحوار، للنقاش، ممر للمعرفة، وميناء للحرف، حيث تتلاشى حدود المكان، وحيث يرتقي الفكر، وحيث الحب هو اللغة التي تتحدثها كل الوجوه، وحيث يتعانق التراث مع الحداثة، وتنطق الأرصفة بلغة الحب، وحيث كل زائر يحمل بيده كتابًا، وفي القلب حبًا، وفي العين حلمًا، وفي اللسان كلمة، وفي الذاكرة مرفأ، وفي القلب بغداد، وفي بغداد المتنبي، وفي المتنبي كل الحب… كل الحب، شارع المتنبي، شارع الحياة، شارع الحب، شارع الفكر والتصوف، شارع الوطن، حيث كل زقاق باب، وكل باب كتاب، وكل كتاب حياة، وكل حياة حكاية، وحكايتنا نحن، وحكاية بغداد، وحكاية شارعها، وحكاية القلب، وحكاية الحب، وحكاية الفكر… وحكاية الإنسانية على أرصفة بغداد، وصلى الله على سيدنا محمد الوصف والوحي والرسالة والحكمة وعلى آله وصحبه وسلم تسليما ...
695 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع