بعد الهجوم الإسرائيلي على إيران وتدمير بعض المنشآت المهمة واغتيال بعض القادة، هل تستطيع إيران القيام برد فعل ضد إسرائيل؟ وكيف يتم ذلك بعد هذه الخسائر الكبيرة؟

الدكتور عبدالعزيز المفتي
١٣/٦/٢٠٢٥

بعد الهجوم الإسرائيلي على إيران وتدمير بعض المنشآت المهمة واغتيال بعض القادة، هل تستطيع إيران القيام برد فعل ضد إسرائيل؟ وكيف يتم ذلك بعد هذه الخسائر الكبيرة؟

مقدمة:

في حال وقوع هجوم إسرائيلي واسع على إيران أدى إلى تدمير منشآت حيوية – سواء نووية أو عسكرية – واغتيال قيادات بارزة في الحرس الثوري أو في البرنامج النووي، فإن العالم سيقف أمام منعطف استراتيجي بالغ الخطورة، وقد نكون أمام بداية تصعيد إقليمي طويل الأمد. السؤال الأهم هنا: هل تستطيع إيران فعلاً الرد؟ وإذا كانت قادرة، فكيف سيكون هذا الرد من حيث الشكل والمضمون والنتائج، خاصة بعد الضربة التي قد تكون مؤلمة ومحرجة في عمقها الجغرافي والسيادي؟

هذا التحليل يُحاول فهم قدرة إيران على الرد، أدواتها، استراتيجيتها العسكرية وغير التقليدية، وردود الفعل الدولية المحتملة.

أولًا: تقييم الضربة الإسرائيلية (في السيناريو المفترض)
1. طبيعة الهجوم الإسرائيلي:

• تم تنفيذه بطائرات F-35 أو عبر مسيّرات شبحية متقدمة بتقنيات حرب إلكترونية عالية.
• استهدف منشآت نووية (مثل نطنز أو فوردو) ومنشآت صاروخية، ومراكز أبحاث.
• ترافق مع اغتيالات لقيادات بارزة في الحرس الثوري ومهندسين من البرنامج النووي.
• تميز الهجوم بالتخطيط الدقيق والمباغتة.

2. أثر الضربة:

• خسائر فنية واستراتيجية في البنية التحتية النووية.
• إرباك في صفوف القيادة الإيرانية.
• توجيه ضربة معنوية للهيبة العسكرية الإيرانية داخليًا وخارجيًا.
• إحراج إيراني أمام حلفائها، خاصة حماس، حزب الله، وسوريا.

ثانيًا: هل إيران قادرة على الرد عسكريًا؟

نعم، إيران تمتلك قدرات الرد – ولكن الرد ليس مرادفًا للرد الفوري أو المتناظر، بل يتم وفق استراتيجيات “الرد التدريجي” و”الرد غير المتماثل”.
1. القدرات الصاروخية:

• تمتلك إيران ترسانة كبيرة من الصواريخ الباليستية قصيرة ومتوسطة المدى.
• هذه الصواريخ يمكنها استهداف عمق إسرائيل، خصوصًا منشآت حيوية كميناء حيفا ومطار بن غوريون.

2. الطائرات المسيّرة:

• أثبتت فاعليتها في السنوات الأخيرة، وشاركت في هجمات ضد السعودية وقواعد أمريكية.
• يمكن استخدامها لضرب أهداف عسكرية إسرائيلية أو حتى منصات الغاز في البحر المتوسط.

3. الهجمات السيبرانية:

• إيران طورت قدرات إلكترونية هجومية، واستهدفت سابقًا منشآت إسرائيلية ومواقع حكومية.
• الرد السيبراني قد يكون أحد الخيارات الأولية لتفادي حرب تقليدية مفتوحة.

4. الرد عبر الوكلاء:

• حزب الله اللبناني: يمثل رأس الحربة الإيرانية في الرد، ويمكنه شن هجمات صاروخية أو تنفيذ عمليات ضد الجبهة الشمالية لإسرائيل.
• الميليشيات في سوريا والعراق (مثل كتائب حزب الله، والنجباء، وزينبيون): يمكنها مهاجمة قواعد أمريكية أو مصالح إسرائيلية في سوريا.
• الحوثيون في اليمن: رغم البُعد الجغرافي، قد يدخلون في الردع الرمزي ضد أهداف إسرائيلية أو سعودية.

ثالثًا: السيناريوهات المتوقعة للرد الإيراني
1. الرد الفوري المحدود:

• إطلاق صواريخ على مناطق غير مأهولة في الجولان أو صحراء النقب.
• هدفه رمزي: إثبات أن إيران لم تُهزم.

2. الرد المرحلي عبر وكلاء:

• تفعيل جبهات متعددة: غزة، جنوب لبنان، سوريا.
• تنفيذ عمليات انتقامية ضد أهداف إسرائيلية خارج حدود فلسطين المحتلة (قنصليات، سفارات، مصالح اقتصادية).

3. الرد الاستراتيجي المؤجل:

• تخزين الرد إلى وقت تكون فيه الظروف السياسية والعسكرية مواتية.
• قد يشمل تنفيذ عملية اغتيال لقيادي إسرائيلي أو تفجير منشأة إسرائيلية حساسة.

4. الرد السيبراني:

• ضرب البنية التحتية الإلكترونية: الكهرباء، النقل، المصارف، الأنظمة العسكرية.
• أقل تكلفة سياسيًا وأكثر فاعلية من الناحية النفسية والإعلامية.

رابعًا: العوائق والتحديات أمام الرد الإيراني
1. القلق من الحرب الشاملة:

• إيران تُدرك أن أي رد قوي قد يُقابل بحرب شاملة تشارك فيها الولايات المتحدة.
• الظروف الاقتصادية السيئة داخل إيران تجعل القيادة حذرة من التورط في مواجهة مفتوحة.

2. الانقسام الدولي:

• روسيا والصين قد تدعمان إيران لفظيًا فقط دون دعم عسكري حقيقي.
• الدول الأوروبية ستدعو لضبط النفس وتحمّل إيران مسؤولية التصعيد.

3. الداخل الإيراني:

• الشعب الإيراني منهك اقتصاديًا، ويفتقر للحماسة في دعم مغامرات خارجية.
• أي ردّ عسكري قد يُضعف شعبية النظام داخليًا إن أدى لمزيد من العقوبات أو الحرب.

خامسًا: هل سيكون الرد الإيراني مباشرًا ضد إسرائيل؟

إيران تُفضل – تاريخيًا – عدم الرد المباشر إلا في حالات قصوى (كما في اغتيال قاسم سليماني الذي ردت عليه بقصف قاعدة عين الأسد الأمريكية في العراق). لذا، من المرجح أن تستخدم الرد غير المباشر عبر:
• جبهة حزب الله: ضرب شمال إسرائيل.
• غزة: تفعيل خلايا مرتبطة بالحرس الثوري أو الجهاد الإسلامي.
• سوريا: هجمات صاروخية ضد الجولان المحتل.
• العراق واليمن: تهديد مصالح أمريكية أو خليجية حليفة لإسرائيل.

ومع ذلك، إذا كانت الضربة الإسرائيلية كبيرة ومهينة (مثلاً مقتل عدد من كبار العلماء النوويين أو تدمير منشأة فوردو بالكامل)، فقد تجد إيران نفسها مضطرة للرد المباشر عبر:
• إطلاق صواريخ على تل أبيب أو ديمونا.
• قصف منشآت بحرية إسرائيلية.
• تفجير في سفارة إسرائيلية خارج فلسطين المحتلة.

سادسًا: ماذا سيكون موقف العالم من الرد الإيراني؟
1. الولايات المتحدة:

• ستدعم إسرائيل وتُحمّل إيران مسؤولية أي تصعيد.
• قد تشارك في الرد عبر قواعدها في الخليج أو المتوسط.

2. أوروبا:

• ستدعو لضبط النفس، لكنها ستندد بإيران إذا كان الرد غير متناسب.
• ستحاول إحياء مفاوضات الاتفاق النووي كوسيلة للتهدئة.

3. روسيا والصين:

• ستدعوان للتهدئة، وستحاولان منع الحرب الشاملة.
• قد تدعمان إيران دبلوماسيًا، لكن دون تدخل عسكري.

4. دول الخليج:

• ستنقسم بين داعم ضمني لإسرائيل (مثل الإمارات والبحرين)، ومحايد قلق من توسع الحرب.
• السعودية ستكون حذرة من تعرض أراضيها لهجمات إذا تورطت في دعم إسرائيلي مباشر.

خلاصة علاه

نعم، إيران تستطيع الرد على إسرائيل بعد أي ضربة موجعة، لكنها لن تختار الرد المتعجل أو التقليدي. الاستراتيجية الإيرانية تقوم على “الصبر الطويل” و”الردع غير المتماثل”، وهي تدرك أن أي مواجهة شاملة ستكون مكلفة لجميع الأطراف. الرد سيكون ذكيًا، موزعًا، وربما مؤجلًا، لكنه – وفق نهج طهران المعروف – سيكون حتميًا.

وإذا تأخر الرد، فذلك لا يعني ضعف إيران، بل هو جزء من استراتيجية تستند إلى فكرة أن “الانتقام الأفضل هو ما لا يُتوقع توقيته”.

إيران اليوم ليست فقط دولة عسكرية، بل شبكة نفوذ إقليمية كاملة، قادرة على الرد من غزة، أو بغداد، أو دمشق، أو حتى من داخل إسرائيل نفسها.

أما الحرب الكبرى، فهي لا تزال خيارًا أخيرًا، يتجنبه الجميع، لكن شبحها بات أقرب من أي وقت مضى.

الدكتور عبدالعزيز المفتي
١٣/٦/٢٠٢٥

  

إذاعة وتلفزيون‏



الساعة حسب توقيت مدينة بغداد

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

680 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

تابعونا على الفيس بوك