المُلا عثمان الموصلِيّ تحت الأضواء من جديد


الأستاذ الدكتور باسل يونس ذنون الخياط
أستاذ مُتمرِّس/ جامعة الموصل


المُلا عثمان الموصلِيّ تحت الأضواء من جديد

المُلا عثمان الموصلِيّ ينبوع عراقي عذب ترك بصماته الواضحة في مجالي تلاوة القرآن الكريم والإنشاد الديني والموسيقى، ورفد الموسيقى الشرقية بأعذب الألحان، وتجاوزت ألحانه حدود العالم العربي وأروبا وآسيا.

نشر مؤخرا الفنان المغربي المعروف (رشيد غلام) عدة حلقات من برنامجه التلفزيوني التعريفي (مقامات) تحت عنوان (المُلا عثمان الموصلِيّ شيخ القُرّاء الشاعر العالم رائد نهضة الموسيقى العربية الأول)، وهذه الحلقات مخصصة لرائد الموسيقى الشرقية المُلا عثمان الموصلِيّ (1854-1923م).

لقد استضاف البرنامج القارئ والمنشد العراقي المبدع المُلا حسين الياخندي الذي تحدث عن بعض جوانب حياة المُلا عثمان، كما قدّم نماذج من أعماله بمصاحبة فرقة موسيقية مغربية.

من هذه النماذج تنزيلة (قوموا صلوا) للمُلا عثمان الموصلِيّ والتي غناها ناظم الغزالي. وكذلك تنزيلة (بهوى المختار المهدي) التي اقتبس لحنها سيد درويش (1892 - 1923) وغيَّر كلماتها بديع خيري (1893 - 1966) لتصبح الأغنية الشهيرة "طلعت يا محلى نورها شمس الشموسة" وقد غنتها فيروز وشاع لحنها في أرجاء العالم.

ثم قدّم المنشد الياخندي تنزيلة المُلا عثمان (صلي يا ربي على بدر التمام)، ولحن هذه التنزيلة اقتبسه ناظم الغزالي في أغنيته الشهيرة (يام العيون السود ما أجوزن أنا).

لقد كانت أغنية (يا أم العيون السود ما أجوزن أنا) سببا في شهرة ناظم الغزالي، ويذكر الدكتور عادل البكري: أن ناظم الغزالي قد سُئل عن لحن (يا أم العيون السود) ممن أخذه؟ فأجاب الغزالي إنه أخذه من لحن قديم من ألحان عثمان الموصلِيّ.

لقد اختتم المنشد الياخندي استضافته بالبرنامج بتنزيلة المُلا عثمان (صلي يا ربي على بدر التمام)، ولحن هذه التنزيلة اقتبسه ناظم الغزالي في أغنيته الشهيرة
(فوگ النخل فوگ).

وأكد مقدم البرنامج المغربي أن الموسيقار العراقي المعروف سالم حسين الأمير قد ذكر أن عدد من الأغاني التي اشتهر بها ناظم الغزالي كانت بالأصل تنزيلات دينية للملا عثمان الموصلِيّ تم تحوير كلماتها.

لقد أبى مُقدم البرنامج المغربي (رشيد غلام) أن يختتم برنامجه إلا بأحد الأعمال الخالدة للمُلا عثمان والتي نُسبت إلى تلميذه سيد درويش، كما يوضح هو ذلك قبل نهاية الفيديو. وهذا العمل هو موشح (يا شادي الألحان) الذي يُعد من أشهر الموشحات التراثية العربية، وقدمه العديد من كبار الفنانين، وبُنسب تلحينه إلى سيد درويش.

لقد ذكر ابن سيد درويش في كتاب (كلمة ونغم) أن والده (سيد درويش) لم يبزغ نجمه إلا بعد لقائه بعثمان الموصلِيّ. تقول د. ليندا حجازي (الأردن): " يُعد الشيخ سيد درويش (1892-1923) أحد أشهر تلاميذ رائد الموسيقى العربية المُلا عثمان الموصلِيّ (1854-1923)، وكما هو واضح من تواريخ الميلاد فإن المُلا عثمان يكبر سيد درويش 38 سنة، والملاحظ أنهما توفيا في السنة نفسها.

من الأمور التي أكدها العديد من الباحثين قصة التقاء سيد درويش بالموصلِيّ في حلب – سوريا، خلال فترتين: الأولى دامت عشرة أشهر عام 1909 عندما زارها سيد درويش بصحبة فرقة الأخوين عطا الله، والثانية دامت قرابة السنتين (1912-1914). وقد ذكر الكاتب المصري محمد علي حماد أن تلك الرحلة كانت حجر الأساس في بناء شخصية سيد درويش الفنية واستفاد كثيرا من أستاذه المُلا عثمان.

من المحاور الأساسية التي اهتم بها المؤتمر الموسيقي العربي الثاني الذي انعقد في قاعة الشعب في بغداد عام 1964 موضوع اقتباس ألحان الموسيقار الضرير المُلا عثمان الموصلِيّ. ومن الشخصيات التي شاركت في المؤتمر الأستاذ روحي الخماش (1923-1998) والأستاذ جميل بشير (1920-1977) والدكتور محمد صديق الجليلي (1903-1980) والذي يمتلك مكتبة عامرة تضم نوادر الأسطوانات الموسيقية.

لقد قدَّم الدكتور الجليلي للمؤتمر الموسيقي العربي الثاني وثائق سمعية وبصرية تؤكد بما لا يقبل الشك عائدية الكثير من أشهر الأغاني الشائعة في العراق والشام ومصر إلى المُلا عثمان الموصلِيّ".

ويؤكد الفنان جعفر حسن (1944-2021) أنه في المؤتمر الموسيقي العربي الثاني الذي انعقد في بغداد عام 1964 في قاعة الشعب، قدّم الباحث العراقي الدكتور محمد صديق الجليلي (1903-1980م) وثائق سمعية وبصرية ( نوتات مكتوبة وكلمات وإسطوانات حجرية وشريط معدني ممغنط على جهاز ريكوردر قديم) وتبين للحضور أن كثيراً من الألحان التي نُسبت للسيد درويش هي من ألحان أستاذه المُلا عثمان الموصلِيّ والذي تدرب على يديه سيد درويش في بداية القرن العشرين.

ويضيف الفنان جعفر حسن قائلا: ومن ألحان المُلا عثمان الموصلِيّ التي عُرضت في المؤتمر: (موشح يا شادي الألحان وزوروني بالسنة مرة حرام وطالعة من بيت أبوها وأغنية طلعت يا محلا نورها شمس الشموسة وأغنية مارابط وأغنية دزني وأعرف مرامي وأغنية فوق النا خِل التي أصبحت لاحقاً فوق النخل كخطأ شائع ) وغيرها كثير.

لقد أدخل الحلبيون الكثير من التحسينات على الموشحات الأندلسية، وطبّعوها بطابعهم وذوقهم، حتى باتت تعرف بالموشحات الحلبية، وأضافوا على غناء الموشحات نوعاً من الرقص عرف بالسماح.

من الذين أنشدوا (يا شادي الألحان) في سوريا ملك الموشحات والقدود الحلبية محمد خيري (1935-1981) وآخر شيوخ الطرب حسن حفّار (1943-2020) والعملاق صباح فخري (1933- 2021). وفي العراق قدم هذا الموشح الموسيقار روحي الخماش عام 1951، كما قدمته الفنانة الكبيرة فيروز وآخرون.

https://www.facebook.com/watch/?v=1137050404180552&_rdc=1&_rdr#

ونشر الدكتور رضا العطار بتاريخ 9-5-2025 مقالة عنوانها (المُلا عثمان الموصلِيّ، النجم العراقي الساطع الأصيل)، ومما قاله فيها: " في مصر أدخل المُلا عثمان نغمات الحجاز والنهاوند وفروعهما، ومن مشاهير تلامذته في مصر محمد كامل الخلعي وأحمد أبو خليل والشيخ علي محمود والشيخ محمد رفعت. أما أشهرهم فكان الموسيقار سيد درويش الذي التقى عثمان في دمشق ودرس على يده لمدة ثلاث سنوات وقام باقتباس موشحات دينية وأغاني كثيرة من عثمان الذي كان له الفضل الأكبر في نمو مواهبه، وأشهر ما اقتبسه سيد درويش من الملا عثمان أغنية (زوروني بالسنة مرة).

وفي العراق تتلمذ على يده كل من الحاج محمد الملاح والحاج محمد سرحان ومحمد صالح الجوادي ومحمد بهجت الأثري وحافظ جميل وكذلك عميد المقام العراقي المعروف محمد القبانجي، كما ويعتبر عثمان هو أول من ابتكر مقام المنصوري الذي لايزال يُغنى في تركيا اليوم تحت اسم (مقام الحافظ الملا عثمان)".

ويذكر د. رضا العطار أن ما انتجه عثمان الموصلِيّ من موشحات وأغاني أكبر من أن يُذكر بالتفصيل، وأبرزها: زوروني بالسنة مرة، طلعت يا محلى نورها، أسمر أبو شامة، فوك النخل فوك، ربيتك زغيرون حسن، لغة العرب اذكرينا التي غناها المطرب العراقي يوسف عمر، يا ناس دلوني، يا أم العيون السود، ويا من لعبت، قوموا صلوا؛ هذه الأغاني الثلاثة الأخيرة غناها ناظم الغزالي.

رحم الله المُلا عثمان الموصلِيّ، فقد كان عالما ومقرئا وفنانا وأديبا لن يتكرر، وقدَّم عطاءا أصيلا ومُميزا لبلده ولأمته وللبشرية جمعاء.

(مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ۖ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ۖ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا) (الأحزاب: 23).

  

إذاعة وتلفزيون‏



الساعة حسب توقيت مدينة بغداد

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

767 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع