ضحى عبد الرحمن
مباحث في اللغة والادب/ ١٠٩ الديارات في التراث العربي
دير متى
قال ياقوت الحموي عن دير متى" على جبل شامخ، شرقي الموصل، وهذا الجبل يدعى جبل متى. من استشرفه نظر إلى رستاق نينوى والمرج. وهو حسن البناء، وبيته منقورة في الصخر ورهبانه كثيرون، يجتمعون على الطعام، وهم مائة راهب، يجتمعون في بيت الصيف، أو بيت الشتاء، وهما بيتان منقوران في صخرة عظيمة. الواحد منها يسع جميع الرهبان.
وفي كل بيت عشرون مائدة منقورة في الصخر، وفي كل منها قبالة برفوف، وباب يغلق عليها، وفي كل قبالة آلة المائدة التي تقابلها من غضارة وطوفرية وسكرجه، لا تختلط آلة هذه بآلة تلك. ولرأس الدير مائدة لطيفة على دكان لطيف في صدر البيت، يجلس عليها وحده، وحجرها ملصق بالأرض، وكل هذا من العجائب.
وإذا جلس رجل في صحن الدير رأى مدينة الموصل. وبين الدير وبينها سبعة فراسخ.
وكتب على حائط دهليز في الدير:
يا ديرُ متّى سقتْ أطلالكَ الدّيمُ ... وأنهلَّ فيكَ على سكّانكَ الرّهمُ
فما شفى غلتّي ماءٌ على ظمأ ... كما شفى حرَّ قلبي ماؤكَ الشبمُ
ولنْ يحلّكَ ذو يأسٍ، به سقمٌ ... إلاّ تحلّلَ عنهُ اليأسُ والسّقمُ
(الخزل والدأل/51).
دير يحنس
قال ياقوت الحموي" دير يحنس: بضم يائه المثناة التحتية، وفتح حائه المهملة، ونون مشددة مفتوحة، وآخره سين مهملة. قال الشابشتي: هذا الدير بسمنود، من أعمال حوف مصر، قيل: إذا كان يوم عيده أخرج شاهده من الدير في تابوت، يوضع على وجه الأرض، فيسير، ولا يقدر أحد أن يمسكه، أو يحبسه حتى يرد البحر، فبغطس فيه، ثم يرجع إلى مكانه. قلت أنا: وهذا من تهاويل النصارى وترهاتهم، ولا أصل له، والله أعلم".(الخزل والدأل/59).
دير ابن مزعوق
قال الشابشتي" دير ابن مزعوق بالحيرة، في وسطها، قريب دير الحريق. وهو دير كثير الرهبان، حسن العمارة، أحد المتنزهات المقصودة والأماكن الموصوفة.
ولمحمد بن عبد الرحمن الثرواني، فيه:
قلت له والنجوم طالعةٌ ... في ليلة الفصح أول السحر:
هل لك في مار فاثيون وفي ... دير ابن مزعوق غير مختصر
يفيض هذا النسيم من طرف ... الشام ودرّ النّدى على الشجر
ونسأل الأرض عن منابتها ... وعهدها بالربيع والمطر
يا لك طيباً وشمّ رائحةٍ ... كالمسك يأتي بنفحة السحر
في شرب خمرٍ وسمع محسنةٍ ... تلهيك بين اللسان والوتر(ديارات الشابشتي/56).
وقال أبو الفرج" دير المزعوق ويقال دير ابن المزعوق، وهو قديم بظاهر الحيرة.
كره أبو الفرج وأنشد لمحمد بن عبد الرحمن الثرواني فيه وفي دير فاثيون:
قلتُ له والنجومُ جانحةُ ... في ليلة الفصح أولَ السَّحرِ
هل لك في مار فاثيون وفي ... دير ابن مزعوق غير مقتصرِ؟
(ديارات الأصفهاني/27 )
دير سرجس
قال الشابشتي" دير سرجس كان بطيزناباذ، وهو بين الكوفة والقادسية، على حافة الطريق، وبينها وبين القادسية ميل. وكانت أرضه محفوفة بالنخل والكروم والشجر والحانات والمعاصر. وكانت إحدى البقاع المقصودة والنزه الموصوفة. وقد خربت الآن وبطلت وعفت آثارها وتهدمت آبارها، ولم يبق من جميع رسومها إلا قباب خراب وحجر على قارعة الطريق، تسميه الناس معصرة أبي نواس.
ولأبي نواس، فيها:
قالوا: تنسك بعد الحج! قلت لهم: ... أرجو الاله وأخشى طيزناباذا
أخشى قضيّب كرم أن ينازعني ... رأس الخطام وأن أسرعت إغذاذا
فإن سلمت، وما نفسي على ثقةٍ ... من السلامة لم أسلم ببغداذا
ما أبعد الرشد من قلبٍ تضمّنه ... قطرّبل فقرى بنّا فكلواذا (ديارات الشابشتي/57)
للحسين بن الضحاك، فيه:
هل تعذران بدير سرجس صاحباً ... بالصحو أو تريان ذاك جناحا
إني أُعيذكما بأُلفة بيننا ... أن تشربا بقرى الفرات قراحا
عجّت قواقزنا وقدّس قسّنا ... هزجاً وأصخبنا الدجاج صياحا
(الديوان)
ديارات الاساقف
قال الشابشتي" ديارات الاساقف هذه الديارات بالنجف، بظاهر الكوفة، وهو أول الحيرة. وهي قباب وقصور تسمى ديارات الأساقف. وبحضرتها نهر يعرف بالغدير. عن يمنيه قصر أبي الخصيب مولى أبي جعفر، وعن شماله السدير، وبين ذلك الديارات. وقصر أبي الخصيب هذا، أحد متنزهات الدنيا. وهو مشرف على النجف وعلى ذلك الظهر. ويصعد من أسفله على درجة طولها خمسون مرقاة إلى سطح حسن ومجلس، فيشرف الناظر على النجف والحيرة من ذلك الموضع، ثم يصعد منه على درجة أخرى طولها خمسون مرقاة إلى سطح أفيح ومجلس عجيب (ديارات الشابشتي/57)
فال علي بن محمد الحماني العلوي، يذكر هذه المواضع:
كم وقفةٍ لك بالخور ... نق لا توازى بالمواقف
بين الغدير إلى السدي ... ر إلى ديارات الأساقف
فمدارج الرّهبان في ... أطمار خائفةٍ وخائف
قبة الشتيق
قال الشابشتي" قبة الشتيق هي من الأبنية القديمة بالحيرة، على طريق الحاج. وبإزائها قباب يقال لها الشكورة، جميعها للنصارى. فيخرجون يوم عيدهم من الشكورة إلى القبة، في أحسن زي، عليهم الصلبان، بأيديهم المجامر، والشمامسة والقسان معهم يقدسون على نغم واحد، متفق في الألحان، ويتبعهم خلق كثير من متطربي المسلمين وأهل البطالة، إلى أن يبلغوا قبة الشتيق. فيتقربون ويتعمدون، ثم يعودون بمثل تلك الحال. فهو منظر مليح.
ولبعض الشعراء فيه:
والعذارى مشدّدي الزّناني ... ر عليهنّ كل حلي وثيق
يتمشّين من قباب الشعاني ... ن إلى صحن قبة الشتّيق
يا خليلي فلا تعنّفني يوم ... ترى اللهو فيه بالتحقيق (ديارات الشابشتي/58)
دير زرارة
قال الشابشتي" دير زرارة وهو دير حسن، بين جسر الكوفة وحمام أعين، ناحية عن الطريق على يمين الخارج من بغداد إلى الكوفة. وهو موضع نزه حسن، كثير الحانات والشراب، عامر بمن يطرقه، لا يخلو مما يطلب اللعب ويؤثر البطالة. وهو من المواطن المستصلحة لذلك.
قال مطيع بن اياس
لأبي علي البصير:
فلما قدم الحير ... ة حادي جملي حارا
وقد كاد يغور النج ... م للاصباح أو غارا
فقلت: احطط بها رحلي ... ولا تحفل بمن سارا
فجدّدنا عهوداً س ... لفت منّا وآثارا
وقضّينا لباناتٍ لنا ... كانت وأوطارا
وصاحبنا بها ديراً ... وقسيساً وخمّارا
وظبياً عاقداً بين ... النقا والخصر زنّارا (ديارات الشابشتي/60).
دير قرة
دير قرّة: يقع بإزاء دير الجماجم قال الأصبهاني: قُرّة الذي بناه رجل من لخم، بناه في أيام ملك المنذر بن ماء السماء، وهو ملاصق لطف البرّ ودير الجماجم، مما يلي الكوفة. نزل الحجاج ضرورة هو وجيوشه دير قُرة، وقال: ما اسم هذا الدير؟ قيل: دير قُرة، فقال: ملكنا البلاد، واستقررنا فيها. وقال: ما اسم الذي نزله ابن الأشعث؟ قيل: دير الجماجم. قال: تكثر جماجم أصحابه عنده إن شاء الله.(ديارات الأصفهاني/22 )
قلاية القسّ وهي بالحيرة، في موضع حسن، وكان القسّ الذي تنسب إليه من ملاح النصارى، وكان ناسكاً، ثم صار فاتكاً.
وقد ذكره أبو الفرج، وقال فيه الثرواني:
خَليليَّ مِنْ تَيْمٍ وعجلٍ هُديتما ... أضيفا بحثِّ الكأسِ يومي إلى أمسي
وإن أنتما حييتماني تحية ... فلا تعدُوا ريحان قلّاية القِّس
وبالسوسن الأزاذ فالورد فارمِيا ... بنسرينكُم في الشرق أو مغرب الشمسِ .(ديارات الأصفهاني/22 )
دَير اللُّج
يقع دير اللُّج: بالحيرة.
قال أبو الفرج: بناه أبو قابوس النعمان بن المنذر أيام مُلكه، ولم يكن في ديارات الحيرة أحسن منه بناء، ولا أنزه موضعاً، وفيه يقول الشاعر:
سقى اللهُ دير اللُّج غيثاً فإنه ... على بُعده دير إليّ حبيبُ
قريبٌ إلى قلبي، بعيدٌ محلّه ... وكم من بعيد الدار وهو قريبُ.(ديارات الأصفهاني/22 )
وفي دير اللُّج يقول إسماعيل بن عمار الأسدي:
ما أنسى سعدة والزرقاء يوم هما ... باللِّج شرقيَّه فوقَ الدكاكينِ
تغنِّيانا كنفثِ السِّحر نُودعُه ... منّا قلوباً غدت طوع ابن رامين
نُسقَى شراباً كلون النار عتَّقَه ... يُمسي الإصحاء منه كالمجانينِ
إذا ذكرنا صلاةً بعدما فَرطَت ... قمنا إليها بلا عَقلٍ ولا دينِ
نمشي إليها بطاءً لا حراك بنا ... كأنَّ أرجلنا يُقلعْن من طينِ.(ديارات الأصفهاني/23 )
الاكيراح
قال ابو الفرج بالحيرة أيضاً موضع يقال له الاكيراح فيه دير. والاكيراح قباب صغار يسكنها الرهبان. يقال للواحد منها: الكيرح.
وقد ذكر بكر بن خارجة هذا الدير أيضاً. فقال:
دع البساتين من آسٍ وتفّاحِ ... واقصد إلى الروض من ذاتَ الاكيراحِ
إلى الدساكر، فالدير المقابلها ... لدى الاكيراح من دير ابن وضاحِ
منازلاً لم أزلْ حيناً ألازمُها ... لزومَ غادٍ إلى اللذات روّاحِ
(ديارات الأصفهاني/7 )
دير حنة بالحيرة
دير حنة: في الحيرة قال أبو الفرج: هو دير قديم بناه حي من تنوخ، يقال لهم بنو ساطع، تحاذيه منارة عالية كالمرقب، تسمى القائم، لبني أوس بن عمرو، ثم لبطن منهم يقال لهم، بنو مبرق.
وكان فتيان الحيرة يألفونه ويشربون فيه، وإياه عنى الثرواني بقوله:
يا دير حنة عند القائم الساقي ... إلى الخورنق من دير ابن براقِ
ليس السلّو) وإن أصبحتُ ممتنعاً ... من بغيتي فيك (من شكلي وأخلاقي
سقياً لعافيك من عافٍ معالمه ... قفر وباقيك مثل الوشي من باقي (ديارات الأصفهاني/8 )
دير مارة مريم
دير مارة مريم: بنواحي الحيرة، مشرف على النجف.
قال أبو الفرج: هذا دير قديم، من بناء آل المنذر حسن الموضع، بين الخورنق والسدير، وبين قصر أبي الخصيب، مشرف على النجف، كان فيه قسّ يقال له يحيى خماراً وله ابن، يقال له يوشع، يألفه الفتيان الظرفاء، ويشربون عنده على قراءة النصارى، وضرب النواقيس. وله يقول بكر بن خارجة:
بِتنا بمارة مريمٍ ... سَقياً لمارةَ مريمِ
ولقسنا يحيى المهيئم ... بعد نومِ النُّوم
وليوشع ولخمره الحم ... راءِ مثل العَنْدمِ
أخبرني جعفر بن قدامة قال: حدثني ميمون بن هارون قال حدثني إسحاق الموصلي قال: لما خرجت مع الواثق إلى النجف درنا بالحيرة ومررنا بدياراتها، فرأيت دير مريم بالحيرة، فأعجبني موقعه وحسن بنائه، فقلت:
نِعَم الَمحلُّ لمن يسعى للذَّتِه ... دَيرٌ لمريمَ فوقَ الظَّهر معمورُ
ظلٌ ظليلٌ وماءٌ غيرُ ذي أسنٍ ... وقاصراتٌ كأمثالِ الدُّمى حُورُ
فقال الواثق: لا نصطبح والله غداً إلا فيه، وأمر بأن يعدّ فيه ما يصلح من الليل، وباكرناه فاصطبحنا فيه على هذا الصوت، وأمر بمالٍ ففرق على أهل ذلك الدير، وأمر لي بجائزة". (ديارات الأصفهاني/23 )
مايس 2025
615 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع