د. رمضان مهلهل سدخان
شجاعة أن تكون مكروهاً
يذكر مولفا كتاب "شجاعة أن تكون مكروهاً، إيشيرو كيشيمي و فوميتاكي كوجا، في مقدمتهما بأن سيغموند فرويد، وكارل يونغ، وألفريد أدلر، هم جميعاً عمالقة في علم النفس، لكن ها الكتاب يُجسّد خلاصة أفكار أدلر الفلسفية والنفسية وتعاليمه، مُجسّداً ذلك عبر حوار سردي بين فيلسوف وشاب.
يحظى علم النفس الأدلري بقاعدة جماهيرية واسعة في أوروبا والولايات المتحدة، ويُقدّم إجابات بسيطة ومباشرة على السؤال الفلسفي: كيف يُمكن للمرء أن يكون سعيداً؟ قد يكون علم النفس الأدلري هو المفتاح.
على أطراف مدينة عمرها ألف عام، عاش فيلسوف كان يُدخل في روع الناس بأن العالم بسيط، وأن السعادة في متناول كل إنسان. ذهب شاب ساخط على الحياة لزيارة هذا الفيلسوف، ساعياً إلى الوصول إلى جوهر هذه المسألة. كان هذا الشاب يرى العالم بأنه كتلة فوضوية من التناقضات، وكانت فكرة السعادة، في عينيه القلقتين، ضرباً من العبث التام.
ثمة دروس كثيرة مؤثرة، أعادت رسم حيواتنا، مستقاة من هذا الكتاب، أهمها:
1. لستَ بحاجة لأن يحبك الآخرون لتكون سعيداً:
هذه الحقيقة كأنها نعمة ونقمة في آنٍ واحد. لقد قضى الناس وقتاً طويلاً في محاولة أن يكونوا لطفاء، وأن لا يزعجوا أحداً. لكن هذا الفيلسوف يذكّر بأن السعي الدائم لنيل رضا الآخرين هو شكل من أشكال التخلي عن الذات. السعادة الحقيقية لا تأتي من كونك محبوباً، بل من كونك صادقاً مع نفسك.
2. المشكلات جميعها هي مشكلات تكمن في العلاقات بين الناس:
هذه العبارة صادمة. في البداية، حاول الناس مقاومتها. لكن كلما تمعّنوا فيها أكثر، أدركوا بأن جزءاً كبيراً من التوتر الداخلي نابع من صراعاتهم مع الآخرين – أو من الخوف منها. فالتوتر والقلق والشعور بالذنب – الكثير من ذلك مرتبط بكيفية التعامل مع الناس.
3. الماضي لا يُحدد المستقبل:
لقد حملنا الكثير من القصص عن الماضي وكأنها حقائق لا تقبل النقاش. لكن الفيلسوف يتحدى هذه الفكرة – فنحن لا نتشكل بتجاربنا، بل بالمعاني التي نمنحها لتلك التجارب. وهذا يعطي شعوراً غريباً بالقوة. فأنت لستَ مضطراً لأن تكون نتيجة لما حدثَ لك.
4. الناس يختلقون الغضب للسيطرة على الآخرين:
كان هذا الدرس مزعجاً. لطالما اعتقد الناس بأن الغضب شيء "يحدث" لهم. لكن الفيلسوف يُشير إلى أننا غالباً ما نختاره – أحياناً دون وعي – كوسيلة لفرض السيطرة أو إلقاء اللوم على الآخرين. هذا يجبر الناس على التفكير في كيفية استخدامهم للعواطف، وخاصة في أثناء الخلافات.
5. الحرية الحقيقية هي أن تكون مكروهاً وأنت بخير مع ذلك:
هذا هو جوهر الكتاب. إذ إننا كثيراً ما نستبدل الصدق مع الذات بالحصول على رضا الآخرين. لكن كلما سعينا وراء رضاهم، ابتعدنا أكثر عن ذواتنا. شجاعة أن تكون مكروهاً لا تعني الوقاحة أو التجاهل – بل تعني امتلاك القوة لتعيش حقيقتك، حتى لو كلفك ذلك راحتك.
6. فصل المهام أمرٌ أساسي للسلام الداخلي:
لقد غيّرَ هذا المفهوم حياة الناس. إذ يشرح الفيلسوف بأن قدراً هائلاً من المعاناة يأتي من القيام بأشياء ليست من مسؤوليتنا أصلاً. لذلك أدركنا بأننا تحملّنا عبء مشاعر الآخرين، وردود أفعالهم ونظراتهم لنا. التخلي عن ذلك – وتعلّم أن نسأل: "هل هذه مهمتنا حقاً؟" – يجلب لنا سلاماً لم نكن نعلم بأنه ممكن.
7. عش الحياة كما لو كنت ترقص:
قرب الخاتمة، يذكر الفيلسوف شيئاً جميلاً عن عدم عيش الحياة وكأنها سباق ماراثوني نحو الأهداف، بل عيشها كأنها رقصة. بقيت هذه الصورة عالقة في أذهاننا. فالأمر لا يتعلق بالوصول إلى وجهة مثالية – بل أن تكون حاضراً في كل خطوة على الطريق. هذه الاستعارة خففت من وطأة الألم علينا. وذكّرتنا بأن الفرح ليس شيئاً نطارده – بل هو شيء نلاحظه ونحن على الطريق.
كتاب "شجاعة أن تكون مكروهاً" لم يكن مجرد كتاب – بل هو مرآة تعكس ذواتنا. لقد تحدّى افتراضاتنا، وتجاهل أعذارنا، وفتح للناس باباً نحو حياة أكثر حرية وانطلاقاً. هو كتاب لم يمنحنا السلام الداخلي فحسب، بل أعطانا أمراً مهما ألا وهو التوقف عن التمثيل، والبدء بالظهور على طبيعتنا وسجيتنا. وهذا، لعمري، هو أصدق أنواع السعادة وأنبلها.
883 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع