برلمان التاكسي

 بقلم : مهند سري

برلمان التاكسي

تتصاعد النقاشات، وتحتدم احيانا، مع زحمة الطريق، وطول المسافات، وتوقف الزمن العراقي، في سيارة الأجرة التي كانت تقلني، الشاب الذي يقودها يحمل شهادة بكلوريوس إدارة اعمال، ويدرس نظم حاسبات مسائي في الجامعة المستنصرية، بدأ الحديث عن شركة " بلي" ، كان هو ناقما منها، فهي من اوقفت حال سواق التاكسي، بسبب الأجور الزهيدة، التي هي ليست " كروتها " بأي حال من الأحوال.

قلت: ما يضطرك إليها اذن؟

قال: قسط السيارة، إضافة إلى الطريق صعبة وسط كم التاكسيات، للحصول على راكب.

هنا، تحول الحديث من موضوع الشركة التي تغبن حق صاحب التاكسي، إلى البطالة التي جعلت أصحاب الشهادات يلجؤون إلى التاكسي مصدرا لرزقهم، والشغل موعيب، لكن موارد العمل نفسها قد تصاب بزحمة الرزق، كما هي زحمة الطريق.

دار بيننا نقاشات عن الوظيفة، وطلب الشهادة العليا، بدلا من تعدد شهادات البكلوريوس، إلى ثقافة الجيل، وكانت القشة التي قلبت محور الحديث بيننا، لما انتقدت واقع ثقافة خريجي اليوم، وختمتها: انه جيل لايقرأ، ليتحول النقاش وكأنه صراع أجيال.

قال: هذه التهمة طالما تلاحقوننا بها، لكنكم لا تحاولون أن تبحثوا في اسبابها؟

سألته: انشغالكم بالموبايل، واللابتوب، والعاب البوبجي وغيرها.

ردني بحدة: لعلك لم تر ابعد من بيتك، لكن هناك من لا يسمح له الوقت ان يجري مكالمة هاتفية، فضلا على أن يلعب البوبجي.

ثم اردف قائلا: تدري حجي، أن بحث تخرجي كان عنوانه: الجانب الاقتصادي وراء تدهور ثقافة الشباب.

أعجبني عنوان بحثه، وأدركت أن لديه مايقوله.

سألته: كيف؟

قال: كثيرون لم يمروا بطفولة ولم يتمتعوا بمعيشة طيبة، فالاب يكد للقمة العيش لاغير، والأولاد يشتغلون بالعطلة الصيفية، ومع المدرسة ايضا لاعانة ابائهم، فواحدهم " بالدوب" يقلب كتابه المنهجي، قبل أن ينام " على روحه " .

تركته يسترسل ليكمل فكرته:

نحن جيل لم نر مكتبة البيت، الا بالافلام، فبيوتنا الضيقة لا تسمح بذلك، كما أن خصوصية اقتناء الكتب تحتاج إلى مكان يخلو من الارضة.

مجلات الأطفال التي نسمع عنها لم نراها، وحب القراءة ليس كافيا مع زحمة الشغل من أجل تأمين الأفواه الجائعة.

حتى الطموح تحول إلى غيرة من تلك الطبقة المتخمة، التي نجد الترف في عيون ابنائها، بعد ان ابتلعت الطبقة الوسطى التي كانت في يوم ما تشكل عوازل الصدام في سكة قطار العمر.

حاولت أن اواسيه، واقول أنا متقاعد، لا اختلف عمن تحدثت عنهم، وكلنا يابني في الهوى سوى

  

إذاعة وتلفزيون‏



الساعة حسب توقيت مدينة بغداد

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

554 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع