نجيب الريحاني.. شارلي شابلن العرب ذو الأصول العراقية

التفاصيل

تم إنشاءه بتاريخ الثلاثاء, 22 نيسان/أبريل 2025 09:27

كتب بواسطة: د.باسل يونس الخياط

الأستاذ الدكتور باسل يونس ذنون الخياط
أستاذ مُتمرِّس/ جامعة الموصل

نجيب الريحاني.. شارلي شابلن العرب ذو الأصول العراقية

نجيب إلياس ريحانة الشهير باسم نجيب الريحاني (1889-1949م) ممثل رائد، وهو المُمثل الكوميدي الأشهر في مصر وقد حمل العديد من الألقاب: "ملك الكوميديا الحزين"، "الضاحك الباكي"، "زعيم المسرح الفكاهي"، و"موليير العرب". وقد تخللت حياته موجات من الفقد والحزن، ورغم رحيله في سنة 1949، فإن أعماله الفنية لا تزال حاضرة في ذاكرة السينما والمسرح العربي.

ونجيب الريحاني هو فنان كبير من أصل عراقي موصللي، وقد ترك بصمةً كبيرةً على المسرح العربي والسينما العربيَّة، حتَّى لُقِّب (زعيم المسرح الفُكاهي) في مصر وسائر الوطن العربي.

عائلته (ريحانة/ ريحاني) وهي عائلة مسيحية كلدانية من رعايا السريان الكاثوليك، قدمت من منطقة ديار بكر وسكنت الموصل في القرن الثامن عشر محلة الساعة (الجولاق أو الجولاغ) أو محلة الاوس كما تُسمى رسميا، وتقع في أيمن الموصل وتقع فيها كنيسة الآباء الدومنيكان والتي تُعرف كذلك شعبيا بكنيسة الساعة، والتي يرجع تاريخ إنشائها إلى العام 1866م.

من عائلة الريحاني برز في الموصل القس جرجس الريحاني الذي توفى سنة 1945، ومن هذه العائلة كذلك الياس بن قسطنطين بن بهنام بن يعقوب بن عبد الرحيم الريحاني الذي كان يمتلك بيت تراثي متميز في الموصل.

سكنت عائلة إلياس ريحاني والد نجيب الريحاني منطقة الساعة، وابنة عم نجيب الريحاني هي الطبيبة الموصلية الشهيرة الدكتورة سيرانوش ناصر الريحاني (1920-2012)، وكان بيتها في محلة العكيدات قرب فندق الرافدين وعيادتها في السرجخانة، تزوجت من المهندس زكي ريحاني، وقد نشرنا سيرتها الكاملة في كتابنا الصادر حديثا: "نساء موصليات" 2025.

لقد كانت الدكتورة سيرانوش الريحاني واحدة من أشهر طبيبات النسائية في زمانها على مستوى العراق؛ وهي أول طبيبة نسائية وتوليد متخصصة في الموصل. وفي سنة 1961 انتقلت الدكتورة سيرانوش إلى بغداد وعملت هناك حتى سنة 2005 ثم هاجرت مع عائلتها إلى مدينة مادسن بالولايات المتحدة الأمريكية وبقيت هناك حتى وفاتها.

يذكر أحد الأصدقاء أنه قبل كم سنة اتصلت به امرأة وقالت له أنها حفيدة الفنان نجيب الريحاني وعندهم أملاك في منطقة الساعة قرب الكنيسة، وكما هو معلوم فإن آل ريحاني لا وريث لهم سوى الدكتورة سيرانوش الريحاني وقد استلمت إرثها بعد وفاة الفنان نجيب الريحاني.

والد نجيب الريحاني (إلياس) كان يعمل في تجارة الخيول التي كانت تشتهر بها العديد من العوائل الموصلية في تلك الحقبة، وكان محله في باب لكش. تعرض ألياس الريحاني إلى انتكاسة مالية وضياع اغلب أمواله، فقرر الهجرة إلى الشام وتحديدا إلى حلب، ومن ثم انتقل إلى مصر وتزوج من فتاة قبطية وعاد إلى الموصل قبل أن يقرّر الهجرة إلى القاهرة حتى لا تشعر زوجته المصرية بالغربة، وهناك غيّر مهنته من تجارة الخيول إلى تأسيس مصنع للجبس (الجص).

يذهب كُتاب عراقيون، في مقدمتهم الأديب والصحفي مشكور الأسدي والمؤرخ عبد المنعم الغلامي، للتأكيد على أن مولد نجيب الريحاني كان في مدينة الموصل، ويرجحان أنه حدث في الفترة بين 1890 و1892، قبل أن يهاجر أبواه به وبأخيه الأكبر إلى مصر وهما صغيران. بينما تذكر مصادر مصرية أن ولادة نجيب وإخوته كانت في مصر.

درس نجيب الريحاني في "مدرسة الفرير" الابتدائية الفرنسية، ثم حصل على شهادة البكالوريا، بيد أنه توقف عن الدراسة بسبب تعثر تجارة والده.

بدأ حياته موظفا في البنك الزراعي، ثم تنقل بين عدة وظائف كانت إحداها في إدارة الحسابات بشركة السكر في منطقة (نجع حمادي)، لكنه ترك هذه الوظيفة وعاد إلى القاهرة منقطعا عن العمل.

تزوَّج نجيب الريحاني من ممثلة استعراضية لُبنانيَّة سورية الأصل تُدعى (بديعة مصابني) وتعرَّف إليها أثناء إحدى عُروضه في لُبنان، واصحبها معهُ إلى مصر حيثُ افتتحت ملهىً خاصًا بها اشتهر باسم (كازينو بديعة)، كما أسست فرقتها المسرحيَّة الخاصَّة بها والتي عُرفت باسم (فرقة بديعة مصابني). وفي هذه الفرقة اُكتشفت العديد من المواهب التمثيليَّة في مصر تخرج منها أشهر نجوم الاستعراض في مصر، كما اكتشفت فيها عدد كبير من نجوم الفن أمثال فريد الأطرش وتحيه كاريوكا وسامية جمال وهاجر حمدي وإسماعيل ياسين.

انفصل نجيب الريحاني عن بديعة مصابني في وقتٍ لاحق، ليتزوَّج بامرأةٍ ألمانيَّة/ نمساوية وأنجب منها ابنته الوحيدة "جينا" التي تشير في الفيديو المرفق إلى أصول والدها الموصلية.

https://www.youtube.com/watch?v=SDy9Ef9gtKc&t=33s

لقد كانت شخصية نجيب الريحاني تميل إلى السخرية بتأثير من والدته، فبدأ الميل إلى فن التمثيل، وأسس مع أحد أصدقائه أول فرقة مسرحية؛ كانت تقدم التمثيليات الفكاهية الخفيفة لرواد الملاهي الليلية في شوارع القاهرة.

اعترضت الريحاني متاعب فنية في أعماله المسرحية الأولية التي كان يقدمها تحت إشراف آخرين، لكن شهرته ظلت تزداد باطراد ونجاح أعماله الفنية حتى أطلق عليه النقاد لقب "زعيم المسرح الفكاهي"، وصار نجيب الريحاني من أشهر ممثلي المسرح في القرن العشرين.

لقد حاول نجيب الريحاني في مسرحياته السياسية -التي كان الزعيم الوطني سعد زغلول يحضر بعضها- معالجة القضايا الوطنية بأسلوب الفكاهة للتأثير في جمهوره العريض.

يقول نجيب الريحاني في مذكراته "حين رأيتُ من الجمهور المثقف ومن عامة الشعب هذا الإقبال المنقطع النظير، رأيت أن أستغله استغلالا صالحا وأن أوجهه التوجيه النافع، فرحتُ أنقّب عن العيوب الشعبية، وأبحث عن العلل الاجتماعية التي تنتاب البلاد، ثم أضمن ألحان الروايات ما يجب من علاج ناجح بمثل هذه الأدواء..، (لتكون) أداة لإيقاظ شعور الجمهور وتعويده حب الوطن".

قدّم الريحاني أكثر من 33 مسرحية قبل اعتزاله المسرح 1946، منها: "30 يوم في السجن"، و"الدلوعة"، و"الدنيا على كف عفريت"، و"إلا خمسة"، و"وصية كشكش بيه"، و"ريا وسكينة" و"الدنيا لما تضحك"، و"الستات ما يعرفوش يكدبو"، و"قسمتي"، و"المحفظة يا مدام"، و"حسن ومرقص وكوهين".

على صعيد الإنتاج السينمائي، أنتج نجيب الريحاني عشرة أفلام هي عبارة عن مسرحيات حولها إلى السينما، ويعتبر فيلم "صاحب السعادة كشكش بيه" أول هذه الأفلام، وقد اشتهر الريحاني فنيا باسم شخصية "كشكش بيه" التي أدى دورها في هذا الفيلم.

من أفلامه أيضا: "سلامة في خير"، و"أبو حلموس" و"لعبة الست"، "ياقوت أفندي"، و"غزل البنات" الذي يعد آخر أفلامه وتوفي قبل أن يتم تصويره.

لم تنل التجارب السينمائية لنجيب الريحاني ما نالته مسرحياته من النجاح، رغم أنه صوّر بعض أفلامه (التي تعالج أحداثا تدور في مصر) بالعاصمة الفرنسية باريس.

شارك الريحاني في عدة "أوبريتات"، منها: "العشرة الطيبة"، و"أيام العز"، و"الشاطر حسن".

لقد رثاء نجيب الريحاني لِنفسه قبل وفاته بِخمسة عشر يومًا، ومن كلماته الأخيرة وهو على فراش الموت: "مات نجيب.. مات الرَّجُل الذي اشتكى منهُ طوب الأرض وطوب السَّماء إذا كان للسماء طوب.. مات نجيب الذي لا يُعجبه العجب ولا الصيّام في رجب... مات الرَّجُل الذي لا يعرفُ إلَّا الصراحة في زمن النفاق.. ولم يعرف إلَّا البحبوحة في زمن البُخل والشُّح.. مات الريحاني في 60 ألف سلامة".

توفي نجيب الريحاني في 8 يونيو/حزيران 1949 بعد إصابته بمرض التيفوئيد بينما كان يصور آخر مشاهد فيلمه "غزل البنات" مُخلفاً وراءه إرثاً فنياً كبيراً، وسيرة حافلة بالنجاحات، وكذلك الإخفاقات.

لقد تم تسمية شارع في وسط القاهرة الخديوية يحمل اسم رائد فن الكوميديا نجيب الريحاني الذي جسد بعبقرية عدداً من الشخصيات الفكاهية مثل: (كشكش بك) و(سي عمر) و (أبو حلموس) و (الأستاذ حمام). ومن رموز هذا الشارع التي لا تزال قائمة إلى الآن مبنى (جريدة الجمهورية) و (فندق الريحاني).

https://www.youtube.com/watch?v=IL8PK1R0hfE&t=5s

رحمه الله.