د.ضرغام الدباغ / برلين
بين واشنطن ـو طهران: تناقضات ثانوية، لا صراعات جوهرية
بدهشة نقرأ لكتاب أو محللين، عن الخلافات بين الولايات المتحدة وإيران. فحقا يصعب علينا تقدير لماذا وكيف، يصل محلل سياسي (يستحق هذه الصفة) لهذه النتيجة. دعونا نتناقش بهدوء ..! ولأني أعرف بدقة لغة المصالح، والأولويات على جداول الاعمال، ولنتفق بادئ ذي بدء، أن هناك صنفان من الخلافات :
الصنف الأول:
وهي التناقضات الجوهرية، وهي تلك التي المرشحة أن تقود لصراعات حادة، قد تبلغ درجة الصراع المسلح وهي أعلى ذروة فيها، وقد تدور حتى بين المتناقضين جوهرياً، محادثات سياسية قد تفضي إلى تهدئة الموقف كله، أو بعض الاحتدام في الموقف.
الصنف الثاني:
من الصراعات وهي تلك التناقضات الثانوية، المتوفرة حتى بين أكثر الحلفاء والأصدقاء حميمية، وهي خلافات تجد طريقها غالباً إلى الحل على طاولات المفاوضات، خلافات " لا تفسد للود قضية " كما يقول المثل العربي، وهي يمكن أن تحدث بين أكثر الحلفاء وداً وتفاهماً، ولا تعني شيئا مهماً، ربما بتكاثفها اشتدادها، تشكل علامة استفهام، ولكنها لا تعني تناقضاً مهماً. وفي هذا السياق نذكر المرات النادرة التي نشبت فيها تناقضات عميقة بين بريطانيا والولايات المتحدة، رغم أن تحالفهما استراتيجي، فوق كافة الاعتبارات. ولكنها حدثت وتتراوح بين تناقض ثانوي، إلى ما هو أعلى من ذلك في عام 1956 (العدوان على المسلح على مصر)، و1982 (خرب الأرجنتين ــ بريطانيا)، و2025 (في الحرب الروسية ــ الأوكرانية).
ولكن ما بين واشنطن ولندن، وطهران، هو تحالف استراتيجي، يمتد لعام 1935، حين قامت بريطانيا وأميركا بتأسيس الكيان السياسي الإيراني، ووجود إيران له مصلحة استراتيجية بريطانية / أمريكية، ويتجاوز حدوده دولة إيران إبى عموم منطقة أوسط آسيا، وله مهمات أساسية وهي:
1. التصدي لحركة النهضة العربية،
2. التصدي لخطط روسيا / الاتحاد السوفيتي،
3. التصدي لفكرة أتحاد الأمم التركية.
تقنع مكاسب التحالف الأطراف الثلاثة (طهران، واشنطن، لندن)، أن مكاسب التحالف هو أسمى من الخلافات، وتنتصر إرادة السياسيين والدبلوماسيين في اللحظة الأخيرة، أو ما قبل الأخيرة على التوصل لحلول مرضية للأطراف.
من هنا يمكن القول أن نشوب تناقضات ثانوية، وحتى جوهرية بين أطراف متحالفة هو أمر ممكن الحدوث، حتى بين أشد الأطراف تماسكاً وتفاهما وانسجاما في الأهداف والوسائل. فالخلاف يكمن في تفاصيل المشكلة التي اختلف عليها المتحالفون, في تشخيص جوهر الأزمة، وتحديد عناصرها، وسبل حلها، ومآل عناصر الأزمة، وكفقرة أخيرة ومهمة :تقاسم النفوذ.
قد تتحالف اطراف عديدة، ولكن خلال مجرى الصراع، هناك حسابات دقيقة تجري يوميا، وربما على مدار الساعة عن نسبة القوى الفعلية على الأرض، وتوزيعها، والنسبة التي سيحصل عليه كل طرف من أطراف التحالف، ستكون سببا لخلافات صغيرة، قد لا تجد طريقها للحل وبتراكم مفردات الازمة تقود ربما لحالة توتر بين حلفاء الأمس، خصوم (لا أعداء) اليوم.
نظام طهران صار معروفا للجميع، أنه نظام مناور، يضع أهمية كبيرة للتسويف والمماطلة وإطالة أمد المفاوضات، وصعوبة التوصل معهم لحلول، وهذه خصلة أساسية لنظام الملالي، أن يكون مزعجا في صداقته، ومزعجاً في خصومته، ومقرفا في مفاوضاته. ويوصل الطرف المفاوض المقابل إلى حالة من الضجر واليأس من الوصول لحلول تجعله يقبل بالتراجع عن حدوده من أجل إبرام أتفاق. فالطرف الإيراني ربما يعتقد المفاوض الإيراني، أن إبقاء القضية معلقة هي انتصار ، على عكس الأوربيين وغيرهم، يعتبرون إضاعة الوقت هدراً ومسألة سلبية.
بعد عام واحد من الثورة الإسلامية، كانت الأنظار متجهة لطهران، القوى التقدمية في الدول الاشتراكية وفي العالم كانت تتوقع أن يكون النظام في طهران تقدميا معاديا للإمبريالية، كتب المفكر السوفيتي أوليانوفسكي، مقالة مهمة نشرت في مجلة السياسة الخارجية الألمانية (ألمانيا الديمقراطية) ، وهي مجلة رصينة تصدر بإشراف وزارة الخارجية الألمانية، يكتب بها شخصيات بارزة في ألمانيا والدول الاشتراكية، كتب : بعد مرور عام على الثورة الإسلامية في إيران، تخيب آمال القوى التقدمية في العالم، فالوضع السياسي الداخلي يتميز بقمع دموي مفرط ضد القوى التقدمية واليسارية، والحركات الوطنية للمكونات القومية، بل وحتى حلفاء الثورة ضد نظام الشاه، واقتصاديا ما زال "البازار/ السوق في طهران" يهمين على التجارة الداخلية والخارجية للبلاد، فيما تتجه البلاد إلى تجييش الجماهير والعسكرة، وهذه المؤشرات لا تدل على تغيير في النظام نحو الأفضل .
اليوم قد مضى 46 عاما على نشوب الثورة، وما زال الموقف بلا تغير جوهري، ولا حتى سطحي، لم تشهد البلاد استقرارا ولا تطورا اقتصادياً، ولا ثقافيا أو سياسياً.، فالبلاد متجهة رسميا لإنتاج الأسلحة الذرية وهي تجازف بوصع البلاد في خطر داهم . ولا أعتقد أن الغرب، الولايات المتحدة خاصة يزعجها الأمر ... وما نشهده ونسمعه من تدافع وتجاذب، لا ينبأ بحدية المشكلة،
• هناك وضع عالمي جديد يتشكل وله استحقاقاته ... هذا الامر هو من يستحق التفاهم .
• تبديل المهام و الأدوار .. نعم، محتمل ...
• تبديل وجوه .. في النظام... نعم، هذا محتمل ..
• تبديل حكم الملالي بأسره .... نعم، هذا محتمل ايضاً ..
• لكن التضحية بكل إيران، وبدورها في النظام الغربي .... محتمل ولكن يصعب احتماله ...
917 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع