صدّام حسين والمسؤولية التاريخية عن ضياع العراق

أحمد العبداللّه

صدّام حسين والمسؤولية التاريخية عن ضياع العراق

الدنيا لا تتغيّر..الناس هم الذين يتغيرّون, نحو الأحسن, أو نحو الأسوأ, نتيجة عوامل موضوعية أو ذاتية, أو كليهما معًا. ففي الأزمان الغابرة, عندما ينحدر البشر لمهاوي الشرك والكفر والضلالة, ويعمّ الفساد في الأرض ويتفشّى الظلم. يُرسل الله سبحانه وتعالى إليهم الرُسل والأنبياء, لإصلاحهم. فإن أبوا, نزل بهم غضبه الساحق الماحق. وبما إن رسالة الإسلام هي خاتمة الرسالات السماوية وأكملها, والنبيّ الكريم محمّد(صلى الله عليه وسلم),هو خاتم النبيّين, فإن مهمة إصلاح الخلق عندما ينحرفون عن جادة الحق والصواب, تقع على عاتق الحكام, وعلماء الدين, وأهل الحل والعقد, كل ضمن مجاله, مسترشدين بهدي الإسلام, الصالح لكل زمان ومكان. فإذا صلح الراعي, صلحت الرعية, وإن فسد الراعي, فسدت الرعية, وكما قيل؛(الناس على دين ملوكها). وقد جاء في الأثر؛(إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن).

هذا الذي قلته آنفًا, بمثابة مدخل للموضوع الذي أنا بصدده.. فبعد انتهاء العدوان الثلاثيني بصفحته العسكرية, خضعت بلادنا لحصار اقتصادي قاسٍ ولا مثيل له في التاريخ, أدى لتخلخل كبير في بنية المجتمع العراقي, وصار على شفا جرف هارٍ, وفقدت العملة قيمتها بفعل التضخم والذي بلغ أرقاما فلكية, وانعكس ذلك على دخل الموظف, وتفشّى الفساد بمختلف أشكاله, وهذا أدى بالمحصلة النهائية لضعف الدولة, وغدت كجذع شجرة نخرته حشرة(الأرضة)من داخله, ولم يتبقَّ إلّا قشرته الخارجية. ومع إن الحكومة كانت توفر المواد الغذائية الأساسية لكافة المواطنين بسعر رمزي, بموجب نظام(البطاقة التموينية), وأشياء أخرى كالوقود مثلا, ولكن؛(ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان), فمتطلبات الحياة أصبحت كثيرة ومتعددة.

ورغم أنه ثبت للجميع تقريبا, إن غزو الكويت كان فخًّا محكما استُدرجت له القيادة العراقية, والتي التقطت الطعم بسذاجة, ولكن تلك القيادة وعلى رأسها صدّام حسين, لم تحاول خلال الفترة الزمنية الطويلة ما بين 1991-2003, الخروج من ذلك المستنقع من خلال اتباع سياسات مختلفة, والبحث عن مسالك بديلة, ومغادرة مرحلة الشعارات واللغة الخشبية التي تجاوزها الزمن, والطموحات غير الواقعية, بل بقيت مصرّة على الخطأ وتعيد اجتراره, بعناد ليس له مثيل.

ولقد كان بالإمكان الخروج من المأزق ببعض التضحيات والخسائر التي يمكن تحمّلها, وهي سياسية بالمقام الأول. وذلك خلال ولاية الرئيس الأمريكي(كلينتون)الأولى, وحتى الثانية إلى حدٍ ما. وقد حصلت محاولات بهذا الاتجاه من قبل ملك المغرب الحسن الثاني بطلب من العراق في عام 1993, والذي اتصل بدوره بـ(كلينتون), فوافق, ولكنه ربط رفع الحصار عن العراق وتطبيع علاقاته مع محيطه, بثلاثة شروط متعلقة بسياسة العراق الخارجية. ولكن الرئيس صدّام حسين رفض ذلك بشدة, قائلًا؛لن نساوم على مبادئنا أبدًا, ولن نتخلّى عن قضية فلسطين ولو خسرنا العراق!!.(مصدر هذه الرواية محمد حسنين هيكل, وأوردها في كتابه سلام الأوهام الذي صدر سنة 1996, وقد نقلها مباشرة من ملك المغرب نفسه).

ويروي علي أبو الراغب, رئيس وزراء الأردن؛(2000 - 2003),في مذكراته, إنه في أولى زياراته الرسمية لبغداد، التقى طه ياسين رمضان وتحدّث له عن كلام أدلى به السفير البريطاني في عمّان الذي أبلغه بأن موافقة العراق على مشروع قرار مجلس الأمن رقم 1284, الصادر في 17 كانون الأول 1999, والمتعلّق بتفتيش المنشآت العراقية سيضمن رفع الحصار تدريجيًا عنه خلال 3 - 6 شهور، لكن ردّ طه ياسين رمضان كان صادمًا, عندما أجابه:(نحن نرفض دخول جواسيس لمنازلنا وإهانتنا.. والله لو قامت حرب عالمية ثالثة لن نقبل مثل هذا القرار)!!. ويضيف أبو الراغب في تقييمه؛(صدّام حسين ظل وكأنه قادم للتو من مدرسة البعث, التي تسعى بعقيدتها إلى تحدي أميركا واجتثاث إسرائيل)!!!.

لقد كان الخروج من عنق الزجاجة ممكنا جدا بعد عام 1991, بتقديم بعض التنازلات غير المؤلمة, كما أسلفنا, مع شيء من المرونة. وصحيح إن مخارج الحل قد ضاقت كثيرًا في الأشهر الأخيرة قبل 20-3-2003, ولكن بقي بصيص من الأمل موجودا, فيما لو تم استثماره والبناء عليه. ولكن بدلا من ذلك, غابت لغة الحكمة والعقل, وتم تصوير الأمر وكأنه خلال مدة من الزمن, سترضخ أمريكا وتخرُّ راكعة أمام(العراق المنتصر), لأن(الله معنا)!!.

وقد حدّثني(أبو دحام), وهو مدير في جهاز المخابرات, والذي خدم في الجهاز لمدة تقرب من ربع قرن ولغاية الاحتلال في 2003, وكان آخر مناصبه؛مدير مخابرات محافظة(...),عن اجتماع مهم, كان هو أحد حضوره, مع الرئيس صدّام حسين حصل في بداية آذار 2003, مع مدراء المديريات الاستخبارية ومدراء مخابرات المحافظات, وكان عدد الحاضرين حوالي العشرين شخصا يتقدمهم مدير الجهاز الفريق طاهر جليل الحبوش, ودام الاجتماع, الذي انعقد في أحد قصور مزرعة الرضوانية, أكثر من أربع ساعات, استمع فيه الرئيس من كل واحد منهم, لإيجاز مفصّل وتقدير موقف لساحة عمله.

وعندما وصل الدور للضابط(مثنى التكريتي)؛المدير في الخدمة السرّية(الخارجية), قام بعرض نشاطهم المتعلّق باجتماعهم بمسؤولين في المخابرات الألمانية بخصوص مبادرة من حكومة ألمانيا, يُعتقد إنها بإيحاء أمريكي, لنزع فتيل الحرب التي بدت بوادرها تلوح في الأفق القريب, مقابل شروط يتعيّن على العراق الانصياع لها, تخصّ سياسته الخارجية وعلاقته بالقضية الفلسطينية. وعند هذه النقطة استشاط صدّام حسين غضبًا, وطلب وقف هذه المحادثات فورًا !!.

والغريب, كما يقول(أبو دحام)؛إن صدّام حسين وفي نهاية اللقاء نبّه الحاضرين لحيلة قد يلجأ لها الأمريكان كنوع من استعراض القوة والتأثير على المعنويات, بـ(القيام بعمليات إنزال جوّي لدبابة أو اثنتين, على الجسر المعلق أو على الخط السريع غرب بغداد, أو أمكنة أخرى من هذا القبيل). وهذا ما حصل فعلا بعد شهر من ذلك الاجتماع, واحتلال العراق!!.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الساعة حسب توقيت مدينة بغداد

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

896 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع