الديمقراطية الزائفة تنتج معارضة غير حقيقية

أ.د. سلمان الجبوري

الديمقراطية الزائفة تنتج معارضة غير حقيقية

الديمقراطية بمفهومها الحقيقي هي تربية وسلوك يهدف الى اسهام ومشاركة الشعب بكل اطيافه وانتماءاته السياسية في قرارات إدارة الدولة التي يقودها الحزب الحاكم عبر ممثليهم المنتخبين او عبر الاستفتاء العام بعض الأحيان وما تشتمل عليه من تأمين لحرية ابداء الرأي بمختلف وسائل التعبير المشروعة والمتاحة. والمعارضة نتاج للديمقراطية. الا ان الممارسة الغربية للديمقراطية وما نتج عنها من معارضات قد اخرجهما من مفهومهما الحقيقي. ليس ذلك فحسب بل ان الدول الاستعمارية تحاول ايهام شعوب العالم الثالث بما هو مطبق لديها من ديمقراطية للسيطرة عليها بحجة افتقارها للممارسات الديمقراطية والذي الحق ضررا كبيرا بتلك الشعوب وأساء الى المضمون الحقيقي لها، مما يقود بالنتيجة الى الكفر بها. ويجب القول هنا ان الخطأ ليس في الديمقراطية وانما في التطبيق وفي القائمين على تطبيقها. ان نقل الشئ وتطبيقه في غير مكانه يستلزم الممارسة الحقيقية له وفق مفهومه وشروطه الأساسية والا فيعتبر حق يراد به باطل او ايهام لشعوب تلك الدول التي لاتفهم المعنى الحقيقي لتلك المفاهيم. ان أي إساءة في التطبيق الديمقراطي سينشئ معارضة غير حقيقية وربما غير وطنية. ان الممارسة الزائفة للديمقراطية سيحولها الى دكتاتورية وبالتالي سينتج عنها معارضة معادية للنظام الحاكم وربما سيلجئها الى التعامل مع القوى الأجنبية بهدف الوصول الى السلطة. ان المعارضة الوطنية الحقة هي تلك المعارضة التي تمتلك منهجا وطنيا وتعمل على معارضة الاعوجاج في إدارة الدولة التي يديرها الحزب الحاكم بهدف تصويبه وليس مخالفة سياسات السلطة سواء كانت صحيحة ام غير ذلك. لقد استعمل الغرب الديمقراطية كغطاء زائف للاعتداء والسيطرة على شعوب الدول التي تجد فيها مصالح خاصة كما حدث مع أفغانستان والعراق وبأدوات محلية عميلة وقد انطلت تلك الخدعة على شعوب تلك الدول دون انتباهها الى ان الدول الاستعمارية لم تكن ابدا حريصة على مصالح تلك الشعوب . وبسبب سذاجة تلك الشعوب وغرقها في دوامة المشاكل التي يبدع المستعمر حتى عن بعد في خلقها، سهل على المستعمر وتحت يافطة الديمقراطية من الاستيلاء على مقدرات تلك الشعوب. ولم تصحوا تلك الشعوب على مقدار الطامة التي حلت بها الا بعد ان يتأكد لها ان الدول الغازية لم توظف ادوات بشرية نزيهة وكفوءة لقيادة البلاد وإدارة الدولة بل اعتمدت على ادواتها الرخيصة والغير وطنية ممن يدعون المعارضة للنظام السابق، والذين ينفذون بجدارة اجندات سيدهم المستعمر. فلا يكتفون بالهدم والتخريب بدءا من نفسية المواطن مرورا بالبنى التحتية والقدرات الاقتصادية والعسكرية والعلمية.

وللدلالة على مقدار خدعة الديمقراطية التي تنطلي على شعوب العالم الثالث سنورد بعض الأمثلة من ديمقراطيات الغرب ليتضح حجم الخديعة التي انطلت على تلك الشعوب المنكوبة بالاحتلال وبالأخص العراق.
في شرق اوربا وبعد التغيير الذي تحقق بعد انهيار الاتحاد السوفيتي خلع العديد من أبناء النظام الشيوعي وبدعم غربي واضح جلودهم وارتدوا رداء الخديعة الديمقراطية وبمجرد تربعهم على عرش السلطة تحولوا الى ديكتاتوريات اقسى مما كان متعارف عليه ففي احدى تلك الدول والتي كان حالها في زمن ما قبل التغيير افضل بكثير وعاصمتها تدعى بعروسة اوربا بلغ السوء بها ان انتشرت الاوساخ في شوارعها المتعبة والتي لم يصعب رؤية الشحاذين والمتسكعين بلا مأوى فيها. وان كل ما يراه المرء من عمران انما بني في زمن النظام الشيوعي . عندما حدث التغيير كأنما ولد ميثاق بين من تسيدوا المشهد السياسي وبين صغار متعهدي الاعمال الخاصة مضمونه اطلاق أيديهم وذلك بإسناد التعهدات لهم مقابل دعمهم للسياسين ماديا وإثرائهم وبالتالي فإن بقاء احدهم مشروط ببقاء الثاني، وعليه فقد تولدت باسم الديمقراطية دكتاتورية واضحة تستند الى قاعدة بوليسية قمعية , ففي احدى تلك الدول على سبيل المثال لا الحصر قام الحزب الحاكم عند تشكيل الوزارة الى اسناد شؤون التربية المدرسية والشؤون الصحية الى وزارة الداخلية للجم أي احتجاج او اضراب لمنتسبيها وقمعه بوليسيا. كما ان النظام الحاكم يقوم بفصل أي موظف حكومي اذا ما اتضح انه ايد أي حزب معارض. هذا يضاف الى التضييق على نشاطات الأحزاب المعارضة التي لها شعبية متنامية. وقد وصل الامر بالحزب الحاكم الى الاستهزاء بأحد أحزاب المعارضة الصاعدة عندما اعلن خطته للانتخابات القادمة بأنه كان حري برئيس الحزب ان يكتب خطته على ورق التواليت وان رئيس الحزب مكانه السجن. هذا إضافة الى سيل المعوقات التي توضع امام المعارضين وبالتالي أصبحت تلك الأنظمة دكتاتوريات تحت مسمى الديمقراطية . هذا الامر يدعونا الى القول ان كم من الانتهاكات ارتكبت باسم الديمقراطية والتي اوهموا شعوبنا بها فسوقوها الينا.
ومن المساوئ الأخرى والتي هي بمثابة تشويه للديمقراطية الحقة هوان الدافع الخفي لجميع ممثلي الشعب للترشح للانتخابات البرلمانية او المقاطعية هو الدافع المادي وليس خدمة من يمثلونهم على أساس التمثيل النيابي الطوعي. ليس ذلك فقط وانما يقوم الحزب الحاكم بين فترة وأخرى بإستقصاء رأي الشعب في بعض القضايا والذي يكلف الميزانية اموالاً طائلة في حين انها من واجبات ممثلي الشعب وهم من يتطلب منهم نقل ذلك الى البرلمان والى الحكومة. الكلام في هذا الشأن لاينحصر بالممارسات الغير ديمقراطية في الغرب بل حتى في اميركا التي تتباكى على الديمقراطية وحقوق الانسان ليل نهار كما شاهده العام اجمع من طريقة للتعامل البشع مع المحتجين الاميركان على العدوان الصهيوني على شعبنا الفلسطيني وبالأخص في غزة
مما سبق ومن غيره الكثير من الدلائل التي تبرهن على زيف ما مطبق من ديمقراطية لدى الدول الاستعمارية.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الساعة حسب توقيت مدينة بغداد

أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1114 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع