عبد يونس لافي
في العلاقات الدولية القديمة بين العراق ومصر- الجزء الأول
من رسائل بابل الوسطى في العلاقات الدولية الرسالة الأولى
الجزء الأول
من برنابرياش (Burnaburyaš) ملك بابل
الى امنحوتپ الرابع (Amenhotep IV)
ملك مصر
ضمن سلسلة مقالاتنا فيما كان
ابناء بلاد الرافدين يتبادلونه من رسائل،
سنبدأ في استعراض رسائل الحقبة البابلية الوسطى.
(Middle Babylonian Letters)
والرسالة الاولى التي نستعرضها في هذا المقال،
هي من الرسائل التي تعود الى تلك الحقبة
التي حكمت فيها بابل سلالتان هما:
السلالةُ الكيشيَّةُ (kassite dynasty)
من عام (1500 الى عام 1150 قبل الميلاد تقريبًا)،
وسلالة آيسن (Isin Dinesty)
من (عام 1157 الى عام 1025 قبل الميلاد تقريبًا)
ولذا تُصنَّفُ من رسائل الحِقبةِ
البابليةِ الثالثةِ او الوسطى.
معظم الرسائل التي عثر عليها،
يرجع تأريخها الى النصف الثاني
من حكم السُّلالة الكيشية
بين (1350 الى 1150 ق م)،
والرسالة التي نحن بصددها
هي احدى تلك الرسائل.
انها تخص العلاقاتِ الدوليةَ
بين الملك البابلي الثامن عشر
برنابرياش (Burnaburyaš)
( 1364 - 1334 ق م)
والملك المصري الذي عاصره
وهو امنحوتپ الرابع1 (Amenhotep IV)
او باليونانية أمينوفيس الرابع (Amenophis IV)
(1375 - 1347 ق م)
الذي ابدل اسمَه فيما بعد الى اخناتون (Ikhnaton)
مبتدئًا دينَه التوحيدي (Monotheism)
في عبادة آلهةٍ واحدةٍ شعارها قرصُ الشمس.
في هذه الرسالة نحن على موعدٍ
مع الملك العراقي البابلي برنابرياش
وهو يخاطب الملك المصري امنحوتپ الرابع
واصفًا نفسه بالملك العظيم،
ونظيره بالملك العظيم أيضًا،
وحق له ذلك فكلاهما يرأسان
بلدين من بلدان الحضارة آنذاك:
حضارة وادي الرافدين،
وحضارة وادي النيل.
عندما تصفحت الرسالة،
وجدتها إخوانيةَ الاسلوب، مفعمةَ المشاعر،
تكتنفها البساطة في التعبير،
مما يوحي خلو تلك الحقبة
من مشاكل بين البلدين او ضد احدِهما.
يبتدئ بإخباره عن أنَّ احوالَ بيته،
وخيله، وعرباته، وبلاده، والمسؤولين فيها
على العموم جيدة،
ويتمنى المِثلَ لأحوال ملك مصر،
وخيله، وعرباته، وبلاده والمسؤولين.
بعد ذلك يبدأ عتابه لملك مصر،
أنه لم يسألْ عنه، ولم يعبأ ان يرسلَ له
رسالة اطمئنان على صحته،
لأنه كان مريضًا عند وصول
رسوله الى بابل.
وكان يظن أنَّ ذلك الرسول،
اخبره عن مرضه، اذ انه لم يحضر
ايَّ مأدبةٍ رسميةٍ في حضور رُسُلِ الملوك.
ولكي يدلِّل على حالته الصحية هذه،
يقول لنظيره المصري،
انه يمكنه ان يسأل رسوله
ليؤكد له أنه كان قد فقد الأمل
في ان يتماثل للشفاء وانه سيموت.
ولأنه لم يستلم اي رسالة منه،
قال له انه غضب عليه أيَّما غضب،
ولذا سأل ذلك الرسول معاتبًا،
عن سبب عدم سؤالك عني
بإرسال رسالةٍ او رسولٍ خاصٍّ لزيارتي.
يسترسل الملك البابلي في عتابه،
ولكنه بدأ يتراجع عن موقفه،
حين سأل ذلك الرسول عن السبب،
فأجابه بأن مصر ليست قريبةً
لكي يصلَ الخبرُ الى الملك،
فيسأل عن صحتكْ!
ولو سمع لأرسل لك مبعوثًا
خاصًّا للاطمىنان عليك.
ثم يقول له سألت رسولك فيما اذا
كانت مصر بعيدةً حقًّا
ليجيبَه بأن عليه ان بسأل رسولَه
الذي يرسله هو بالذات
عن حقيقة ان مصر ليست قريبة.
لذا توجّه الى رسوله الذي طالما ارسله
الى مصر فأجابه بالايجاب،
ان مصر بعيدةٌ حقًّا،
ولذا زال غضبه وعذر نظيره المصري.
بعد ذلك يقول له:
بما ان بلديهما فيهما كل شيء،
فلتقتصر الرسائل بيننا على الاطمئنان
عن الاحوال العامة،
والعلاقات الطيبة بين البلدين،
تلك التي بدأها ملوك البلدين السابقون.
ثم قال له ان عليهما ان يُطلقا
سراحَ رسلِهما المحتجزين
ليتمكنوا من المغادرة.
في النهاية يقول له: بسبب بعد الطريق،
وقلة الماء وارتفاع درجات الحرارة،
فانه اقتصر على إرسال
اربع مينات2 (Minas)من اللازورد3،
وخمس مجموعات من الخيول كهديةٍ رمزية،
وحين تتحسن ظروف المناخ،
سيرسل له المزيد من الهدايا،
واذا ما احتاج إلى اشياءَ اخرى،
فما عليه الا ان يدرجها في رسالة،
وسوف يلبى طلبه من مخازنهم المناسبة.
يختم الرسالة بأنه مشغول بمهمة خاصة،
ولذا يطاب منه ارسال كميةٍ كبيرةٍ من الذهب،
ليستخدمَها لإنحاز تلك المهمة.
ثم يوصيه ان يطَّلع على الذهب بنفسه،
ويختمه بختمه دون الاعتماد على
مسؤولٍ اخر، وان كان ذا ثقة،
لان الذهب الذي استلمه سابقًا،
كان مغشوشًا - وان كان مختومًا
ولكن بختم غير ختم الملك،
وانما ختم المسؤول الذي اوكلت اليه المهمة.
اذ انهم لم يحصلوا على أي شيءٍ من
الاريعين رطلًا المرسلة سابقا
حينما وضعوها في الفرن،
ذكر له أيضا ان رسوله سالمو (Salmu)
كان قد تعرض الى سرقتين:
الاولى من قبل بيريامازا (Biriyamaza)
من دمشق،
والاخرى من قبل پاماخو Pamaḫu (….)
الحاكم على احدى مناطق سيطرة الملك.
وعليه فانه يسأل الملك
ان يتولى هذه القضية بنفسه،
على ان يحضر رسوله الحالي معيَّةَ سالمو
ليرفعا تقريرهما إليه لكي يبتَّ في الأمر،
ويعوضه عما تكبد من خسائر.
1. امنحوتپ الرابع أو أمينوفيس الرابع باللغة اليونانية، هو ابن امنحوتپ الثالث الفرعون المصري المنحدر من الأسرة الثامنة عشر. دامت فترة حكمه ما يقارب 17 عامًا. كان قد غيراسمه بنفسه إلى "اخناتون حين تبنى الدين التوحيدي الجديد. تزوج من نفرتيتي وجعلها ملكته و"سيدة سعادته".
2. المينا (Mina) هي وحدات قديمة للوزن تعدل 23 آونسًا من الفضة، استخدمت اول ما استخدمت من قبل البابليين ثم استعملها آخرون بعد ذلك.
3. اللازورد من الاحجار النادرة تصنع منها المجوهرات ويكون لونها ازرق داكن مصدرها الرئيسي شمال شرق افغانستان وروسيا وتشيلي.
2165 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع