موائد الكرام ومائدة اللئام في السياسة والعمل والأدب

فارس حامد عبد الكريم

موائد الكرام ومائدة اللئام في السياسة والعمل والأدب

يروى أن فتاة هندية كانت تتعهد ثعباناً صغيراً بالرعاية والاهتمام في منزلها حتى كبر. وكان يأكل يومياً مما تطعمه، ويلتف حولها طلباً للدفء ومداعبتها وهو ما زاد من حبها له. ثم توقف الثعبان فجأة عن تناول الأكل، الأمر الذي أثار قلق الفتاة فأخذته إلى الطبيب وشرحت له حالته.
فقال لها الطبيب: إن هذا الثعبان الذي بلغ طوله أربعة أمتار، وينام يومياً إلى جانبك ليس مريضاً بل في الواقع يتعمد تجويع نفسه، ويلتف حولك لقياس حجمك وطولك.. استعداداً لالتهامك! هنا صعقت الفتاة وهذا ما حصل فعلاً في قصة يُروى أنها حقيقة.
* في المعاني
1- الكرم هو: نَبُل وعزّ.
وأَصْلُه: الجُودُ وكَثْرَةُ الخَيْرِ، يُقال: كَرُمَ الرَّجُلُ: إذا جادَ وأَعْطَى دون انْتِظارِ مُقابِلٍ، والكَرِيمُ: كَثِيرُ الخَيْرِ حَمِيدُ الصِّفاتِ، وضِدُّ الكَرَمِ: البُخْلُ واللُّؤْمُ. ومِن مَعانِيه أيضاً: العَظَمَةُ، والنُّبْلُ، والفَضْلُ، والصَّفْحُ، والحُسْنُ، والسُّهُولَةُ، والسِّيادَةُ والشَجاعَةٌ.
والكرام هم الأجواد النبلاء الأسخياء بلطفهم المجسدين لمكارم الأخلاق الباذلين اموالهم لمن يحتاجها او يستحقها.
ويَنْقَسِمُ الكَرَمُ إلى قِسْمَيْنِ:
أ- كَرَمُ الخالِقِ: وهو كَرَمٌ كامِلٌ يَلِيقُ بِعَظَمَةِ اللهِ وجَلالِهِ، وهو مِن صِفاتِ اللهِ تعالى الثَّابِتَةِ في الكِتابِ والسُّنَّةِ، ومِن أَسْمائِهِ تَعَالَى: الكَرِيمُ والأَكْرَمُ، وقد وَصَفَ اللهُ أيضاً القُرْآنَ بِالكَرَمِ؛ لِكَرامَةِ قائِلِهِ تعالى، ولأنَّهُ كِتابٌ مِعْطاءٌ كَثِيرُ الخَيْرِ والبَرَكَةِ يُعْطِي الثَّوابَ لِقارِئِهِ والعِلْمَ والأَدَبَ.
ب - كَرَمُ المَخْلُوقِ: وهو كَرَمٌ يَلِيقُ بِالمَخْلوقِ على قدر همته وقدراته وفيه وهو كرم الخُلق وكرم الأصل وكرم الجود قال تَعَالَى: وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ (لبقرة:272).
وقال تَعَالَى: وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (البقرة:273).
قال رسول الله صلى الله عليه وآله: "...لا يجتمع الشح والإيمان في قلب عبد أبدًا"
وقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ: «خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي»
وعن الإمام علي (عليه السلام) انه قال: (إنما الكرم التنزه عن المعاصي). - وعنه (عليه السلام): (الكرم حسن السجية واجتناب الدنية).
قال الإمام جعفر بن مُحَمَّد الصَّادق (عليه السَّلَام): (إذا طلبت الجود فعليك بمعادنه، فإن للجود معادن، وللمعادن أصولًا، وللأصول فروعًا، وللفروع ثمرًا، ولا يطيب ثمر إِلَّا بفرعٍ، ولا فرع إِلَّا بأصلٍ، ولا أصل إِلَّا بمعدنٍ طيّب).
ومن الامثال الدارجة: من جاور الكرام أمن الأعداء وقيل (الكرم شجاعة والبخل جُبن)
وضد الكرام هم اللئام..

2- اللُّؤمِ: هو الخِسَّةِ والدَّناءةِ
اللَّئيمُ هو: الشَّحيحُ والدَّنيءُ النَّفسِ والمَهينُ، واللُّؤمُ ضِدُّ الكَرَمِ .
وقال أكثَمُ بنُ صَيفيٍّ: (اللُّؤمُ: سُوءُ الفِطنةِ وسُوءُ التَّغافُلِ) .
وقال القاضي المهديُّ: (اللَّئيمُ: الدَّنيءُ الأصلِ، والشَّحيحُ النَّفسِ) .
وقال أبو عَليٍّ المَرزوقيُّ: (اللُّؤمُ: اسمٌ لخِصالٍ تجتَمِعُ، وهي البُخلُ واختيارُ ما تتَّقيه المُروءةُ، والصَّبرُ على الدَّنيَّةِ، ودَناءةُ النَّفسِ والآباءِ)
قال رسول الله صلى الله عليه وآله
"المؤمن غرّ كريم، والفاجر خبّ لئيم".
قيل ؛ لا تحدث جبان عن شجاعة ، ولا بخيل عن الكرم ، فالكرم شجاعة المؤمنين والبخل عجز الجبناء,
* الكرم واللؤم في مجال العمل والسياسة:
والكريم اذا دخل مجال العلم فإنه يبحث في انقاذ البشرية من العلل والامراض وتسهيل امور حياتهم وكل ما هو مفيد للبشرية
اما اللئيم اذا دخل مجال العلم فلاشك انه يبحث في كل مايدمر البشرية من اسلحة فتاكة مدمرة
والسياسي والقائد الكريم هو الذي يصلح ان يتطبق عليه وصف زعيم الأمة
والسياسي والقائد اللئيم هو الذي يقدم مصلحته الشخصية والعائلية على مصالح الشعب ويقوده لؤمه الى الفساد واستباحة الثروات العامة ومنح الوظائف والامتيازات الى اهله واقربائه دون ان يلتفت الى حقوق ابناء الشعب وينطبق عليهم المثل الشهير "كالأيتام على موائد اللئام"
والمدير اللئيم وكذلك الزميل اللئيم في العمل هما من اكثر الناس إحباطاً لمن يعمل بإدارتهم او معهم، بحاربون الكفء ويقللون من شأنه بل قد يستبعدونه بشتى الوسائل اللئيمة كالنميمة والتقويل.
اما المدير الكريم فهو الذي يخلق بيئة ممتازة للبذل والعطاء والإبتكار
وأسوأ أنواع اللؤماء هو القريب المستأمن الحاسد، والجار السيئ، والصديق المزيّف، لعلمهم بكيفية الإضرار بضحاياهم. ومن صفات الانسان اللئيمانحطاط قدره عند الناس العقلاء، مع أنه يسعى بشكل جنوني للظهور بشكل مختلف عمّا هو عليه في حقيقته السيّئة، وستراه يهين ويستعبد الضعفاء، ويسعى الى الاستبداد على الأحرار.
إذا احتاج اللئيم تواضع وتقرب، وإذا استغنى تجبر وتكبر. استوحش من الكريم الجائع، ومن اللئيم الشبعان، فإن الكريم يصول إذا جاع، واللئيم يصول إن شبع. يرى الجبناء أن العجز عقل، وتلك خديعة الطبع اللئيم، وكل شجاعة في المرء تغني، ولا مثل الشجاعة في الحكيم.
وفي رواية المقامر ل دوستويفسكي وصف اللئيم بتعبير الوقح بقوله
(الوقح كالذي تدعوه إلى مائدتك ، فما يلبث أن يضع فوقها قدميه) .
اما بعد تقول العرب:
(أَمَرُّ الأشياء حاجةُ الكريم إلى اللئيم).
فالكريم قد يضطر لمراجعة لئيم يتولى مهنة او وظيفة لانجاز معاملة او يكون موظفاً او طالباً عنده، كأنما هو يردد مع الشاعر:
ولكنَّ البلاد إذا اقشعَّرَتْ
وصوَّح نبتُها رُعي الهشيمُ
* الكرم والبخل في الآدب والشعر العربي
اللؤماء هم أهل الدناءة والغدر.. ومصدر الخسَّة والنذالة.. وهم البخلاء بأموالهم وبالكلام الطيب إلا إذا كان نفاقاً وتزلفاً كذوباً لحاجة ما
والكرام يملكهم المعروف ويثمر عندهم أضعافاً مضاعفة.. أما اللئام فيضيع عندهم المعروف كالأرض السبخة لا نبتاً أخرجت ولا ماءً حفظت:
يقول الشاعر ابو الفتح البستي
إذا ما اصْطَنَعْتَ امرَأ فلْيَكُنْ
كريمَ النّجار شريفَ النَّسَبْ
فَنَذل الرِّجالِ كَنذلِ النَّباتِ
فلاَ للثِّمارِ ولا للِحَطَبْ
واللؤم صفة عجيبة فإكرام اللئيم
قد يزيده لؤماً وغدراً، وعذا معناه المتنبي في بيته المشهور:
إذا أنت أكرمتَ الكريمَ ملكته
وإن أنت أكرمت اللئيم تمرَّدا
وكريم النفس لاينزل بنفسه الى مخالطة الانذال واللئام وفي ذاك قال حاتم الطائي
ونفسَكَ أكرمْها فإنك أن تَهُنْ
عليك فلن تلقى لها الدَّهْرَ مُكْرماً
وجرت أخلاق كرماء العرب على الترفع عن مجاراة اللؤماء في السب والذم،
ومن ذلك قول المؤمل بن أميل الْمحَاربي
وكم من لئيم وَدّ أنِّى شتمته
وإن كان فيه الشتمُ صابُ وعلْقَمُ
وللكَفُّ عن شَتْم اللئيم تكرُّماً
أضرُّ لهُ من شتمه حين يُشْتَمُ
ويشبه شاعر الأجواد بالمورد العذب يروي الظمآن ويبرد الكبد، أما اللئام فكالبهائم ترعى.
وإذا كان قد شبه اللئيم بالضأن، فإن الغربيين يشبهون البخيل بالخنزير، والبخل هو اللؤم بشحمه ولحمه.
ورغم أن النصارى لا يأنفون من الخنزير، إلا أن وجه الشبه بين البخيل والخنزير صحيح على مجرى عاداتهم، فهم لا يستفيدون من الخنزير أبداً وهو حي، لأن الخنزير لا يُحلب ولا يبيض ولا يُجٌزَ صوفه، فإذا ذبحوه استفادوا من لحمه وشحمه الذي اكتنزه، والبخيل فائدته لورثته بعد موته!
قال الشاعر ابو العيناء
إذا رضيتْ عني كرامُ عشيرتي، فلا زال غضباناً عليَّ لئامُها.
وقال الشاعر
إنْ يغدروا أو يفجروا
أو يكذبوا لا يحفلوا
يغدو عليك مُرَجَّلَينَ
كأنهم لم يفعلوا..!
فرغم كل المخازي التي عملوها في صاحبهم يقابلونه غداً وقد صففوا شعورهم ينتظرون الشكر وحسن الاستقبال!!
ويقول الشاعر الشعبي محمد المهادي في الكرام واللئام، وشعره رائع:
الأجواد وإن قاربتَهم ما تملّهمْ
والأنذال وإن قاربتها عفْتَ ما بها
والأجواد وإن قالوا حديث وفوا به
والأنذال منطوق الحكايا كْذَابْها
الى قوله
والأجواد مثل البدر في ليلة الدجى
والأنذال غَدْراً تايه من سرى بها
ويشبه الشاعر محمد السياري الكرام بالصقور الحرة، والأنذال بالغربان، غربان الشؤم التي لا تقع إلا على الجيف:
اوصيك يا اللي تطلب المجد والثنا
ترى الخطا في المرجله صوابْ
وترى كل طير صيدته على قدر همته
الحر حرّ والغراب غراب
والنذل دائماً ساقط الهمة!
واللئام محجوزين عن المكارم لأن فيها مشقة بالغة عليهم وصعوداً وهم لم يعتادوا غير الانحدار:
لولا المشقةُ ساد الناد كُلُّهم
الجود يُفْقرُ والأقدامُ قَتَّالُ
ومن صفات الكرام الوفاء وتذكُّر الصاحب القديم ولو انقطع، ووصله إذا كان محتاجاً:
إن الكرام إذا ما أخصبوا ذكروا
من كان يعتادهم في المنزل الخشن
أما اللئيم فلا يكاد يثري حتى تفوح منه روائح اللؤم أكثر حتى تؤذي النفوس والأنوف.
يقول الشاعر عن لئيم أثري:
فإن تكُن الدنيا أنالتْكَ ثروة
فأصبحت ذا يُسْر وقد كنتَ ذا عُسْر
لقد كشف الإثراءُ منك مخازياً
من اللؤم كانت تحت ثوب من الفقر!
بل إن اللئيم إذا اغتنى بعد فقر تنكر لأصدقاء الماضي وطلق زوجته التي صبرت على فقره ولؤمه.. وهي الرابحة!
إذا استغنى الوضيعُ ونال جاهاً
وانكر نخوة في الناس نَفْسَهْ
حَبَا خُلَصانَ إخوته جَفَاءً
وغيَّر بابَهَ وأبان عرْسَهْ
ولو حاول اللئيم أن يهم بعمل معروف، فإن نفسه لا تطاوعه:
يعالج نفساً بينَ جنبيه كزَّةً
إذا هَمَّ بالمعروف قالت له مهلا!!
وقد لخص حماد عجرد الفرق بين الكرام واللئام في بيتين فقط هما:
إنَّ الكريم ليُخٌفي عنك عسرتَهُ
حتى تراهُ غنيّاً وهو مجهودُ
وللبخيل على أمواله علَلُ
زُرْقُ العيون عليها أوجهٌ سودُ!!

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1211 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع