د.سعد ناجي جواد
من اين إستمدَّ الرئيس الأمريكي الحق في تهجير شعب كامل خارج بلده؟ وهل ستقف القمة العربية القادمة الموقف الذي يتمناه كل عربي ومسلم؟ وما هي القصة التراثية التي تنطبق على ما يجري؟
منذ نهاية الحرب العالمية الثانية اطلت علينا الولايات المتحدة كقوة عظمى استغلت دورها المحوري في هزيمة محاولات هتلر للسيطرة على العالم، وبدات تنظر لنفسها بان لولاها لكان العالم كله تحت حكم النازية، وعلى الرغم من هذا الشعور غير الصحيح تماما، لأن القوات السوفيتية كانت هي اول من افشل التوسع النازي ولاحق فلوله إلى ان وصل إلى برلين، لكن الانتصار في معارك استعادة فرنسا وإجبار اليابان على الاستسلام والتوسع في جنوب شرق اسيا كلها انتصارات فتحت شهية واشنطن للتوسع والحلول محل القوى الاستعمارية التقليدية، بريطانيا وفرنسا. وليس هذا فقط وانما بدات الولايات المتحدة تطرح نفسها على انها النموذج الديمقراطي الاول والاهم الذي يضع حقوق الانسان على راس أولوياته، وانها هي لوحدها لها الحق في ان تقرر من هي الدولة الملتزمة بهذه المعايير او غير الملتزمة، مع الحق في اتخاذ الإجراءات ضد اي دولة لا تتوافق مع معاييرها (القاضي والجلاد في نفس الوقت). وشهدت الاجيال منذ ذلك الوقت احداث او حروب كثيرة، لعل اخرها حربي احتلال العراق وافغانستان، وتم تبريرهما بررا النظام في الدولتين دكتاتوري ولا يحترمان حقوق الانسان، ويقومون بترحيل اجزاء من الشعب بدعوى انهم ليسوا من ابناء البلد بل أتوا اليه مهاجرين، او لان هذا النظام او ذاك يُثير المشاكل مع دول الجوار بدون مبرر او يحاول التوسع على حساب دول جارة صغيرة. وكانت اجهزة الاعلام في الولايات المتحدة والغرب تقيم الدنيا ولا تقعدها عندما يتم قتل معارض واحد في بلد لا يسير وفق النهج الأمريكي- الغربي.
اليوم ومنذ تولي السيد ترامب منصبه اتخذ قرارات لو كانت اي دولة من دول العالم الثالث قد اتخذتها لجُهِزَتْ الجيوش وارسلت الإنذارات لها بان ترتدع وإلا. وللتوضيح اكثر اسال واقول ما الفرق بين ما قام به نظام البعث من ترحيل العوائل التي اعتبرت من أصول ايرانية بصورة غير إنسانية وبين ترحيل مئات الالوف من المكسيكيين والكولومبيين الذين أرادوا ان يعيشوا بأمان في (قلعة الحرية واحترام حقوق الانسان) والتي يتكون جل شعبها من المهاجرين؟ وما الفرق بين ضم الكويت عنوة وبين المطالبة بقناة بنما والقول انه سيتم استردادها بالقوة؟ والتهديد بضم غرينلاند او بعض او كل اراضي كندا والادعاء بانها اراضي أمريكية او مهمة لاميركا؟ وما الفرق بين الإجراء الذي كانت بعض الدول في العالم الثالث تتخذه والمتمثل بمطالبة عائلة المعارض الذي يتم إعدامه بثمن الاطلاقات النارية التي قُتِلَ بها، وبين مطالبة السيد ترامب العراقيين بدفع تكلفة اجتياح بلدهم وتدميره والتسبب بموت الملايين من أبناءه، وبحرب لم تجيزها الامم المتحدة ولم تاتِ بناءاً على طلب من العراقيين، او مطالبة أوكرانيا بتسديد ما قدمته الولايات المتحدة من مساعدات كبيرة لها كي تستمر في حرب مع روسيا هي من حرضتها عليها، والتي لم يكن لشعب أوكرانيا فيها لا ناقة ولا جمل؟ او ان يحدد السيد ترامب ان الدفع يجب ان يكون مواد أولية أوكرانية تقدر أثمانها بمليارات الدولارات. واخيراً ما الفرق بين الحروب التي تشنها انظمة على دول الجوار بهدف ضمها وبين اقتراح ترحيل اكثر من مليوني فلسطيني من ارضهم في غزة لصالح الاحتلال الاسرائيلي، او السماح لذلك الاحتلال بضم الضفة الغربية، وبالضد من كل القرارات الدولية التي اعتبرت الاحتلال غير مشروع؟
نعم منذ ان تربع الاستعمار الغربي وبعده الأمريكي على قمة النظام الدولي والعالم الثالث يعاني من مشكلة الكيل بمكيالين. واليوم تتجسد هذه المشكلة بصورة أوضح في فلسطين المحتلة.
رد ابناء غزة على مقترح اخراجهم من ارضهم كان واضحا ولا لبس فيه. والرد العربي الشفهي على مقترح الرئيس ترامب غير العقلاني بترحيل أبناء غزة قسرا كان واضحا ورافضا ايضا لحد الان. وينتظر كل الشعب العربي وشعوب العالم المحبة للحرية ما سيتمخض عنه مؤتمر القمة العربي القادم، والذي إذا اراد ان يعيد الكرامة للعرب، أنظمة وشعوبا، فانه مطالب ان يعلن هذا الرفض بشكل لا لبس فيه، وان يقول ان التهجير القسري من غزة بأية صورة من الصور هو اعلى مراحل الابادة الجماعية المحرمة دوليا، وانه آن الأوان لإقامة دولة فلسطينية، وان العرب والفلسطينيين بالذات هم كفيلون ببناء ما دمره العدوان الاسرائيلي الوحشي، وان الاموال العربية اكثر من كافية لفعل ذلك، وان الدول العربية التي يجري ابتزازها بقطع المساعدات الأمريكية عنها ستتسلم مساعدات عربية مشابهة. هذا هو اقل ما يجب ان يصدر عن القمة القادمة. عدا هكذا موقف فانه لن تقوم لامة العرب اية قائمة لعقود طويلة قادمة.
على الجانب الاخر فلقد اكد السيد ترامب في كل خطاباته، قبل وبعد فوزه في الانتخابات، انه (يسعى لكي يجعل اميركا عظيمة مرة اخرى)، وهذا شيء من حقه، ولكن الأساليب التي يتبعها لا تنم عن نهج سليم وصحيح لتحقيق هذا الهدف. ان من يريد ان يبني دولة عظيمة عليه ان يبنيها على اسس احترام القانون الدولي واحترام حقوق الانسان واحترام سيادة الدول واحترام رغبات الشعوب المشروعة وخاصة الصغيرة، وليس بطريقة إظهار العضلات على الدول الضعيفة وابتزازها والتنمر عليها وتهديدها بالتدمير او بالعقوبات . وان من يريد ان يبني دولة عظيمة عليه ان يجعل منها نموذجا يُقتَدى به في مساعدة الشعوب المغلوبة على امرها لكي تقف على قدميها وترتفع إلى مستوى الدول المتحضرة، وليس دولا مفلسة وغير قادرة على تقديم الخدمات لشعوبها ولا تستطيع ان تستثمر مواردها الطبيعية بنفسها. واخير وليس اخراً فان قوة الدولة العظيمة يجب ان تُسَخَر لمساعدة الدول الصغيرة والشعوب المستضعفة وغير القادرة على الدفاع عن نفسها، وليس استغلال ضعفها واحتلالها او تهجير اهلها قسرا.
لقد أظهرت الحوادث في الأسابيع القليلة الماضية ان سياسة السيد ترامب مبنية على إطلاق بالونات الاختبار، وانه معروف بالتراجع عندما يجد من يقف أمامه صلبا ورافضاً، والان جاء الدور على قادة الامة العربية ليثبتوا ذلك، فهل سيفعلون؟ هذا ما يتمناه الشعب العربي في كل مكان ومعه الشعوب الإسلامية.
هناك قصة تراثية قديمة نتداولها في العراق كثيرا، قد تنطبق على مايجري في العالم اليوم؟ تقول القصة ان رجلا يئس من تصرفات ابنه المنفلتة فاضطر إلى طرده قائلا له انك لن تصبح آدميا أبدا، هذه الكلمة اثرت في الابن كثيرا فذهب وعمل كل ما في وسعه وبأساليب مختلفة لكي يثبت لوالده العكس، واصبح بعد سنين واليا للمدينة التي ولد فيها، وأول خطوة قام بها هي ان بعث حراسه لكي يجلبوا له والده مخفورا. ولما وصل الاب وهو في تلك الحالة بادره الابن بالقول مارايك اليوم، قلت لي انك فاشل وانا اليوم الوالي وحياتك بيدي، فرد عليه ألاب، يا بني أنا قلت لك انك لن تصبح آدميا ولم اقل لك انك لن تصبح واليا، والفرق بين الصفتين كبير جدا.
1105 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع