"أزمة حرية التعبير في أوروبا: بين الانتقادات الأمريكية والواقع الأوروبي"

د.أنور أبوبكر كريم الجاف

"أزمة حرية التعبير في أوروبا: بين الانتقادات الأمريكية والواقع الأوروبي"

في مؤتمر ميونخ للأمن لعام 2025 وجّه نائب الرئيس الأمريكي جاي دي فانس (J.D. Vance) انتقادات حادة للحكومات الأوروبية متهمًا إياها بتقويض حرية التعبير تحت ذرائع مختلفة.
وأثار فانس الجدل عندما أشار إلى أن “التهديد الحقيقي للديمقراطية الغربية ليس في موسكو أو بكين، بل في بروكسل وبرلين” مستشهدًا بإلغاء الانتخابات الرئاسية في رومانيا كدليل على هذا التراجع.
ولم يكن التصريح ليمر دون ردود فعل أوروبية غاضبة، إذ اعتبر وزير الدفاع الألماني بوريس بيستوريوس (Boris Pistorius) أن كلام فانس “غير مقبول ومضلل” في حين أكدت رئيسة وزراء إستونيا والمسؤولة عن السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي كايا كالاس (Kaja Kallas) أن حديث نائب الرئيس الأمريكي “محاولة لخلق صراع مصطنع بين أوروبا والولايات المتحدة”.

من جهته، لم يتأخر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب (Donald Trump) في تأييد تصريحات نائبه، حيث صرح خلال مقابلة صحفية قائلاً:
“لقد استمعت إلى الخطاب الذي تحدث فيه عن حرية التعبير، وأعتقد أنه صحيح… في أوروبا، يفقدون حقهم الرائع في حرية التعبير. أرى ذلك”.

هذا التصريح على الرغم من بساطته يعكس موقفًا أوسع من قبل إدارة ترامب تجاه السياسات الأوروبية، حيث ترى الولايات المتحدة أن القيود المتزايدة على الإعلام التشريعات الخاصة بمكافحة المعلومات المضللة والتضييق على الأصوات المعارضة جميعها تدل على تراجع قيم الديمقراطية في القارة العجوز .

بين الرؤية الأمريكية والواقع الأوروبي
فمن وجهة نظر أمريكية يبدو أن حرية التعبير في أوروبا باتت ضحية لرؤية بيروقراطية تحاول ضبط المجال العام بصرامة حيث تضعف الحريات باسم مكافحة الكراهية والمعلومات المضللة لكن من وجهة نظر الحكومات الأوروبية فإن هذه القوانين ضرورية لحماية الاستقرار الاجتماعي ومنع خطاب التطرف الذي تفشى عبر منصات التواصل الاجتماعي.
ولكن في سياق أوسع يمكن القول إن هذه الأزمة تعكس جوهر التناقض بين الليبرالية الأوروبية والرأسمالية المتوحشة آكلة لحوم البشر (Cannibal Capitalism) حيث تسعى الأنظمة الرأسمالية إلى الهيمنة على فضاء الحريات، فتتلاعب بالشعارات الحقوقية لخدمة مصالحها الخاصة، فالقيود المفروضة على الإعلام ليست مجرد تدابير تنظيمية، بل هي انعكاس لصراع بين قوى سياسية واقتصادية تحاول ضبط الخطاب العام وفق مصالحها.

هل نحن أمام تحولات جذرية؟
فإذا كانت أوروبا تتجه بالفعل نحو نموذج أكثر صرامة في إدارة الحريات فإن ذلك يثير تساؤلات جوهرية حول مستقبل الديمقراطية فيها. هل هذه القوانين تُستخدم لحماية المجتمع أم للسيطرة عليه؟ وهل يمكن فصل “تنظيم الخطاب” عن قمع الحريات؟

والجدل الدائر اليوم بين واشنطن والعواصم الأوروبية ليس مجرد خلاف دبلوماسي، بل هو اختبار حقيقي لمفهوم حرية التعبير في القرن الحادي والعشرين. فإذا كانت الديمقراطية الغربية تفقد أحد أعمدتها الأساسية، فهل سنشهد عصرًا جديدًا تتحول فيه الحريات إلى امتيازات تخضع لمعايير القوى السياسية والاقتصادية؟ أم أن هذه الضغوط مجرد مرحلة انتقالية تعيد تشكيل مفهوم حرية التعبير في العالم الحديث؟

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1128 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع