مؤتمرات بلا أثر … والواقع عاري حين تصبح المؤتمرات أفيونًا للعقول والواقع عاقر

سعد احمد الكبيسي

مؤتمرات بلا أثر … والواقع عاري حين تصبح المؤتمرات أفيونًا للعقول والواقع عاقر

في كل فترة، تطلّ علينا سحابة جديدة من الندوات، تمطر مهرجانات، وترعد مؤتمرات، فتمتلئ القاعات بالتصفيق، وتضج المنصات بالكلمات، حتى تكاد الحقيقة تضيع وسط صخب الشعارات، يتبارى الجميع في سبك العبارات، وتهتز المحافل تحت وطأة الخطب الرنانة، لكن ما أن تنفضّ الجموع، ويخفت الضجيج، حتى يتبدد كل شيء كأنه لم يكن، كأن الكلمات كانت فقاعات، تُبهر لحظة اصطدامها بالنور ثم تتلاشى بلا أثر.
أيُّ بلادٍ هذه التي تعشق الضجيج ولا تكترث للصدى؟ كم من بيانٍ ختاميٍّ حُبّر بأحبارٍ فاخرة، وكم من توصياتٍ كُتبت بحروفٍ من سراب؟ يخرج الناس من القاعات منتشين بنشوة الخطاب، لكنهم حين ينظرون إلى واقعهم، لا يجدون إلا جدرانًا عتيقة لم تبرح مكانها، وشقوقًا في الأرض لا يملؤها الكلام.
إنها مأساة التظاهر بالفعل دون فعل، مأساةُ الفكر حين يُسجن في قاعات مغلقة، تُزينها لافتات براقة، لكنها لا تعرف طريقها إلى الشارع، ولا تصافح يد الفعل، ما نفع مهرجانٍ عن الإبداع، إن لم تُفتح للموهوبين أبواب؟ ما جدوى مؤتمرٍ عن التنمية، إن بقي العاطلون في الطوابير؟ ما معنى ندوةٍ عن الحرية، إن ظلّت العقول مكبلة؟
جولة مسائية على القنوات الفضائية تبين لك حجم التدني الذي وصلنا له !
إن الأمة التي تكتفي بالحديث عن النهضة دون أن تصنعها، تشبه من يشيد قصرًا في الهواء، ويُبهر الناس برسومه، لكنه لا يضع فيه لبنة واحدة، علينا أن ندرك أن الفكر لا يُقاس بعدد المؤتمرات، ولا النهضة بعدد الندوات، بل بمقدار ما يتركه ذلك كله من أثرٍ في الناس، وفي الأرض، وفي الحياة والواقع.
فإما أن نُخرج الأفكار من أسر الورق إلى ميدان الفعل، أو فلنصمت، فقد سئم الواقع من زحام الكلام، المليارات التي تصرف على المؤتمرات بحجة أنها تعالج الواقع، لو صرفت
‏على الواقع نفسه.. لغيرته !
وبصراحة
أولاً: انا لستُ على وئامٍ مع التنظير والمنظرين ، لا لأني لا أؤمن بسطوة الكلمة، على العكس تماماً ولا لأني لا أقدر النصح والإبلاغ، على العكس تماماً أيضاً، ولكني إنسانٌ واقعي لا أحب بناء قصورٍ في الهواء !
ثانيا: التنظير سهل ولكن الحياة ليست كذلك ! (واجتياز البحر على الخارطة ليس كاجتيازه في مركب)! والمنظرون في المؤتمرات والندوات يريدونا أن نعبر البحر وكأنّنا من الحواريين بإمكاننا أن نمشي على الماء! في حين أننا في الواقع البحر أمامنا، وفرعون وراءنا، ولا موسى ليشقّ البحر بعصاه لنا ! وسلامتكم

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1063 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع