رنا خالد
ثلاثة ايام بصراوية
لا يمكن للمرء ان يختزل مشاهدات ثلاثة ايام قضاها في البصرة ، الفيحاء ، ان يتحدث عن هذه المدينة القديمة المشهورة، التي شيدها عتبة بن غزوان في عهد الخليفة عمر بن الخطاب سنة 14 ، وقيل 15هـ عند ملتقى نهري دجلة والفرات ، ويعرف ملتقاهما بشط العرب ، لكن الحس الصحفي ، جعلني اشير الى بعض مشاهداتي لهذه المدينة العريقة ، متمنية في قرارة نفسي ان تطول زيارتي اياما اخرى واخرى ، فهي مدينة تسكن مخيلتي .. وان شاء الله تتحقق ، بتكرار الزيارة .
تمتعت عيناي برؤية منطقة شط العرب .. انها واجهة وواحة سياحية واقتصادية تتميز بها محافظة البصرة، وتقع على الضفة الشرقية من شط العرب ما منحها ميزة سياحية واقتصادية ، يمكن أن تتحول فيها الى معلم حضاري وثقافي واقتصادي كبير في المحافظة إذا ما فُعِّل بالشكل الأمثل ، وهي تحتضن معالم سياحية وأثرية وثقافية بدءاً من تمثال الشاعر الكبير بدر شاكر السياب ، ابن قرية جيكور البصرية ، والشاخص باعتداد في كورنيش شط العرب، هذا الشاعر الغريد الذي نسج كلماته الرائعة وساقها من ”نهر بويب“ وزينها من تلك السعفات المتمايلة عليه .. إضافة الى السفن والبواخر التي ترسو على ضفافها .
والبصرة ، هي من أكثر محافظات العراقية ، غنى ، كونها تطفو على بحيرة من النفط ، وتمتاز بالقطاعات الاستثمارية المتمثلة بالطاقة والصناعات التحويلية والزراعة والإنتاج الحيواني والثروة البحرية، بالإضافة إلى السياحة وقطاع النقل والتخزين .. وقد شاهدتُ وانا اجول النظر في ارجاء المدينة مئات من المشاعل التي تنطلق من ارض المدينة تعبيرا عن احتضانها لخزين الخير من النفط .. ومعروف ان البصرة ، تعتبر ايضا مدينة تجارية مبهرة، وهي حلم للعديد من السياح حيث يتم تقديم مجموعة من الرحلات السياحية للاستمتاع بتراثها البصري ، وقد شاهدت تدفقا للسائحين لتجربة تقاليد وثقافة اهل البصرة ، والاستمتاع بالمياه الزرقاء لشط العرب .. ولاحظت انبهارهم بشناشيل البيوت البصرية ، التي امتازت بهندسة عالية الجمال والدقة في عمل اخشابها .
ولا تعتبر زيارة البصرة ، كاملة دون ان نزور سوق العشار الشعبي في وسط البصرة فهو ، من الأسواق الأشهر في المحافظة، ومعلم من معالمها ، ويُعدّ قبلة المتسوقين من العراقيين والسياح ، وتلذذت كثيرا بسماعي اللهجة البصراوية التي تنطلق بعذوبة من افواه الباعة في هذا السوق ، وقمنا بالتسوق من بعض المنتجات البصرية .
و تكحلت زيارتنا بمدينة " ابو الخصيب " الرائعة ، التي ترتبط ، بمركز محافظة البصرة ، بطريق سياحي جميل تحف به بساتين النخيل الكثيفة، وتقطعه الأنهار التي تسقي مساحات واسعة من الأراضي الزراعية الممتدة على جانبي الطريق، إذ تتزود هذه الأنهار بالمياه من شط العرب وتمتد حتى طريق البصرة – الفاو.
ولدخولنا الى ملعب "جذع النخلة" حكاية .. فهو كما معروف ملعب البصرة الدولي لكرة القدم يقع في مدينة البصرة الرياضية. وهو أكبر ملعب في العراق حيث يتسع لـ 65,000 متفرج ، وقد استوحى تصميم الملعب من جذع شجرة النخلة التي تشتهر مدينة البصرة العراقية بزراعتها.. كان فرحنا كبيرا ونحن نجول النظر في ارجاء هذا الملعب .. انه مفخرة عراقية .
ولفت نظري ، اثناء زيارتنا القصيرة التي ضمتني وابني " طارق" وابيه العزيز زياد القيسي ، مبنى ضخم يحمل اسم " جامعة المعقل " ففرحت كثيرا ، فوجود مثل هذه الجامعة الجميلة ، الى جانب جامعات اهلية اخرى ، متناغمة مع جامعة البصرة الحكومية التي تعد من الجامعات الرصينة على الصعيد المحلي والعربي والعالمي ، دلالة على تقدم خدمات التعليم العالي والبحث العلمي في البصرة ، بالتخصصات المتنوعة بأحدث وأرقى الأساليب العلمية الرصينة مواكبة لمسيرة التطور العلمي في أفضل الجامعات العالمية المرموقة من أجل بناء قدرات أبنائنا الطلبة وتمكينهم من المساهمة بفاعلية في صنع مستقبل بلدنا.
وتبقى ايام زيارتنا للبصرة ، عصية على النسيان ، فمن اكل سمكها اللذيذ ، الى طيبة اهلها وكرمهم ، ومرأى جسورها ومشاريعها .. فلكل من استقبلنا بحفاوة ومحبة ، الشكر والامتنان .. وهنا لابد من الاعتراف ، ان شوقي للبصرة ، كان يداعبني منذ الصغر ، فكم كنت اسعد بصغري بسماع اغاني " الهيوه " ونغمات الخشابة البصرية ومواويل فؤاد سالم ، لكني لم اشاهد ما كنت اتمنى لقصر ايام الزيارة ، كما لم اشاهد متحف الاحياء المائية الشهير بالبصرة ، ولم يسعنا الظرف ، مشاهدة محتويات متحف البصرة الحضاري: هو متحف للآثار حيث تم إنشاؤه في بناية أحد القصور الرئاسية التي تعود إلى النظام السابق على شط العرب، ويحتوي المتحف على 440 قطعة أثرية يعود بعضها إلى 300 عام قبل الميلاد..
بكلمة قصيرة اقول : ما احلى ايام البصرة .
1699 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع