قواعد في فقه السياسة

 ضرغام الدباغ / برلين

قواعد في فقه السياسة

هناك مثل عربي رائع، ليس في الاستفادة النظرية منه فحسب، بل ويثبت لك عمق لغتنا العربية، وبعدها الثقافي / الحضاري بل وتتفق ومعطيات العلم والمنطق في الثاعدة الفقهية المعروفة : " كل شيئ فاق عن حده، أنقلب ضده "

في العلم نقول " كل تغير في الكمية ... تؤدي إلى تغير في النوعية ". وهذه قاعدة علمية /قانونية صحيحة، فهمنا العملي الواقعي يقودنا إلى استيعاب قواعد مهمة أخرى. وسنشرحها بطريقة علمية واضحة وملموسة. هناك من الادوية ما نعتبر مفعولها كالسحر في نتائج استخدامه، ولكن بشرط رئيسي هو الاستخدام الدقيق جداً ليؤدي وظيفته بنجاح يؤدي للشفاء وبعكسه سيؤدي للموت الأكيد.

في كثير من الأدوية المهمة التي توصف يكتب منتجوا الدواء، (وهي غالبا شركات كيمياوية عملاقة) طريقة التعامل مع الدواء (استخدامه) فتصف الأمر هكذا: في حالات معينة على المريض أن يتناول نصف حبة يقطعها بدقة بالغة(بالمليغرام)، فأي زيادة في كمية الحبة ستؤدي إلى الوفاة بعطل في وظائف القلب. لاحظ كيف حين تجاوز الامر حده أنقلب ضده .. من دواء منقذ إلى سم قاتل بل أن الدواء هو من أصناف السموم، لقتل البكتريا والفايروسات، بشرط الأستخدام الدقيق جداً وإلا فالنتائح ستكون عكسية... !وبهذا الصدد نشير أن صناعات الدواء تعتمد على أشد سموم الافاعي لأستخلاص الادوية ...! ولكن وفق مقاييس دقيقة للغاية، وإلا تحول الأمر إلى قتل سافر مع سيق الاصرار والترصد ...!

يشخص المفكر لينين هذه المسألة بعبقرية حين يكتب عن "مرض الطفولة اليساري" ، وباختصار شديد، يرمي لينين الى أن المتطرفون يبالغون إلى حد أن تلوح في مواقفهم فحوى يمينية، وحقاً فقد وقف مثل هذا الموقف ماركسيون في حادثتين بهذا الصدد حين اتخذ ثوريون مواقف يمينية : الأولى في مسألة " صلح بريست / 1917 "، والثانية في العصيان المسلح لبحارة كرونشتات / 1921،

في الفقه القانوني يجيز لك المشرع حق الدفاع عن النفس، ولكنك ستضع نفسك في موضع المساءلة والمحاسبة، إذا كان حق الدفاع عن نفسك ينطوي على مبالغة وإسراف في استخدام الحق، لا يقبله القانون، حين تدافع عن نفسك لدرجة أن تقتل بسلاح ناري من وجه مجرد صفعة، لا يعتبر حق الدفاع يصل لحد اطلاق النار على الفاعل وقتله. وهناك في الفقه القانوني نهي صريح عن " التعسف في استخدام الحق " .

في دروس الشريعة الإسلامية/ فقه المعاملات، يجيز لك دفع الأذى ولكن وفق قاعدة " لا ضرر ولا ضرار " وبالقدر الذي ينجيك من الضرر ، وبشرط دون ان توقع الضرر بأكبر مما يستحق. بمعني يحق لك أن تدفع الأذى عن نفسك، ولكن بدرجة كافية لإبعاد الضرر فحسب.

إذا وضعت نفسك في مسارات التعقل واستخدام الحكمة في السياسة والحياة، فسوف تصل لقاعدة "الاقتصاد في استخدام القدرة المادية "، وفي الحديث النبوي " سيروا على سير أهونكم " أستنباط لدروس ومبادئ سياسية عديدة. يبقي مسارات تطور الازمة السياسي بين يديك وتحت السيطرة. أما التطرف، فيقود إلى التصعيد بدون حدود مرسومة بدقة، وهذا سيقود إلى تضخم الأزمة وزيادة مصاعب حلها، لتصبح انت شخصياً خارج حدود قدراتك الذاتية.

هناك مثل رائع في العمل السياسي هو خلاصة حكيمة للتجارب " إذا أشتبه عليك الحكم في أمران، فأنظر اقربهما لهواك وأجتنبه " وهي دعوة واضحة لنبذ استخدام العواطف في الشؤون العامة. في استخدام الاحكام العاطفية أحتمال كبير أن يأخذ الشطط والمبالغة لإلى مواقف ونتائج غير محمودة.

وفي فقه الشريعة الإسلامية القانوني / المعاملات، قاعدة أخرى "دفع الاضرار خير من جلب المنافع " فمع أن الشرائع تدعو لفعل الخير وتحقيقه، إلا أنها تدعو لدفع المضار بالدرجة الأولى، واعتبار أن عدم وجود الأضرار ودوافعه هو الخير بحد ذاته.
من يسير على هدى من هذه المبادئ، سيجد نفسه بعيد عن مواقع الغلو والتطرف، والميل إلى حل المنازعات بالحوار واستخدام العقل لا القوة ........!

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

649 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع