إبراهيم فاضل الناصري
(رؤية عصرية مغمّسة بالتاريخية) حول الانتخابات واتجاهات اهل المدن بين تعدد الولاءات
بدءا وانا اخوض في غمار هذا المضمار، فلن اتوهم في القول او التصريح بان ظاهرة الانتخابات في العراق ضمن هذه الحقبة المعقدة التي نعيشها وادركناها قد باتت تشكل محطة محيرة وقضية محرجة ومسألة مقلقة وشاغلة لأهل المدن والقصبات (اهل الحضر)، نعم فان جمهور او مجتمع أي مدينة عراقية اليوم امسى محكوما او مرهونا بشبكة معقدة من الولاءات والارتباطات، وخياراته انما تقوم عليها ومحكومة بها، اذ صار لابن المدينة العراقي ولاء سياسي (الحزبية ) و ولاء اجتماعي (العنصرية او الاثنية او العرقية) وولاء اخر اقتصادي ( المصالح المادية والشخصية ) وقبل هذا وذاك ولاء روحي (الطائفية او الملية او المذهبية) فالعشيرة او القبيلة او الاسرة (العرقية) لها تأثير على المواطن العراقي والحزب او التيار السياسي له تأثير عليه ورب العمل او الشريك في المصلحة الدنيوية له تأثير عليه والسيد او الملا او الواعظ او القس له تأثير عليه وكل من تلك التي ذكرت تتمارى بحقها وحقيقها على المواطن دونما رحمة وهكذا جرا . لهذا فان المواطن العراقي بات واقع في دوامة صاخبة من الاختيارات وعلى مفترق طرق من المسارات وان لم يحسم امر ولاءاته هذه فانه في وضع مؤسف سيودي بصوته الى الضياع او الخسارة.
والحقيقة ان هذه المسألة هي ليست حديثة النشأة وانما هي متلازمة مع الانسان ومنذ اول تشكيل مدني يقيمه في الارض ولكن كانت لروحية التمدن وحالة التحضر التي يمتلكها وقفتها المنجدة وقولها الفصل بما يحسم مسألة تشابك الولاءات لصالح المدينة وبما يحفظ لكل الولاءات القائمة حقها عليه. وحقيقة ان هذا الحال كان متوقفا على درجة الوعي الجمعي للسكان المدنيين لاي مدينة او حاضرة وعلى إدراك الفرد منهم لمصلحة وجوده المدني المشترك. ولعل من بين الحلول او الابتداعات التي سنت هي ابتكار المنظومة التي تحتوي كل الولاءات بدون اهمال لإحداها وتنظيم نسق مهامها واشكال العلائق بها بما يخدم التمدن والمدنية ويراعى الولاء بمعنى ان الإنسانية اوجدت الهيئات التي تحسم الاشتباك والتداخل فأعطت لكل ولاء مجاله وحسمت الامر بما لا يؤثر على طابعها المتمدن وربما سائل يسأل وكيف كان ذلك فأقول لو عدت الى التاريخ تصفحا لوجدت الجواب وبأمثلة في التجارب التي اقامتها أولى الدول في التاريخ وارقاها وأعظمها
نعم إنك ستجد ان اوروك مثلا كان مجلس مدينتها قد راعى ولاءات زمانه اذ انه كان يتشكل من مجلسين هما مجلس الشيوخ او الحكماء ومجلس المحاربين او الشباب وفي روما ستجد ان هنالك مجلس السيناتوس والذي يتكون من مجلسين هما مجلس النبلاء ومجلس الفلاسفة والعلماء هذا بالنسبة للماضي البعيد اما في الماضي القريب
وانك ستجد مثلا ان النظام الملكي قام بابتكار صيغة البرلمان الثنائي أي ان قاعدة تشكله تتكون من مجلسين الأول يسمى مجلس الشيوخ او الاعيان والثاني يسمى مجلس النواب؛ فالشيوخ سواء كان اسمه مجلس اللوردات كما في بريطانيا او السيناتورات كما في أمريكا او الاعيان كما في العراق الملكي تشكل من شقين هما شق الشيوخ الروحيين (السادة او القسس او الملالي ) وشق الشيوخ الدنيويين النبلاء او زعماء العشائر واعمدة العائلات والمجلس الثاني هو مجلس النواب او البرلمان وكان يتشكل من مرشحي الأحزاب والنقابات والجمعيات والتيارات السياسية. وبذلك كان هنالك في تلك التجارب تنظيم للتداخل وحل للاشتباك وفصل للخنادق كما وتنظيم للطرق.
فهل للمواطن العراقي اليوم وقفة مدركة واعية يحسم فيها حيرته وينظم فيها اختياره وبالشكل الذي يرضي فيها مصلحته الخاصة من دون ان يؤثر على المصلحة العامة، أي مصلحة المدينة التي يعيش فيها. وهل سينتصر الولاء للمدينة على الولاءات الاخر؟ هذا ما ستخبرنا به نتائج الانتخابات المقبلة وعندها سوف نعرف نوعية الثقافة الوطنية التي صار يمتلكها مواطننا العراقي كما وسوف نعرف حالة التمدن والتحضر في العراق واين هو العراقي من الظاهرة المدنية.
755 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع