الأستاذ الدكتور باسل يونس ذنون الخياط
أستاذ مُتمرِّس/ جامعة الموصل
الدكتور عادل البكري: سيرته وأبرز آثاره - الجزء الأول
الدكتور عادل البكري (1930-2018) شخصية موسوعية ومن الشخصيات القليلة التي تجمع بين التخصصات الإنسانية والطبية والفنية، عمل باتجاهات كثيرة وأبدع فيها وترك بصماته الواضحة عليهما، فهو بحق قامة موصلية نفتخر بها ومبدع عراقي نعتز به.
هو عادل بن محمد بن مصطفى بن محمد سعيد البكري، والده هو رجل الأعمال والتجارة محمد البكري، ووالدته هي ابنة محمود ابن محمد سعيد البكري، أي أن والده ووالدته كانوا أولاد عم.
وعادل البكري من عائلة موصلية عريقة يرجع نسبها الى القاسم بن محمد بن الخليفة الراشد أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه. ومن العلماء البكريين الأعلام أبو الفرج بن الجوزي (510هـ/1116م - 597 هـ/1201م) صاحب "تلبيس إبليس" و "زاد المسير في علم التفسير".
أحد أحفاد ابن الجوزي استقر في الموصل، ومن ذريته تكونت عائلة البكري الموصلية. ولهذه العائلة الكريمة بصماتها الواضحة على مدينة الموصل من مختلف النواحي العلمية والثقافية والأدبية والاجتماعية والدينية. كما يوجد بكريين أيضا في سوريا والسعودية ومن النسب نفسه.
للدكتور عادل البكري أربعة أشقاء وأربعة شقيقات، وتسلسله الثاني، أشقائه: حازم البكري (1925 - 2017) وهو طبيب اسنان وكاتب ومؤرخ واستاذ جامعي في جامعة الموصل متخصص بالتاريخ العربي وتحقيق التراث الطبي وكانت توجهاته مقاربة لتوجهات أخيه عادل، غانم البكري وهو مهندس نفط (متوفي)، العميد الطيار المهندس عدنان البكري (متقاعد)، عصام البكري وكان ضابط في الشرطة (متوفي).
أما أخواته الأربع فكان وضعهم مشابه لإخوانهم، حيث تعلّموا وتثقفوا وعمل اثنتين منهن في سلك التعليم، وقد تزوجوا من شخصيات علمية وثقافية وهم: الأستاذ سالم الحافظ/ قاضي قضاة، والأستاذ ياسين العزي/قائد شرطة، والأستاذ هاشم البكري والأستاذ سعد الله البكري. ومن أبناء أخواته أستاذ كلية الطب/جامعة الموصل المتخصص بأمراض الدم الدكتور هاني سالم حافظ.
لقد كان وضع عائلة عادل البكري الأسري متميزا، والده ميسور الحال وكان عندهم في البيت امرأة أرمنية مهاجرة من أرمينيا الى الموصل وقد أسلمت، وكانت تساعد أمهم بالأعمال المنزلية. وقد بقيت العائلة وفيّة لهذه المرأة، فبعد وفاة محمد البكري وزوجته أخذها عنده ابنه عصام وبقيت عنده حتى وفاتها في تسعينيات القرن الماضي.
لقد كان محمد البكري يتمتع بشخصية قوية ومهتم بتربية ومتابع لتعليم أبنائه وبناته ورباهم تربية عصرية، وكان صارما في تربيتهم ومتابعة دراستهم، وقد انعكس ذلك ايجابيا على شخصيات أولاده ومستقبلهم.
ولد عادل البكري في محلة الإمام عون الدين في الموصل سنة 1930، وتلقى علومه الأولية هناك. وفي العام ١٩٤٦؛ وخلال دراسته الثانوية التحق بمدرسة القرآن الكريم في جامع الرابعية لدراسة أحكام التجويد والقراءات السبع على يد شيخ القُراء الشيخ محمد صالح الجوادي (1888-1972).
أنهى عادل البكري الدراسة الثانوية سنة 1949، ثم التحق مباشرة بكلية الطب جامعة دمشق. كما تهيأ له الدراسة في كلية الآداب/قسم الفلسفة بالجامعة نفسها (بحسب نظام جامعي كان موجود قديما وبحيث يُمكّن الطلاب من الدراسة في كليتين بنفس الجامعة في حال رغبتهم)، وقد تخرّج من الكليتين معا في العام 1956.
بعد تخرجه وعودته إلى الموصل التحق عادل البكري بالخدمة العسكرية. ثم تعيّن في الموصل على ملاك وزارة الصحة. وتزوج عام ١٩٦٢ من كريمة السيد غانم شاكر الحاج ياسين القصاب، وهي من العوائل الكريمة والمعروفة بالموصل ورُزق بولده الوحيد (صعب) وابنته الأولى.
استلم الدكتور عادل البكري أول منصب له؛ وهو مدير صحة الموصل عام 1963، ثم نُقل الى الكوت بعد انقلاب 18 تشرين الثاني الذي قاده الرئيس الراحل عبد السلام عارف سنة 1963 وأصبح رئيسا لصحة الكوت سنة 1965، ثم عاد ثانية الى الموصل وتسلم رئاسة صحتها سنة 1968.
سافر الدكتور عادل البكري إلى انكلترا/ جامعة لندن في العام 1968 لنيل شهادة التخصص وكانت معه عائلته، وتخرج من جامعة لندن عام 1970 بعد حصوله على شهادة التخصص في الصحة العامة. وبعد مباشرته نُقل الى بغداد وأصبح نائبا لرئيس مؤسسة مدينة الطب في بغداد عام 1970 واستاذا لمادة (آداب الطب) في الجامعة المستنصرية عام 1978، ثم مدير عام الصحة المدرسية عام 1976، ثم عضو المجمع العلمي العراقي، ثم عضو اتحاد المؤرخين العرب 1988.
رُزق الدكتور عادل البكري بابنتين أخريين ثم توفيت زوجته، فتزوج من فتاة سورية عاشت معه في بغداد قرابة عشرين سنة وانجبت له أصغر بناته سنة 1980. وقد قامت الزوجة السورية بتربية أولاده الأربع دون تمييز بينهم.
بقيت عائلة الدكتور البكري في بغداد خلال الحرب العراقية-الإيرانية (1980-1988) وعانت ما عانت مثل باقي الشعب، وكان الدكتور البكري وقتها رئيسا للهلال الأحمر في العراق.
وبعد حرب الخليج الثانية (2 أغسطس 1990 – 28 فبراير 1991) قرر الدكتور البكري أن يترك بغداد ويرحل مع عائلته الى سوريا. فسافروا عام 1993 الى سوريا، واستقروا هناك وفتح عيادة طبية له نجحت وأدت خدمات للمواطنين.
المشكلة التي واجهت الدكتور البكري في سوريا أنه لم يجد فيها ضالته المنشودة: فهو انسان متعدد المواهب ويعشق الأدب ومجالسه والتراث والشعر والموسيقى، وهذه الأمور لم تكن متاحة له في سوريا، فانقطع عن الكتابة والنشر واحس أنه في بلده يستطيع أن يبدع أكثر. فأخذ يشعر بالحنين إلى الوطن واشتاق الى باقي أولاده الذين تزوجوا وبقوا بالموصل، فقرر العودة الى الموصل.
في أوائل العام 1999 عاد الدكتور البكري الى الموصل بعد أن انفصل عن زوجته السورية التي لم ترغب العودة إلى العراق، وتزوج في الموصل بسيدة موصلية وهو بنهاية عقده السادس.
وفي يوم الجمعة 31 آب 2018 أقام الدكتور البكري ندوة ثقافية في بيته في حي القادسية بالموصل بمناسبة صدور آخر كتبه (رحلتي مع الأيام: حقائق وذكريات) والذي يوجز قصة بناء شخصيته الفريدة التي شيدها بنفسه، واستطاعت الصعود والصمود رغم ما واجهها من صعاب.
لقد كانت تلك الندوة الثقافية أشبه باحتفالية توديعيه للدكتور عادل البكري لمحبيه، فبعد أسبوع واحد وافت المنية الدكتور البكري في يوم السبت 28 ذي الحجة 1439هجرية، 8 أيلول 2018 إثر حادث سيارة وهو عائد من أربيل إلى الموصل بعد زيارة لأقاربه هناك.
لقد اقيم صباح يوم السبت 2018/10/20 في منطقة المجموعة الثقافية بالموصل ندوة عن فقيد الموصل الكبير الدكتور عادل البكري الذي فقدناه مؤخرا، تحدث فيها عدد من أصدقائه ومعارفه. وقد شاركتُ بتلك الندوة وذلك بإلقائي المحاضرة الموسومة "محطات في حياة العلّامة الدكتور عادل البكري (1930-2018)".
نسأل الله تعالى أن يتغمد الدكتور عادل البكري بواسع الرحمات ويسكنه فسيح الجنان (مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ۖ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ۖ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا) (الأحزاب: 23).
وللحديث بقية إن شاء الله تعالى
894 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع