بسام شكري
عيون الاخبار
لقد اخترت عنوان هذا المقال (عيون الاخبار) لما له من أهمية وشمولية للوضع الحالي في الشرق الأوسط وكتاب عيون الاخبار الذي استعرت منه عنوان هذا المقال فهو من تأليف عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري وهو من أبرز علماء وادباء العصر العباسي له عدة مؤلفات لكنه اشتهر بكتاب عيون الاخبار الذي كان من أمهات الكتب ويشتمل على مجموعة من الحكم والاخبار والاشعار تمثل صورة حقيقية للثقافة العباسية في ذلك العصر.
تحرك المعارضة السورية في هذا الوقت له تفسيرواحد في اتجاهين الاتجاه الأول ان إدارة الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب لا تريد الحروب وهدفها التركيز على الاقتصاد الأمريكي والعالمي وهناك تسريبات قد صدرت الأسبوع الماضي ولا اقتنع بها منطقيا وهي التفاهم بين ترامب وبوتين على منح أوكرانيا الى روسيا مقابل تحرير سوريا وهذا غير صحيح لان ذلك القرار يتطلب موافقة الاتحاد الأوروبي حصريا وهذا لن يحصل.
والاتجاه الثاني للتفسير هو ان انشغال روسيا بحرب أوكرانيا أدى الى انسحاب معظم القوات الروسية من سوريا في الوقت الذي قامت به إسرائيل بتصفية معظم قيادات حزب الله اللبناني والاف من عناصره وهذا قد أدى الى حصول فراغ كبير في معظم الأراضي السورية حيث لم يتبقى سوى مجموعات صغيرة ميليشيات إيرانية وعراقية معروفة بالجبن وعدم القدرة على القتال وفي تلك الظروف بقى جيش نظام الأسد وحيدا ضعيفا بأسلحة مصنوعة في الحرب العالمية الثانية وكان لزاما على المعارضة السورية التحرك لاستغلال ذلك الفراغ لكي لا تضيع تلك الفرصة الذهبية وخلفية ذلك التحرك تعود الى ما قبل سنة من الان عندما عرض الرئيس التركي اردوغان المصالحة مع نظام الأسد لكني الأسد لم تكن لديه القدرة على فهم المتغيرات التي حصلت بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا وانسحاب القوات الروسية من سوريا وكان يعتمد على حزب الله اللبناني وميليشيات ايران الإيرانية والعراقية وقد رفض الأسد التفاهم مع اردوغان عندها بدأت خطة الاعداد للانقضاض على النظام المتهالك وما ان اختفى حزب الله من الساحتين اللبنانية والسورية بسبب تصفيتهم من قبل إسرائيل حتى حانت الفرصة لقوات المعارضة السورية وكان البداية في حلب بعملية جس نبض قوة النظام وحلفائه فلم تكون هناك أي مقاومة وتم تحرير حلب بسرعة قياسية عندها تيقنت فصائل المعارضة السورية من ضعف نظام الأسد فتم تحرير مدينة حماة بسرعة قياسية أيضا ثم اخذت قوات الأسد تنسحب من كل مكان وتتجمع في حمص وضواحي دمشق بهدف الدفاع عن اركان النظام في دمشق, لكن تلك القوات المبعثرة لم تصمد الا ثلاث ساعات ثم انكسرت وهرب طاقم الدبابات المتهالكة وذلك الجيش الذي أخاف السوريين على مدى ستين سنة وفتحت الطريق امام دمشق التي تحررت بدون قتال, وقد حصلت عمليات الفوضى او نهب الممتلكات العامة في ادنى مستوياتها حيث لم يحصل فراغ للسلطة لفترة طويلة سوى لساعات وهذا ما اعطى الفرصة لبعض الخارجين عن القانون من ضواحي دمشق بالعبث وسرقة بعض الممتلكات العامة وخصوصا المطار.
سرعة تحرير سوريا بالنسبة لمن تمكن من قياس موازين القوى على الساحة السورية لم تكن مفاجأة لكن المفاجأة كانت لمن لم يتمكن من فهم لك, في الوقت الذي كانت قوات المعارضة تقوم بتحرير مدينة حمص هرب الف جندي من جنود نظام الأسد الى العراق بكامل أسلحتهم وهربت مجموعات أخرى من الجنود النظاميين وقامت برمي ملابسهم واسلحتهم في العراء والتجأوا الى العشائر العراقية التي تسكن قريبا من الحدود, واذا لم يتم إعادة هؤلاء الى سوريا بسرعة فان هذه الاعداد من المقاتلين المحترفين سيتم تجنيدهم واستغلالها من قبل ايران والنظام الطائفي في بغداد لتشكيل مرتزقة تهاجم المناطق الحدودية مع العراق لإعادة نظام الأسد مرة ثانية او خلق بؤرة ضغط على النظام الجديد في سوريا من اجل إعادة النفوذ الإيراني الى سوريا بحجج دينية او مشاريع استثمارية إيرانية كانت قد أنشأت في زمن نظام الأسد .
ان تحرير سوريا كان سريعا وجميلا وبدون تدمير المدن او نهب الممتلكات العامة, ومن انعكاسات التغييرات السريعة في سوريا يظهر لنا مؤشرات عديدة أهمها ان نظام الأسد كان نظاما دكتاتوريا منذ نشأته وافكاره وممارساته منذ ستينات القرن الماضي كانت جذورها نازية بامتياز وكما تنقل لنا الوثائق التاريخية فان هروب ضباط جهاز المخابرات السرية النازي في المانيا الى سوريا بعد الحرب العالمية الثانية وبقائهم هناك وتدريبهم لأجهزة المخابرات السورية وتناقل تلك الخبرة عبر عقود من الزمن قد انتج عنه جلادين نازيين بوجوه سورية استمروا في قتل المدنيين لغاية سقوط نظام الأسد وعلى النظام الجديد في سوريا الان بناء عقيدة امنية جديدة تستند الى خدمة المواطن وليس الى سجنه وتعذيبه, فقد صدم العالم من كثرة عدد السجون في سوريا ومن نوع المساجين وقد قضى بعضهم أربعين سنة في السجن لأسباب تافهة كذلك الفدائي الفلسطيني من سكان مدينة جنين الذي لم يقف عند دخول احمد جبريل امين عام الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين غرفة كان يجلس هو فيها مع مجموعة من الفدائيين في مكتب الجبهة في دمشق فسجنه احمد جبريل أربعين سنة وغيرها الكثير من القصص التي لم نسمع بها الا في أفلام الرعب والخيال العلمي.
لقد هرب اركان النظام السوري بطائرات روسية الى روسيا والى شرق ليبيا حيث تحتل القوات الروسية نصف ليبيا الشرقي وتحتل تركيا نصفها الغربي, وهرب الكثير من جلادي النظام الى العراق وايران بشكل سري والى بيروت بشكل علني عن طريق معبر المصنع ولم يتم منعهم من المغادرة من قبل قوات المعارضة والسبب غير معروف, هل ان هناك اتفاق مسبق مع النظام السابق بعدم التعرض لهم او ان ذلك من باب الإهمال او قلة الخبرة، ومن خبرتي الشخصية فان عائلة الأسد كانت تقضى اوقاتا عديدة وخصوصا في عطلة نهاية الأسبوع في فنادق قبرص اليونانية وهم معروفين جدا هناك من قبل الكثير من الفنادق فهل هرب بعضهم الى هناك وهل لديهم استثمارات هناك ؟
اول واخطر ردود الأفعال على التغيير السريع الذي حصل في سوريا جاء من شيخ الطائفة العلوية يطلب فيها عفو عام لأنه يعلم حجم الجرائم التي ارتكبها الأسد وأعضاء الطائفة العلوية التي تمثل 6% من عدد سكان سوريا ولم يصدر أي رد فعل رسمي على دعوته لغاية الان, لكن تم الإعلان عن تسامح مع اركان نظام الأسد ماعدا من ارتكب منهم جرما بحق الشعب وهذه عبارة مطاطة جدا تعطي المجال للإفلات من العقاب، السؤال الذي يتبادر الى الذهن الان : هل ستطلب مرجعية النجف في العراق عفوا عاما عندما يتحرر العراق من النظام الطائفي الحالي ؟ وهل سيتقبل العراقيين تلك الدعوة وهم المعروفين بالشراسة والدموية؟ هذا من جه ومن جهة اخرى وكرد فعل على جرائم الميليشيات في قتل وتهجير الملايين من العراقيين ونهب الثروات باسم مرجعية النجف كيف سيكون رد ابن الشارع العراقي؟ وهل ان مراجع الأقلية الزيدية في اليمن سوف يطلبون العفو العام إذا تم تحرير اليمن من الحوثيين؟ وهل سيقبل الشعب اليمني العفو بعد جرائم الحوثيين في هدم معظم المساجد وسرق أموال اليمنيين وقتل وشرد الملايين؟
ان العالم اليوم يتطلع الى تأثيرات تحرير سوريا على العراق باعتباره المستعرة الإيرانية التالية بعد مستعمرة لبنان وسوريا وسيناريو تحرير العراق واليمن يختلف كليا عن تحرير سوريا لان القوى التي تمسك الأرض في العراق تختلف عن القوى التي كانت تمسك الأرض في سوريا وطبيعة العراقيين الدموية تختلف عن طبيعة السوريين المتسامحة, وقد بدأت بوادر التغيير والخوف في العراق في اليوم الأول من تحرير سوريا فبمجرد الإعلان عن هروب الأسد وسقوط نظامه بدأ حراك محلي ودولي في مدينة النجف وقد اجرى ممثل الأمم المتحدة في العراق مباحثات مع ابن المرجع الديني علي السيستاني واعلن في حينه ان علي السيستاني في وعكه صحية ويعتقد المحيطين بالمرجعية , ان اجتماع ابنه مع ممثل الأمم المتحدة هي سابقة خطيرة في تاريخ المرجعيات الدينية وهي المرة الأولى في تاريخ مرجعية السيستاني ان يقوم ابنه بمهامه وقد كانت خروجا على تقاليد المرجعية حيث من المفترض ان يكون للسيستاني مساعدين او نواب وهذا لم يحصل منذ توليه المرجعية لغاية الان حيث كان يظهر كرجل وحيد وظهور ابنه يعني اما ان المرجعية أصبحت وراثية او الخوف من كشف ان الشخص الذي يقابل الناس هو ليس السيستاني وانه توفى في لندن سنة 2004.ومن الطريف في قصة مرض علي السيستاني انها لأول مرة يتم الإعلان عن مرضه وقد قارب عمره المئة عام.
اعتقد ان سيناريو تحرير العراق سيبدأ حال استلام الرئيس الأمريكي ترامب للسلطة بشكل رسمي ويتم الان الاعداد للقوى التي ستمسك الأرض وتستلم السلطة بشكل يتماشى مع استقلال العراق وتحريره من ايران, اما قيادة العراق فليس هناك سياسي عراقي له الخبرة والمصداقية ومقبول في العراق الا عدد قليل جدا ومن وجهة نظري مثلا مسعود البرزاني وبعض الاكاديميين في داخل العراق وبعض رجال الاعمال والاكاديميين في خارج العراق والأكثرية منهم قد تجاوز السبعين عاما, هذا اذا تم الاتجاه نحو نظام رئاسي في العراق المحرر وهذا الاحتمال ضعيف جدا لان العالم يتجه اليوم الى أنظمة الحكم البرلمانية, ومن غير المستبعد ان يتم وضع لبنان او العراق تحت وصاية دولية لفترة انتقالية لما تسببه حزب الله اللبناني الطائفي ونظام الميليشيات الطائفية في العراق من الحلول محل الدولة كميليشيات ونشر الفساد الإداري والمالي بين موظفي الدولة وتخريب اجهزتها مما يتطلب بناء دولة جديدة بأنظمة ذات طابع رقابي يضمن العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص للجميع وتوزيع الثروات بشكل عادل.
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
999 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع