بقلم : جابر رسول الجابري
الأساطير والروايات الدينية
المقدمة :
ظهر الإنسان على الكرة الأرضية ففرض تفوقه على كل المخلوقات بسبب إمتلاكه العقل المُفكر والذاكرة القوية التي سمحت له بإستلهام تأريخ وتجارب أسلافه وكذلك إستوعبت ذاكرته مسيرة احداث حياته ،
أدى تكاثر الإنسان البدائي و إزدياد أعداده في رقعة جغرافية كان قد إستوطنها أجداده إلى عدم إستيعاب تلك الرقعة لوجود كل القبائل معاً فراح يتمدد و يبحث عن موطن آخر بديل يسع عياله وأبناء قبيلته ، وأيضاً ظهرت الصراعات بين تلك القبائل سواء على الاستيطان ام على السلطة و السطوة ،
مما دفع بعض القبائل إلى الهجرة شمالاً أو جنوباً بحثاً عن موطن جديد لها ، هاجرت القبائل من موطنها الأصلي وقد هاجر معها الموروث الديني والثقافي للقبيلة الأم سواء ما كان على شكل أساطير دينية أو روايات فهي عالقة في أذهان شيوخ القبيلة وكهنتها الذين يعتبرون بانهم حكماء تلك القبيلة ،
أصبح حاكم القرية او المدينة لاحقا هو نفسه راعي المعبد وكاهنه الأكبر لذلك شارك الجميع في سرد و قص الروايات والأساطير على الأولاد والأحفاد بهدف ضمان حفظ إنتمائهم الديني أو حفظ اصطفافهم القبلي و كموروث تراثي لهم ،
لاحظ الإنسان أنذاك وجود تناقضات في السرد القصصي نتيجة لتقادم الزمن أو بسبب تعدد الرواة أو إختلاف الألسن فظهرت عندها الحاجة لتوثيق تلك الأساطير مما دفع المعبد لإبتكار طريقة رسم الموصوف على حجر أو رقيم سواء كان ذلك الموصوف جماداً أم حيواناً او إشارة لسلوك إنسان ،
ثم تطورت الكتابة الصورية لإبتكار كتابة الكلمة ثم لحروف الكلمة بلفظها ونطقها ، عند ذلك بزغ فجر التوثيق وإبتداع الكتابة فكانت أول الكتابات هي المسمارية وقد اكتسبت تسميتها لان الحرف شكله يشبه المسمار ويتم رسم الحرف بعود على لوح طيني رطب ثم يُنشر على الشمس ليجف أو يتم شويه على النار ليصبح مفخوراً .
الموضوع :
كانت القرية أنذاك تعتقد أن الحاكم لابد أن يكون سليل نسب الآلهة أو تمت مُباركته أو مخول منها لحكم الناس و كذلك لادارة تعاليم دين الآلهة سواء في العبادات أم في المعاملات اليومية و على الحاكم فرض نهج الآلهة الديني على المجتمع وكيفما يعتقد الحاكم ،
ظهور الكتابة دفع الحاكم إلى استخدامها كأرشيف لديوان الحكم بما يخص الضرائب والمراسلات والقوانين وكوثائق يتم الرجوع لها عند الحاجة إلا أن المعبد كان يحتفظ بنسخ الأساطير لقرائتها في أيام المناسبات الدينية كملحمة تعبدية،
كان الحاكم حينها يُدير المؤسستين معاً مؤسسة الحكم و المؤسسة الدينية لذلك إقتصرت كل الأساطير القديمة على ذكر مسيرة الحاكم وبطولاته مع رعاية الآلهة ومشاركتها لوجوده ومثال على ذلك اول أسطورة في التاريخ هي الملحمة الدينية للملك گلگامش السومري وعلاقته بالآلهة ولقاءه بنبي الله أوتونابشتم ( نوح ) وأسطورة الطوفان ،
وهناك أيضاً ملاحم إسطورية على نفس النهج منها مثلاً ملحمة الأوديسة و كذلك ملحمة الألياذة التي سردت قصة حياة مقاتل إسطوري يرافقه حضور للآلهة و بلاط الحكم الملكي في أوربا وقد وثقها هيرودس بعد أن كانت تروى شفهيا كموروث قصصي شعبي،
كل تلك الأساطير هدفها تطويع الفرد والمجتمع لسلطة الحاكم والدين لأن كلا المؤسستين تحت قيادة الحاكم ، هذا الأسلوب يطلق عليه الآن مصطلح ( الدين السياسي ) الذي من أهم متطلباته هو الإنتماء لنسب ديني مقدس كأن يكون سليل للآلهة أو حاليا الإنتساب لسلالة النبوة الهاشمية لكي يكون رجل الدين أو الحاكم مقبولاً ومؤهلاً شرعياً لمنصبه ،
في القرون الوسطى تمت الإطاحة بحكم المؤسسة الدينية فأدى ذلك إلى إنزواء رجل الدين وإعتزاله عن الساحة السياسية لكنه ظل يراقب بالخفاء سلوك ونهج الحاكم ويقود سراً المؤامرات على الحاكم ويغذي ويدفع باتجاه ازاحة الحاكم عن كرسي الحكم حتى لو كان ذلك الحاكم ينهج نفس النهج الديني أو نفس الإنتماء أو كان عادلاً ،
وراح يكوّن رجل الدين له إمبراطورية كبديل عن كرسي الحكم الذي فقده ( أُطلق عليها الآن تسمية الدولة العميقة) وراح فيها رجل الدين يُنظّر ويستنبط ويحرّف النصوص للروايات بهدف حماية وجوده و سطوته على المجتمع واضعاً له قدسية ومنزلة سماوية من خلال قصص وأحاديث وروايات حتى وإن تعارضت تلك الروايات مع نصوص الرسالة السماوية أو مسارها أو أهدافها لأنه يعتقد أنه مخول وممثل الإله على الأرض فلذلك عليه أن يجتهد و إن أخطأ فله حسنة وإن صح فعله يؤجر ، فلذلك هجر الناس النص القرآني واتجهوا لتقديس وإتباع كتب شيوخهم وفتاوى مراجعهم فإختلفوا بالآراء وتخالفوا في الأحكام،
من الأساطير الدينية التي لازالت تعاصرنا الى يومنا هذا والتي وثقها رجل الدين الذي عاش زمن الإضطهاد ومكانته في محراب المُعارضة للحاكم أنذاك ،
إسطورة رجل وِلد في الظلام ثم أصبح شبحاً خارقاً مدعوم من الإله له كرامات وقوة غيبية كُلف لقيادة الفئة المُضطَهدة المُعارضة للحاكم (رجل الدين ) ،تقدم الصفوف لصراع الحاكم وزبانيته ولأنه إمام فترتب عليه واجبات قيادة الأمة لخلاصها ولإرساء دعامة الحكم الإلهي ، وعلى الرغم من الدعم الإلهي وجمهور الشعب الذي يتبعه تذكر تلك الملحمة أن هذا الإمام هرب خوفاً من حرس الحاكم وإختفى عن الأنظار في سرداب وترك الرعية تواجه مصيرها لوحدها ،
لكنه ظهر من جديد بعد مئتي سنة ليدعو الناس مجدداً للإطاحة بالحاكم لكنه هرب وأختفى أيضاً وترك الرعية ونفذ بجلده في غيبة كبرى ومؤجلاً ظهوره تارة لآخر الزمان قبل يوم القيامة حسب سرد الإسطورة ,
في هذا العصر وثب فجأة رجل الدين على كرسي الحكم في إيران فأعتلاه ثم بنفس السياق تم استحواذ رجل الدين لكرسي الحكم في العراق لكنه راح ينهب الأموال ويُحارب الإنسانية ويُفشي ويُشيع الفساد لكنه بقي متخذاً نفس نهجه القديم عندما كان مُعارضاً للحاكم ، في إيران إدعت مرجعية الدين أن الإمام المهدي قد وكلها وجعلها إماماً وأعطاها الصلاحية الإلهية بقيادة الأمة و المُضطهدين ، أما في العراق فقد وثب رجل الدين مُعتلياً كرسي الحكم لكنه إدعى أن الامام المهدي بنفسه يجلس عليه ويُدبر أمر الحكم وأن رجل الدين ما هو إلا وسيط يُنفذ تعاليم الإمام لإقامة الحكم الإلهي ،وقد إكتشف الناس أن رجل الدين قام بسرقة ونهب وتخريب وتهجير الناس وقتل الأبرياء ونشر الفساد والدعارة لكنه يُصر إن كل تلك الأحداث ماهي إلا توجيهات الإمام نفسه بالرغم من انه مُختفيا لكنه ظاهراً متواجداً عند رجل الدين وما على رجل الدين إلا تنفيذ ما يُملى عليه من قبل الامام الشبح ،المشكلة أن رجل الدين المنزوي في غياهب الظلام في العصور الماضية لازال يعيش عقلياً في تلك العصور أي عصور المعارضة والصراع مع الحاكم ، بالرغم من استحواذ رجل الدين الان على ادارة ثلاث جهات و لا يريد ان يتنازل عن أي منها
*إدارة المعارضة
*إدارة الحكم
*إدارة المؤسسة الدينية
رجل الدين يُريد الإحتفاظ بها كلها معاً تحت إمرته أي لا يسمح بوجود معارضة لسياسته ورؤياه ولا يسمح للحاكم ان يحكم بالقوانين المدنية ولن يقبل أن يتنازل عن تمثيله للآلهة دينياً ،
*النص القديم للرواية هو غياب الإمام عن ساحة الحكم بسبب فساد الدين وانحرافه ولا بديل عن إمامته إلى حين ظهوره آخر الزمان لكن رجل الدين إتجه لتحريف الرواية فطرح نفسه بديلاً عن الإمام لأنه تأخر كثيراً في غيبته ومن جهة أخرى رام رجل الدين إلى درء تهمة الفساد عن نفسه وإلصاقها بالإمام المهدي لأنه هو الذي يحكم الآن.
المملكة المتحدة في الخامس والعشرين من تموز عام 2024
اهم المراجع ؛
التأريخ يبدأ من سومر/صموئيل نوح كرومر
تأريخ سومر وأكد / ليونارد وليم
بحث عن أهمية المعابد في العراق القديم/ كلية الآداب جامعة المنصورة
كتاب الكافي / محمد بن يعقوب الكليني
الإستبصار / الشيخ الطوسي
1225 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع