د.ضرغام الدباغ
خورخي لويس بورخيس
المراسلات :
Dr. Dergham Al Dabak : E-Mail: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
خورخي لويس بورخيس
" أن تحملق في النهر الذي يصنعه الزمن والماء
وأن تتذكر أن الزمن ذاته نهر آخر
أن تعرف أننا نكف عن الوجود، تماما مثل النهر
وأن وجوهنا تموت وترحل، تماما مثل الماء
أن تحسّ بأن الاستيقاظ نوم آخر
يحلم بأنه لا ينام وبأن الموت
الذي يرتعد منه لحمنا، هو نفسه ذلك الموت
الذي يحدث كل ليلة، والذي نسميه النوم
أن ترى في اليوم أو في السنة رمزا
لأيام البشرية وسنينها
أن تُحوّل إهانة السنين
إلى موسيقى، وحفيف، ورمز "
خورخي لويس بورخيس (Jorge Luis Borges) عاش 87 سنة بين 1899 و 1986 ولد في بوينس آيرس / الأرجنتين وتوفي في جنيف / سويسرا. بورخيس كان أديباً شاملاً، كتب الشعر والرواية وترجم من لغات عدة. نشأ على لغتين: الأسبانية والإنكليزية، وتعلم وأتقن لاحقاً الفرنسية والألمانية. ولد وترعرع في أسرة مثقفة فأمه كانت مترجمة من الإنكليزية، وفي بيت ذويه كانت هناك مكتبة ضخمة.عاش في مدينة جنيف من أجل العلاج ودرس فيها متخرجاً من جامعة جنيف، لذلك كان أتقن الفرنسية والألمانية.
تنقل بورخيس بين عدم مدن، بوينس آيرس، جنيف، لوغانو/ سويسرا، مايوركا / أسبانيا، برشلونة / أسبانيا، ومدريد عاصمة أسبانيا، وهذا التنقل خلق لديه رصيد ثقافي ومعرفي، وتعرف على ثقافات عديدة، وتقاليد شعوب، وبعد نهاية الحرب العالمية الأولى (عشرينات القرن الماضي) كان من الأدباء المعروفين في أسبانيا وأنظم إلى حركة كتاب، وكتب قصيدة شهيرة " ترنيمة البحر ".
عندما عاد بورخيس إلى أسبانيا عام 1921 كان محملاً بأفكار وأراء، وقد أكتسب موقفه الأدبي أبعاد جدية، فبدأ بنشاط أدبي / سياسي، يعمل في مجلات ممنوعة، ومنذ 1937 عمل في مكتبة بوينس آيرس، وتوفر لديه وقت طويل ليكتب المقالات والقصص القصيرة، وطرد من وظيفته لأسباب سياسية، ورغم كونه كان أديباً شهيراً، إلا أن ذلك لم يعود عليه بنفع مادي، فعمل كأساتذ في الجامعة يدرس اللغة الإنكليزية، ولكنه بصره بدأ يضعف، حتى فقد بصره تماماً عام 1955، ورغم ذلك تقلد بورخيس من عام 1956 وحتى 1970 م منصب أستاذ للأدب في جامعة بيونس آيرس والعديد من المناصب المؤقتة في جامعات أخرى. تساعده والدته كسكرتيرة شخصية
بدأت شهرة بورخيس الدولية في مطلع عقد 1960. ففي عام 1961 م حصل على جائزة فورمنتر مشاركة مع صاموئيل بكيت. ولما كان هذا الأخير معروفا وذا اسم عند متكلمي الإنجليزية في حين كان بورخيس غير معروف عندهم وأعماله غير مترجمة، أخذ الفضول يدور حول هذا الكاتب المغمور الذي شارك الجائزة مع بكيت. قامت الحكومة الإيطالية بمنحه لقب قائد (Commendatore) تكريما له، كما عينته جامعة تكساس في أوستن لسنة واحدة. قاد هذا الأمر إلى قيام بورخيس بجولة لإعطاء المحاضرات في الولايات المتحدة، ثم ظهر أول ترجمة لأعماله بالإنجليزية في 1962 م، وتبع ذلك جولات في أوروبا ومنطقة الأنديز في أمريكا الجنوبية في سنوات لاحقة. منحته إليزابيت الثانية ملكة المملكة المتحدة وسام الإمبراطورية البريطانية في عام 1965 م. وقد حصل بورخيس بعد ذلك على عشرات الأوسمة والتكريمات في ما تلى من سنوات، ومثال ذلك حصوله على وسام جوقة الشرف الفرنسية (Légion d'honneur) وجائزة كيرفانتس.
بدأ بورخيس في عام 1967 م تعاونا مع المترجم الأمريكي نورمان توماس دا جيوفاني والذي يرجع له الفضل في شهرته بين متحدثي الإنجليزية، كما تابع أيضا نشر الكتب مثل كتاب "كتاب البدايات الخيالية، في عام 1967 م والذي كتبه بالمشاركة مع مارغريتا غيوريرو و"تقرير الدكتور برودي" في 1970 م و"كتاب الرمل" في 1975 م وكذلك فقد أعطى العديد من المحاضرات والتي جمع معظمها في مجلدات مثل مجلد "سبع ليال" و"تسع اختبارات دانتية"..
وفي عام 1975 م، وبعد وفاة والدته، بدأ بورخيس سلسلة أسفار إلى بلاد مختلفة من العالم وتابع سفره هذا حتى وفاته. وبورخيس كمعظم الأدباء والفنانين يعيشون حياة شخصية مضطربة، وهكذا كان الحال معه. توفي بورخيس بمرض سرطان الكبد في جنيف، المدينة التي درس فيها دراسته الجامعية ودفن فيها.
تعرض العديد من أشهر قصصه لطبيعة الوقت ولانهاية ومرايا والمتاهات والواقع والهوية، وتركز بعض قصصه على مواضيع وهمية، مثل مكتبة تحتوي على جميع الكتب التي يبلغ عدد صفحاتها 410 (مكتبة بابل) و (رجل لا ينسى شيئا من حياته (الحافظ قيونس) وآلة يستطيع من يستخدمها أن يرى كل ما في الكون (الألِف) وسنة من الزمن لا تمر وتبقى ثابتة عند رجل يقف أمام فرقة تطلق النار (المعجزة السرية).
يكتب النقاد عن أعمال بورخيس " إنها كمل أعمال الكتاب المثقفين. أعمال المثقفين الذين يجيدون أكثر من لغة تزيد في ثراء ثقافتهم لا محالة، وتتعد مصادر الثقافة والموروث الشعبي من حكايات وأساطير، ويطير مع خيالة في سماء لا سقف فيها، ويشرع سفنه في بحار لا ضفاف لها .. من يغترب يصبح مرهف الحس، تذكروا قصائد السياب في غريب على الخليج .. والسياب بهذه المناسبة كان من أوائل الشعراء العراقيين والعرب ممن تأثروا بالأساطير العراقية والاغريقية، فكتب عن عيون ميدوزا، السياب كان علاوة على شاعريته وقوة تكنيكه الشعري، وجمال الصورة الشعرية، كان مثقفاً، وقد أطلع بدقة على الشعر الحديث، ونرجح أنه تأثر ب ت. س. إليوت، وغيره.
بورخيس عمل في مكتبة موظفا صغيراً في البدء، ثم مديراً للمكتبة، يتعامل يومياً بلا هوادة مع الفكر والثقافة، يقرأ ويترجم ويكتب، وقرأ بدقة أعمال كافكا، ومن المؤكد أنه قرأ كتاب المرحلة الذهبية بعد الحرب العالمية الثانية فصاعداً: سارتر، وكامو، د. هـ. لورنس، وت. س. إليوت، وهنريش أبسن، وصموئيل بيكيت وغيرهم، مطعمة بالتجربة والنكهة الأمريكية اللاتينية:
يقول خورخيس " كانت عند أبي مكتبة ومسموح أن أقرأ كل شيئ فيها، حتى تلك المحظورة على الأطفال والصبيان، وقرأت فيما قرأت رواية ألف ليلة وليلة، ترجمة كابتن بيركن، قرأت الكتاب بأكمله، واني أراه اليوم يزخر بالفواحش، مع أني لم ألحظ ذلك في ذلك السن، ما أستهواني كان سحر وخيال ألف ليلة وليلة، سحر أستولي علي دون أن أنتبه لأي دلالة أخرى، الآن أدرك أني لم أغادر ذلك الكتاب وأني ما أزال أواصل القراءة فيه ".
ولحد الآن في مقدمة ما يكتبه النقاد عن أدب بورخيس أنه يكتب بلغة خاصة، فيها بخيال غير تقليدي وهو نفسه يقول عن أسلوبه " أني لست بمفكر كما أني لست بذاك الإنسان الفاضل. إنني ببساطة رجل يمتلك مجموعة من الأحرف يحول بها تعقيده الداخلي مع ذلك النظام المعقد الذي نسميه فلسفة إلى نوع من الأدب ".
ويقول مترجم أحد أعمال بورخيس (أو في الواقع أنه قد ترجم كتباً عديدة له) وهو يحوم في أجواء بورخيس " البداية هي النهاية بعينها.. من النهاية نصوغ بداية جديدة ... وإذا بحثت عن شيئ ستجده في مكان آخر لا في ذاته ..".
يتجسد هذا في حكاية " منطق الطير" للشاعر الصوفي فريد الدين العطار حيث تبحث مجموعة من ثلاثون طيراً عن طائر وهمي (السيمرغ) أو العنقاء فتجوب العالم بحثاً عبثاً وبلا جدوى، وفي طريق عودتها تحلق عالياً تفترش أجنحتها تنظر إلى نفسها فتجد أنها هي السيمرغ بنفسه .....!
ويلخص الشاعر محمد أفضل اللاهوري هذه الملحمة .....
فتحت الطيور الثلاثون أجنحتها من الشوق
وطوت الهواء بحثاً عن السيمرغ
فلما عادت في آخر الأمر
رأت أنها كانت بنفسها السيمرغ ...
بورخيس قرأ هذه الملحمة حلق في أجواءها بحثاً عن السيمرغ، وأن الباحثين عن السيمرغ في نهاية مطاف ملحمة من البحث والتعب يجدون أنهم هم بذاتهم السيمرغ ... أي تصوير رائع للمعاناة والتجربة، أن يتحول أمرء ما إلى شيئ كان يبحث عنه ..!
فكرة جالت في فكر آخرين يعبر كل منهم برؤيته .. الشاعر العربي اللبناني خليل الحاوي عبر عن تجربته في ديوانه (الناي والريح) يصف سندباد بعد عودته من آخر مغامراته البحرية، والسندباد هو من يشرع أشرعته للريح لا يهاب يجازف ليدرك ما لا يراه، أفقاً يراه الأخرون مستحيل، يتصدى لها .. يفعل ذلك المناضل، الشاعر، الفنان ... :
ضيعت رأس المالِ والتجارة
ماذا حكى الشلال
للبِئرِ وللسدود
لريشة تجود التمويه تخفِي
الشحَّ في أقنِية العِبارة
ضيعْت رأس المالِ والتجاره,
عدت إليكم شاعرًا في فمه بشاره
يقول ما يقول
بِفِطرةٍ تحسُّ ما في رَحِمِ الفَصلِ
تراهُ قَبْل أن يولد في الفُصول
كتب الشاعر الألماني برتولد بريشت .. في مسرحية غاليلو غاليلي :
لا تقف على الشاطئ
أرم بنفسك إلى الأعماق
بورخيس كان كاتباً مثقفاً بتميز، لذلك يمكن القول أن القارئ للأعمال بورخيس سيجدها بطريقة ما تجميع شظايا من أعمال عديدة : الفل ليلة وليلة، وشكسبير، وت. س. اليوت، ود. هـ. لورنس، إلى فريد الدين العطار، وأبن عربي. وعنه يقول الكاتب فارغاس يوسا " إن الشعر والقصة القصيرة والمقالة فنون تتكامل في أعمال بورخس حتى ليصعب في غالب الأحيان أن نقرر إلى أي جنس تنتمي، فتروي بعض قصائده قصصاً، كما أن لكثير من قصصه القصيرة ولاسيما الوجيزة منها له بنية قصيدة النثر، ولكن العناصر عنده تتضافر حتى تنصهر في وحدة فذة ".
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كتب لبورخيس مترجمة إلى العربية
⦁ المرايا والمتاهات-ترجمة إبراهيم الخطيب، دار توبقال
⦁ تقرير برودي وقصص أخرى، ترجمة نهاد الحايك، دار الشؤون الثقافية العامة
⦁ كتاب الرمل، ترجمة سعيد الغانمي، دار أزمنة
⦁ نافذة العرب على العالم .
⦁ وسم السيف وقصص أخرى، ترجمة محمد إبراهيم مبروك، نشر المجلس الأعلى للثقافة
⦁ الصانع، ترجمة سعيد الغانمي، نشر المؤسسة العربية للدراسات والنشر
⦁ الاحلام المشرقية ألف ليلة وليلة.
⦁ سداسيات بابل
⦁ مختارات شعرية.
⦁ مساء عادي.
⦁ مع بورخيس
2065 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع