عبد الرضا حمد جاسم
علي الوردي وابن خلدون/١
المقدمة:
في ص38 من كتابه: دراسة في طبيعة المجتمع العراقي (استعير من النسخة الصادرة عن دار ومكتبة دجلة والفرات عام 2013) كتب الراحل الوردي التالي: [... ولا ننسى ان ابن خلدون كان في سيرته انتهازيا فظيعا يود التقرب من الملوك وقد يقلب في سبيلهم الحق باطل) انتهى.
ولتأكيد تلك الصفة في شخصية ابن خلدون ينقل لنا الراحل الوردي التالي: [في ص136 وعاظ السلاطين/ 1954 حيث كتب الوردي عن ابن خلدون التالي: [شاهد عمر ابن الخطاب اثناء سفره الى الشام معاوية وهو يمشي في موكب من الحرس والجلاوزة كما كان يمشي أي حاكم من حكام الأزمنة السالفة فغضب عمر من هذا وصرخ به قائلاً: "أكسروية يا معاوية" فأجابه معاوية معتذراً بأنه في ثغر تجاهه العدو وانه يحتاج الى مباهاة العدو بزينة الحرب والقتال. يعتقد ابن خلدون بان عمر اقتنع بجواب معاوية هذا ويدافع ابن خلدون عن معاوية قائلاً انه باتخاذه مظاهر الكسروية لم يكن يقصد ارتكاب الباطل والبغي والظلم فمعاوية في رأي ابن خلدون كان يقصد بذلك وجه الله". ثم يقول الوردي: "و إني اعجب من رأي ابن خلدون هذا"] انتهى
الموضوع:
من خلال اطلاعي على الكثير الذي نشره الراحل الوردي والكثير مما نُشر عنه مدحاً وذماً استطعت أن اتخيل او احدد بعض المشتركات بين الراحل الدكتور الوردي وابن خلدون... وحاولتُ ان اضعها بصيغة مناسبة لكن اشعر ان اجتهادي هذا فيه بعض عيوب وفيه بعض عدم دقة. أتمنى شاكراً ان يحظى بالدعم من خلال تشذيبه او إعادة تنظيمه من قبل العزيز القارئ. رغم الفارق الزمني الكبير بين الرجلين "خمسة او ستة قرون"... لمستُ او شعرتُ ان بينهما التالي:
1ـ اصيب اهل الوردي و ابن خلدون بالطاعون كما ورد في بعض ما نُشِرْ وترك ذلك اثراً عليهما فأبن خلدون فقد الكثير من افراد عائلته ومشايخه وفُقِدَ الكثير من ال الورد بالطاعون قبل ولادة علي الوردي لكن الامراض قتلت اخوته الأربعة بعد ذلك و أكيد تركت اثراً لها في حياته. .
2ـ ابن خلدون كتب المقدمة بعد ان اعتكف في السنوات الاربعة الاخيرة من عمره وكانت تشكل ثلث ما كتبه تقريباً كما ورد، والوردي اعتكف لإتمام موسوعته لمحات تاريخية من تاريخ العراق الحديث "عدة أجزاء" لم يكملها حتى مماته له الذكر الطيب. وقيل انه ترك مخطوطته ""المهمة المفقودة"" "سينما بغداد". وهذا ربما يشكل أكثر مما كتبه الوردي في حياته.
3 ـ الاثنان استخدما الآيات القرآنية وتفننا بذلك حتى تاه على محبيهما التمييز بين الاستعارة لغرض التأكيد او لغرض الحشر او لغرض التهكم والتضليل. قال البعض عن ذلك: "ليس لها علاقة جوهرية... وبعضها تهكمية".
4 ـ ابن خلدون لُقِبَ بمؤسس علم الاجتماع الحديث والدكتور الوردي اُلْصِقَ به ذلك اللقب "بخصوص العراق" وكما اعتقد انه أسس قسم الاجتماع في كلية الآداب او ساهم في ذلك.
5 ـ الاثنين اعتمدا الحكايات التي كانت قبل مولدهما بقرون طويلة وحَّوراها وصاغاها لتصبح "خلدونية" و"وردية". ابن خلدون أخذ حكايات الفتح الاسلامي لبلاد المغرب قبل عدة قرون من ولادته وما حصل فيها وخلالها والوردي أخذ حكايات ابن خلدون التي كانت قبل عدة قرون من ولادته ومعها ما ورد عن الجاهلية الأسبق من ابن خلدون بقرون طويلة وأخذ حكايات من ألْسُنْ السقطة والسفلة كما اَطلق عليهم واخرى من معمرين واعتمدها اسانيد لا أصول لها احياناً.
6 ـ الاثنان ادعيا أنهما ينحدران من الحجاز والاثنان شُكِكَ في عروبتهما.
7 ـ الاثنان درسا حالات محددة وعمماها على الكل. ابن خلدون عمم الحالات الخاصة على كل المجتمعات والوردي اخذ من ازقة بغداد "حالات خاصة" ليعممها على كل" المجتمع العراقي".
8 ـ الاثنان تكلما عن مجتمع غير موجود ابن خلدون تكلم عن "المجتمع" العربي كما نقل لنا الوردي"؟!" والوردي تكلم عن "المجتمع" العراقي. ولم يكن هناك لا "مجتمع عربي" وقت ابن خلدون ولا "مجتمع عراقي" درسه الوردي.
9 ـ الاثنان ركزا على البداوة والحضارة والريف والمدينة وتأثيرهما في حياة المجتمعات والدول. أبن خلدون حورها عمن قبله فصارت "خلدونية" والوردي حور ما حوره ابن خلدون فصارت "وردية".
10ـ الاثنان كانا براغماتيان أكثر من " السيد براغمات نفسه!!!".
11ـ الاثنان اعجبتهما الوحدة... ابن خلدون اُعجب بأبو الحسن عندما وحد المغرب والوردي اُعجب بجمال عبد الناصر عندما اقام الوحدة مع سوريا. في اسطورة الادب الرفيع الصادر عام 1957 ص148 يقول تحت عنوان فرعي: خطبة بليغة التالي: [كنت بالأمس استمع الى خطبة لجمال عبد الناصر عن طريق الاذاعة فهزتني هزاً شعرت اثناء سماعها بأن التاريخ يتحرك امامي مدوياً وأن الرجل يساهم في تحريكه] صحيح ان الموضوع جاء كمثال على ما كتبه الوردي تحت عنوان "عقدة النحو العربي" ... لكن حشرها هنا له معاني اخرى وربما كان يقصد خطاب تأميم قناة السويس ... ونحن في عام 1965 والمد القومي في المنطقة.
12ـ الاثنان كانت السنة السابعة عشر من العمر محطة مهمة في حياتهما الوردي دخل المدرسة المسائية بعد ان ترك الدراسة قبل ذلك ليعمل في محل عطارة... وابن خلدون كما ورد عن حياته: [لم يصلنا الكثير عن حياة ابن خلدون في طفولته حتى العام 17 من عمره، فكانت هذه المرحلة من عمره غامضة. في سن السابعة عشر كان ابن خلدون قد أنهى دراسته على أيدي العلماء وبدأ مرحلة التحصيل العلمي بدون مساعدة] انتهى.
13ـ الاثنين كان لهما محبين وكارهين بشكل ملفت. هناك من تمادى في ذلك حد الاتهام والتشويه حتى ان الوردي قال في استاذه ابن خلدون انه انتهازياً فظيعاً يقلب الحق باطلاً... وعن الوردي قيل انه حكاواتي وبراغماتي وانتهازي وعميل وشيوعي وغيرها.
14ـ كلاهما كتب عنهما محبيهم تعظيماً اساء لهما. وأحد من كتب عن الوردي من محبيه قال عنه انه ابن خلدون العراق وما قرأ وهو يكتب رأي الوردي بانتهازية ابن خلدون
15ـالاثنين بحثا عن "الوساطة والتوسط" في بعض ما حصلوا عليه في مرحلة من مراحل حياتهما. ابن خلدون في المناصب و الحكومات و الوردي في البعثات و الوظائف
...............
كانت أعلاه النقاط التي اجتهدتُ في اعتبارها المتشابهات بين الرجلين. والان نعود الى ما قاله الراحل الوردي عن ابن خلدون حيث كل من قرأ للراحل الوردي او سمع منه يعرف علاقته بابن خلدون. ان اغلب او لنقل الكثير مما طرحه الوردي هو استنساخ لطروحات ابن خلدون قام بترحيلها على العراق... بعض هذا الترحيل كان قسرياً أو قسراً.
سأنقل حرفياً ما ورد في كُتب الراحل الوردي عن ابن خلدون وسأترك ملاحظاتي عليها ليطلع القارئ الكريم على النص والملاحظة لتكون الفائدة أعم من خلال طريقين الاول إعادة قراءة الوردي والثاني مناقشة ذلك ليكون الراحل بيننا وقريب منا لأنه هكذا كما اشعر وبالذات في هذه المرحلة الصعبة التي يمر بها العراق وتمر بها المنطقة. سأناقش حسب اجتهادي متأملاً التفاعل في المناقشة لنعرض للقارئ الكريم شيء عن شخصيتين مهمتين في تاريخنا ابن خلدون من التاريخ البعيد وعلي الوردي من تاريخنا الحديث. واعتذر سلفاً عن "الإطالة" وربما التكرار، حيث اجدها مهمة وضرورية للوضوح والتوضيح.
من كتاب دراسة في طبيعة المجتمع العراقي الصادر عام 1965/النسخة التي استعير منها تلك الصادرة عن دار ومكتبة دجلة والفرات/2013 ... في ص37 تحت عنوان فرعي: أهمية أبن خلدون ... كَتَبَ الراحل الدكتور علي الوردي التالي:
[أمتاز أبن خلدون بميزتين لم يماثله فيهما أحد من الباحثين الاجتماعيين في جميع الأمم: أولهما: أنه كان اول باحث في العالم درس المجتمع دراسة واقعية غير "وعظيه" وهو في ذلك سبق زمانه بخمسة قرون. الميزة الثانية أنه كان ولا يزال أعظم من درس المجتمع العربي على اساس من طبيعة تكوينه الخاص أي على أساس ما جرى فيه من صراع بين البداوة والحضارة. حين ندرس نظرية ابن خلدون نجدها في معظمها تدور حول المقارنة بين البداوة والحضارة وكيف حصل الصراع بينهما ولهذا جاز القول بأن هذه النظرية هي على الرغم من قدم زمانها خير مرجع لنا لدراسة المجتمع العربي انها انبعثت من طبيعة هذا المجتمع كمثل ما انبعثت النظريات الاجتماعية الحديثة من طبيعة المجتمع التي نشأت فيه. مهما يكن الحال فان هذا الذي نقوله عن نظرية ابن خلدون لا يعني انها كانت صحيحة او كاملة في جميع تفاصيلها انها كأية نظرية اخرى من النظريات العظيمة لا بد ان تحتوي على نقائص واخطاء كمثل ما تحتوي على ابداع واصالة. من هذه الاخطاء أنه عندما درس الصراع بين البداوة والحضارة في المجتمع العربي وظن أن هذا الصراع عام في جميع المجتمعات البشرية ولهذا رأيناه يحاول تفسير التاريخ البشري كله بأنه عبارة عن دورات متشابهة تتتابع مرة بعد مرة ولا يختلف فيها العرب عن غيرهم من الأمم. هو يصف كل دورة بأنها تنشأ من جراء هجوم البدو على الحضارة المجاورة فيؤسسون فيها دولة مزدهرة ولكن هذه الدولة تنحط وتضعف تدريجياً لما ينالها من الترف والنعومة حتى تسقط اخيراً أثر هجوم موجة بدوية جديدة عليها وهكذا يتوالى ظهور الدول وسقوطها مرة بعد مرة. أن هذه النظرية الخلدونية تصدق بدرجة كبيرة كما لا يخفى، على تاريخ المجتمع العربي وقد تصدق بدرجة أقل على تاريخ بعض المجتمعات الاخرى كما رأينا سابقاً. إنما هي على أي حال لا يجوز تعميمها على تاريخ جميع المجتمعات البشرية. وهناك خطأ أخر اقترفه ابن خلدون هو انه ظن بأن العرب أشد الامم بداوةً وبعداً عن الحضارة ولهذا رأيناه يصف العرب بكل ما يناقض صفات الحضارة من تخريب ووحشية وخشونة وما اشبه. وهذا الذي جعل بعض دعاة القومية العربية في عصرنا يذمون ابن خلدون ويوصون بحرق كتبه ونبش قبره باسم القومية. الغريب من ابن خلدون انه قال بذلك الراي المتطرف في العرب وهو يعيش في عصر كانت وحشية المغول وتخريبهم ملأ الأسماع والأبصار في كل مكان وقد اتيح له ان يكون في الشام عند اجتياح تيمورلنك لها وشهد مدى التخريب الفظيع والنهب والحرق والقتل الذي حدث فيها على يد التتر المتوحشين وكان ابن خلدون يعرف ماذا صنع تيمورلنك في المدن الاخرى وما صنع اسلافه ك "هولاكو وجنكيز خان" قبله] انتهى.
المناقشة: المقطع طويل و غني فضلت ان اجزئه للتوسع بمناقشته و كما التالي:
ج1.ورد أعلاه: [أمتاز أبن خلدون بميزتين لم يماثله فيهما أحد من الباحثين الاجتماعيين في جميع الأمم: أولهما: أنه كان اول باحث في العالم درس المجتمع دراسة واقعية غير "وعظيه" وهو في ذلك سبق زمانه بخمسة قرون. الميزة الثانية أنه كان ولا يزال أعظم من درس المجتمع العربي على اساس من طبيعة تكوينه الخاص أي على أساس ما جرى فيه من صراع بين البداوة والحضارة] انتهى.
اقـــول: انظروا الى ما نهى عنه العلماء وأقره وكتبه ونشره الراحل الوردي نفسه واقصد الاطلاق والجزم والقطع والتأكيد الذي اعتمده هنا. "لم يماثله أحد" و" في جميع الأمم"!!! كيف وقف الراحل الوردي على هاتين الميزتين عند ابن خلدون؟
اليكم رأي الوردي الصريح بهذا الموضوع حيث كتب في ص312 من كتاب دراسة في طبيعة المجتمع العراقي/الفصل 11/تحت العنوان الفرعي: ازدواج الشخصية في المدن: [...أن المنهج العلمي لا يعرف القطع والجزم والتأكيد بل هو يميل الى التشكيك والظن والترجيح عند ابداء رأي من الآراء وبغير هذا لا يمكن للعلم ان ينمو ويتطور يوماً بعد يوم] أنتهى:
ثم يعود الدكتور الوردي لنفس الامر حيث ذكر التالي:" أول باحث في العالم...الخ" و"أعظم من درس المجتمع العربي"
لو قال انه كان من أوائل الباحثين الاجتماعيين اوقال أنه من الذين درسوا...الخ. او قدَّم لما تفضل به بكلمات مثل اعتقد او أتصور او ربما او أنهى ما تفضل به ب "أتصور" أو "على الأرجح" او "هذا رأيي". لكان ادق وأصح وأفضل.
ثم ماذا يعني الوردي: (دراسة واقعية غير "وعظيه")؟ دراسة واقعية قد تكون مقبولة ومفهومة. لكن "غير وعظيه" ماذا تعني؟ هل تعني انها أسلوب او طريقة لدراسة المجتمع كان عليها مجايليه وسابقيه من علماء الاجتماع وهو" ابن خلدون" طَرَقَ غيرها فتميز؟
ماذا يقصد الوردي ب:"سبق زمانه بخمسة قرون"؟ لو قال الوردي ان عقل ابن خلدون او تحليل ابن خلدون سبق زمانه بخمسة قرون لكان الحال اصح ويتوافق مع ما يرغب به الراحل الوردي أو أرادهُ لأن هذا الاطلاق لا يتحدد بهذه الحالة انما بكل "ابن خلدون" وما ترك.
رأيي ان ابن خلدون قرأ ما كُتِبَ وسَمِعَ ما نُقِلَ شفاهاً عما حصل قبل زمانه بخمسة قرون او أكثر في بلاد المغرب وعايش ما جرى ويجري في بلاد الاندلس قبل الوردي بأكثر من خمسة قرون. عليه هو لم يسبق زمانه وانما عاد الى الوراء خمسة قرون ليأخذ ما يناسبه مما ترك الاقدمون اي اهل ذلك الزمان من دراسات وحكايات وآثار وكانت متيسره امامه لما كان عليه من موقع اداري/وظيفي وموقع وعظي ديني وموقع ادبي وعلمي فأخذ ما يريد وحلله وقارنه/ درسه وكتب ما توصل اليه في زمانه ووفق المعطيات التي كانت او التي استخلصها وصاغ تصوراته وفق فهمه وفهم زمانه اما إذا جاء بعد ذلك من يؤيد تلك الصياغات او الفرضيات بعد زمانه بخمسة قرون واكثر" كما عاد الراحل الوردي الى خمسة قرون" فهذا لا يعني ان ابن خلدون سبق زمانه بخمسة قرون. لأن ما جاء به ابن خلدون فرضية او اجتهاد يحتمل او تحتمل الصح والخطأ وعلى قول الوردي المأثور: "انها قد تَصُحْ اوقد لا تَصُحْ" والتواجد في الزمان كما أتصور لا يتحدد بعبارة واحدة او صفحة واحدة او فكرة واحدة من بين الاف الدراسات أو الآراء والأفكار...هكذا أتصور و" قد يصح هذا التصور اوقد لا يصح".
ومِنْ مَزجْ الميزتين اعلاه نستخلص ان الراحل الوردي يعلن هنا ان ابن خلدون كان وما يزال من أعظم الباحثين الاجتماعيين في كل الأمم ممن درسوا "المجتمع العربي" دراسة واقعية غير "وعظيه"...
السؤال الذي يقفز هنا هو: هل هناك باحثين اجتماعيين "كانوا" سبقوا او زاملوا او جايلوا ابن خلدون درسوا "المجتمع العربي" بطريقة أخرى ربما "وعظيه" وجاء ابن خلدون فدرس المجتمع العربي دراسة غير وعظيه وعلى أساس من طبيعة تكوينه الخاص أي على أساس ما جرى فيه من صراع بين البداوة والحضارة حتى يتفرد ابن خلدون بتلك الميزة؟ يمكن ان يُفهم من هذه الصيغة بأن ابن خلدون ليس الوحيد لكنه الأعظم والأول والأوحد والأزلي.
انا هنا وفي التاليات لا اريد ان يتيه القارئ في أمور جانبية ...بل اريد ان يعرف ان الوردي درس ابن خلدون او قرأ ابن خلدون بتقديس غريب وبتطرف كما هنا. اعتقد ان هذا ليس ببحث علمي او دراسة واعتراضي هنا على صيغة التعظيم والتقديس التي بها الوردي هنا مع ابن خلدون والتي جعلت الوردي يكتب بعاطفة كما كُتِبَ عنه (الوردي) بعد ذلك من قِبَلْ محبيه. واُثيرُها هنا لأن الراحل الوردي سيعود ليذم ابن خلدون بتطرف لا يقل عن تطرفه في تعظيمه دون حتى محاولة ولو بسيطة كما يبدو لتفهم موقف ابن خلدون او وفق الشك بما نُقل من حوادث او مواقف نُسبت الى ابن خلدون... فالمتوفر هنا ركيك في ذم ابن خلدون.
اين وجد الوردي من كان يشير الى "المجتمع العربي" وقت ابن خلدون او وقت الفتوحات او الغزوات الإسلامية "البدوية"؟
بل هل كان هناك "مجتمع عربي "في بلاد المغرب عند الفتوحات الإسلامية او حتى على أيام ابن خلدون؟
اعتقد انه لا يوجد "مجتمع عربي" وقت ذاك حتى درسه ابن خلدون... ولا يوجد "مجتمع عربي" تعرض للفتوحات او الغزوات الإسلامية او الاحتلالات "البدوية" حيث أن كل البلدان التي خرج عليها او اليها البدو العرب في الفتوحات او الغزوات او الاحتلالات الإسلامية ليست عربية انما صار في بعضها بعض عرب على أيام ابن خلدون. ويمكن لي ان أقول "وهو اجتهاد" ان ما جرى كان وربما ما يزال هو صراع بين بداوة عربية وحضارة غير عربية في مجتمع غير عربي.
ان كان الراحل الوردي على قناعة تامة بوجود "مجتمع عربي" وقتذاك فهذا يفرض عليه في حينه ان يبين حدود ذلك الجغرافية والثقافية ويبين بوضوح وأسانيد هل كانت الثقافة الاجتماعية السائدة وقت ابن خلدون وقبله بأكثر من خمسة قرون هي الثقافة الاجتماعية البدوية؟
أبن خلدون كما قلت اعلاه دَرَسَ او سَمِعَ او قرأ عن تأثير البدو الغزاة/الفاتحين /المحتلين على المجتمعات التي وصلوا اليها /فتحوها / غزواها /احتلوها. وهي ليست "مجتمعات عربية" او" مجتمع عربي" فكل خروج للمسلمين من جزيرة العرب كان الى بلدان غير عربية فلا يجوز ان نقول "مجتمع عربي "المجتمع العربي هو المجتمع البدوي فقط والمحدد بشبه جزيرة العرب. علماً أن هناك بدو غير عرب اولئك الذين وصلت جيوشهم الى بلدان صار فيها عرب مثل العراق والشام.
اليكم التالي أتمنى ان تقارنوا ما يرد فيه مع عبارة الوردي أعلاه حيث كتب الراحل الوردي في / كراسة شخصية الفرد العراقي/بحث في نفسية الشعب العراقي على ضوء علم الاجتماع الحديث/1951 ص15 التالي: [أن من دواعي الفخار لنا حقاً أن نجد أن الحضارة الاسلامية قد أنتجت مفكراً يختلف في هذا الصدد عن غيره من القدماء هو المفكر العربي المشهور عبد الرحمن ابن خلدون. فقد حاول هذا المفكر ان يدرس شخصية الانسان لا على اساس الموعظة والارشاد كدأب الناس قبله. بل على اساس الحقيقة الراهنة التي لا محيص عنها] انتهى.
لقد حدد الراحل الوردي هنا الحضارة الإسلامية وليس العربية. وتكلم عن الانسان بشكل عام ولم يخصص الانسان العربي وعن محاولة مفكر عربي اسمه ابن خلدون...اي انها في نظره حتى عام 1951 محاولة وليست نظرية ...ولا اعرف هل ان الراحل الوردي حسم موضوع الانتساب او الانحدار القومي لأبن خلدون من انه عربي او امازيغي...لم يقدم لنا دليل غير ما منشور وهو ضعيف ومختلف عليه.
واكرر استغرابي هنا بسؤال: هل هناك دراسة مجتمع تتم بطريقة القاء المواعظ او الارشادات؟؟؟
وتطرق الراحل الوردي الى "الحقيقة الراهنة" التي كانت أساس دراسة ابن خلدون؟
وهنا يحق لي ان اسأل: هل ما جاء به ابن خلدون مطابق للواقع؟ اوهل استمر الواقع الذي أنتج تلك الحقيقة متواصلاً منذ ما قبل ابن خلدون بأكثر من خمسة قرون الى ما بعده بأكثر من خمسة قرون؟ وهل عاش ابن خلدون ذلك الواقع /الحقيقة أو اقترب منها او منه؟ هل يُعقل أن الحضارة "دائمة الحركة والتطور والتَّغير" عجزت لأكثر من عشرة قرون على أن تُغير ما بأنفس او أعماق البدو وهل يٌعقل حصول العكس؟
على كل الأحوال كل ما في تلك الرحلة الطويلة لأكثر من عشرة قرون تنفي عبارة: [...بل على أساس الحقيقة الراهنة التي لا محيص عنها]. لا اعرف أسباب اختيار الراحل الوردي الى كلمة او مفهوم "راهنة" هل يقصد بها الدوام/الثبات وهذا ما اعتقد او يقصد بها الحضور/الحاضر "وقت ابن خلدون"...لأن الحقيقة/الواقع متحركة/ متحرك خلال مسافة زمنية تجاوزت العشرة قرون.
اعتقد ان الراحل الوردي اعتبر ذلك "حقيقة راهنة لا محيص عنها" لأنها تطابقت مع ما يريد أو مع ما أراد أن يكون أساس لما جاء به بعد ذلك وهذا ليس بجديد او مستغرب عن أو على الراحل الوردي.
ج2.ورد اعلاه: [حين ندرس نظرية ابن خلدون نجدها في معظمها تدور حول المقارنة بين البداوة والحضارة وكيف حصل الصراع بينهما ولهذا جاز القول بأن هذه النظرية هي على الرغم من قدم زمانها خير مرجع لنا لدراسة المجتمع العربي انها انبعثت من طبيعة هذا المجتمع كمثل ما انبعثت النظريات الاجتماعية الحديثة من طبيعة المجتمع التي نشأت فيه] انتهى
مناقشة: انها فرضية/رأي أو فرضيات/آراء ابن خلدون وليست نظرية تلك التي كانت تدور حول المقارنة بين البداوة والحضارة وكيف حصل الصراع بينهما... كذلك فأن ابن خلدون لم يحدد البداوة العربية و"الحضارة العربية" فقط. وهنا التحريف القسري لفرضية ابن خلدون الذي تعمده الوردي. ابن خلدون تكلم عن كل بداوة وحضارة والوردي حصرها في البداوة العربية و"الحضارة العربية". وحتى لو شملها ابن خلدون وبنى على ما سمع عنها لكنه لم يتحدث عن صراعها مع "الحضارة العربية "لأنه اصلاً لا توجد حضارة عربية تعرضت لغزو بدو عرب والجميع بما فيهم ابن خلدون والوردي يعرفون ان هناك بدو غير عرب اجتاحوا بلدان مختلفة من بعضها بلدان فيها بعض عرب "غزوات المغول وتيمورلنك". يمكن ان نقول انه صراع بين الحضارة الوافدة مع البداوة الراسخة هذا بالنسبة ل "لمجتمع العربي".
ثم لا يمكن ان نقول على اوعن ما تركه ابن خلدون بانها انبعثت من طبيعة هذا المجتمع ويقصد الوردي هنا "المجتمع العربي". ربما وردت عبارة "هذا المجتمع "في طروحات ابن خلدون لكنه لا يقصد ما أطْلَقَ عليه الوردي تحريفاً "المجتمع العربي". انها انبعثت من المجتمع الذي عاش فيه ابن خلدون وكتب ما كتب فيه وكان في جزء من تلك الفترة مغرم بالأندلس وما عاش هناك.
نعم يمكن ان تكون طروحات أو آراء ابن خلدون تلك مرجع لدراسة حالة المجتمعات التي صارت لغتها الرسمية عربية بمرور الوقت بعد وفاة ابن خلدون بقرون وتنفع في دراسة كل مجتمع تعرض للغزو البدوي لكنها غير متخصصة ب "المجتمع العربي" وليست كافية كي يُعتمد عليها وتأخذ هذا الحيز الواسع عند الوردي وعند المغرمين به.
يتبع لطفاً.
عبد الرضا حمد جاسم
2076 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع