قاسم محمد داود
استدعاء التاريخ ووهم البطولة
العلاقة بين الطائفية واستدعاء التاريخ علاقة وثيقة ومعقدة، تتجسد في كيفية استخدام الأحداث التاريخية لتغذية النزاعات الطائفية وتعزيز الهوية الجماعية ومن نافلة القول، أن استدعاء التاريخ لغرض التوظيف السياسي قضية ليست بجديدة. لكن خطورة هذا الاستدعاء يزداد ترويعاً حين يتم استدعاء التأريخ بأشخاصه وظرفه، في محاولة لجعل أحياء اليوم يعيشونه لا من أجل أخذ التجربة والعبرة وإنما من أجل مصالح شخصية وسياسية، وبهذا النوع من الاستدعاء تبرز صناعة تهديد السلم الأهلي، لاسيما حين يتم فرضه على فئات اجتماعية لا تؤمن به أو ترفضه مما يدفعها نحو استدعاء تاريخي آخر، فتولد صراعاً قرابينه أجيال الحاضر ليكون امتداد لصراع يستمد وجوده من أجيال الماضي الغابر، وحتماً سيؤدي إلى تقسيم المجتمع ويلغي العدالة الاجتماعية والمساواة بين أبناء الشعب، والصراعات والعنف، كما أنه سيضعف الدولة ويعطل التنمية الاقتصادية، ومن نتائج ذلك تحدث الهجرات وعمليات التهجير ويسمح بالتدخلات الخارجية في الشؤون الداخلية للبلاد ويضعف الهوية الوطنية. الامم الماضوية او التي تَعلق في التاريخ عادة هي الأمم غير المنتجة التي لم تستطع تجاوز تحدي الحاضر فتهرب إلى التاريخ لتبحث عن شرعيتها او لغاية صنع أعداء وهميين أمام عجز الحاضر او الفشل في التكيف مع محيطها العام. من يمشي وهو ينظر إلى للخلف لا بد وأن يتعثر في مشيته ولن يستطيع أن يصل إلى مراده..
عندما تكون الحكومة قائمة على أسس طائفية، يمكن أن تنشأ العديد من المضار والمخاطر التي تؤثر سلبًا على المجتمع والدولة. من أبرز هذه المضار والمخاطر:
أن الحكم الطائفي يؤدي إلى تقسيم المجتمع على أسس طائفية وإثنية، مما يعزز الانقسامات ويضعف النسيج الاجتماعي. فينمو الانقسام والشعور بالعداوة بين المكونات المختلفة للمجتمع.
في الأنظمة الطائفية، تتعرض بعض الطوائف للتمييز والاضطهاد، مما يؤدي إلى انعدام العدالة والمساواة في الفرص الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. عندما يتم تفضيل طائفة على أخرى في الوظائف والمناصب العامة، مما يسبب شعورًا بالظلم والاستياء.
الحكم على أسس طائفية يزيد من احتمالات نشوب الصراعات والعنف بين الطوائف المختلفة. حيث يتم استغلال الطائفية لتبرير العنف والتطرف، مما يؤدي إلى حروب أهلية ونزاعات طويلة الأمد.
النظام الطائفي يؤدي إلى ضعف الدولة ومؤسساتها، حيث تصبح المؤسسات العامة خاضعة لنفوذ الطوائف المسيطرة بدلاً من أن تكون خادمة لجميع المواطنين. وهذا يضعف الحوكمة ويؤدي إلى فساد إداري وسياسي.
الانقسامات الطائفية تؤدي إلى عدم استقرار سياسي واجتماعي، مما يعطل التنمية الاقتصادية ويعيق الاستثمارات. الشركات والمستثمرون يترددون في الدخول إلى بيئات غير مستقرة ومنقسمة.
كما أن الفئات المتضررة من التمييز الطائفي قد تلجأ إلى الهجرة بحثًا عن حياة أفضل، مما يؤدي إلى نزوح العقول والكفاءات وخسارة الموارد البشرية القيمة للدولة.
الطائفية تجعل الدولة عرضة للتدخلات الخارجية، حيث يمكن للقوى الإقليمية والدولية استغلال الانقسامات الطائفية لتعزيز نفوذها ومصالحها، مما يزيد من تعقيد الأوضاع الداخلية.
التركيز على الهوية الطائفية يضعف الهوية الوطنية الجامعة، مما يؤدي إلى تفكك الروابط الوطنية ويعيق بناء دولة متماسكة ومتقدمة.
الحكم على أسس طائفية يحمل مضارًا كبيرة ومخاطر متعددة تهدد وحدة واستقرار المجتمعات والدول. تحتاج المجتمعات إلى تعزيز المواطنة المتساوية وبناء أنظمة حكم تعتمد على الكفاءة والعدالة لتجنب هذه المخاطر.
أن إقامة الدول على أساس المواطنة يضمن التقدم والازدهار بشكل أكبر مقارنة بإقامتها على أساس المكونات الطائفية أو الإثنية. الأسباب التي تجعل المواطنة أساسًا أفضل لتحقيق التقدم والازدهار كثيرة، الأنظمة المبنية على المواطنة تعني العدالة والمساواة لإنها تضمن حقوقًا متساوية لجميع الأفراد بغض النظر عن انتماءاتهم الطائفية أو الإثنية. هذا يعزز الشعور بالعدالة والإنصاف ويقلل من التمييز والاضطهاد. وضامنة للوحدة الوطنية بتركيزها على الهوية الوطنية الشاملة الأمر الذي يعزز الوحدة بين مختلف فئات المجتمع، الأنظمة التي تقوم على أساس المواطنة تكون أكثر استقرارًا لأن السياسات والتوجهات لا تركز على الانقسامات الطائفية، بل على المصالح الوطنية العامة. هذا يقلل من احتمالات نشوب النزاعات الطائفية ويعزز السلام الاجتماعي. مما يخلق مجتمعًا متماسكًا وقويًا قادرًا على مواجهة التحديات المشتركة بشكل فعال. وفي الدول القائمة على أساس المواطنة، يتم اختيار الأفراد للمناصب بناءً على كفاءاتهم وجدارتهم وليس بناءً على انتماءاتهم الطائفية. وهذا يؤدي إلى إدارة أفضل واستخدام أكثر فعالية للموارد البشرية.
وفي المقابل فإن دولة المواطنة تعني بيئة مستقرة ومتماسكة تشجع على الاستثمارات والتنمية الاقتصادية. الشركات والمستثمرون يفضلون العمل في دول تتمتع بالاستقرار السياسي والاجتماعي وتكافؤ الفرص. دولة المواطنة تكون أقوى في الأنظمة التي تعتمد على المواطنة، حيث يتم تطبيق القوانين بشكل عادل على جميع المواطنين دون تمييز. هذا يعزز الثقة في المؤسسات الحكومية ويؤدي إلى تحسين الخدمات العامة.
الأنظمة المبنية على المواطنة تعزز الهوية الوطنية الجامعة، مما يساهم في بناء دولة قوية تعتمد على التنوع كقوة وليس كمصدر للانقسام.
في بيئة تتسم بالمساواة والعدالة، يشعر الأفراد بحافز أكبر للإبداع والابتكار، مما يساهم في تحقيق التقدم التكنولوجي والعلمي والاجتماعي.
باختصار، إقامة الدول على أساس المواطنة يوفر بيئة أكثر عدالة واستقرارًا وكفاءة، مما يسهم في تحقيق التقدم والازدهار بشكل أفضل من الأنظمة القائمة على أساس المكونات الطائفية أو الأثنية.
نستنتج مما قدمنا من سلبيات الأنظمة التي تعتمد نظام المكونات والطوائف وأن استدعاء الأحداث التاريخية واستخدام الطائفية من قبل الحكام يعني خدمة مصالحهم وتثبيت انظمتهم، هو قول صحيح إلى حد كبير. وهناك عدة أسباب تدعم هذا الرأي:
الحكام يستخدمون الانقسامات الطائفية لتقسيم المجتمع إلى فئات متنازعة، مما يسهل عليهم السيطرة عليه، عندما يكون المجتمع منقسمًا، يكون من الصعب عليه توحيد الجهود للإطاحة بالحاكم أو تحدي النظام القائم ويستغلون الطائفية لصرف انتباه الناس عن القضايا الحقيقية مثل الفساد، سوء الإدارة، والفشل في تقديم الخدمات العامة. بتركيز الناس على الصراعات الطائفية، يمكن للحكام تجنب المساءلة والمحاسبة. ويكون من السهل أن يعززوا ولاء مجموعات معينة من خلال منحهم امتيازات خاصة على حساب المجموعات الأخرى. هذا الولاء يساعد في تثبيت النظام وتقوية قاعدة الدعم للحاكم.
باستخدام الطائفية، يمكن للسلطة إضعاف المعارضة من خلال تقسيمها على أسس طائفية. هذا يضعف قدرة المعارضة على التنظيم والعمل بفعالية ضد النظام الحاكم. ويتم تبرير الإجراءات الاستبدادية والقمعية بحجة حماية الطائفة أو الجماعة من تهديدات حقيقية أو متخيلة. هذا يوفر ذريعة للقمع وتبرير السياسات غير الديمقراطية. وتستدعى الأحداث التاريخية التي تبرز الظلم أو المعاناة التي تعرضت لها طائفة معينة لتعزيز الشعور بالخوف والحاجة إلى حماية النظام القائم كضمانة للأمن والاستقرار.
التركيز على الانقسامات الطائفية من قبل المجموعة الحاكمة يمنع ظهور حركات إصلاحية ووطنية قوية قادرة على تحدي النظام الحاكم والمطالبة بالتغيير السياسي والاجتماعي.
ويستخدم النظام الحاكم وسائل الإعلام والمناهج التعليمية لنشر الروايات الطائفية وتكريس سرديات معينة تخدم مصالحهم، مما يساعد في تثبيت النظام وتعزيز الولاء الشعبي.
في الختام، استدعاء الأحداث التاريخية واستخدام الطائفية يخدمان بشكل كبير مصالح الحكام في تثبيت أنظمتهم وتعزيز سيطرتهم على المجتمع. هذا الاستخدام الاستراتيجي للطائفية يؤدي إلى تقوية السلطة الحاكمة على حساب الوحدة الوطنية والاستقرار الاجتماعي...في الختام ليس لنا إلا أن نقول، الحكمة نائمة رحم الله من أيقظها.
803 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع