مؤيد عبد الستار
محي الاشيقر في سوسن أبيض
في قصصه التي ابدعها في مهجره الاخير - السويد - يتناول الواقع الذي يعيشه المهاجر ، ويتخذ من أجواء مدينة مالمو ، المدينة الثالثة من مدن السويد بعد العاصمة ستوكهولم وغوتنبرغ ، اطارا لبعض الجوانب الحياتية التي يرسمها لشخوصه.
يصف مدينة مالمو في قصة نار لائذه بالخزف : ( في مالمو ثمة منطقة خاصة بسكن المهاجرين واللاجئين. في أحد أطراف هذه المنطقة هناك مجمع سكني يضم بقايا أفارقة وبلقان وعرب وأقوام أخرى ....) ص 31
نلاحـظ في هذه الفقرة وصفه للمهاجرين بانهم ( بقايا ). يختصر الاشيقر وجود المهاجر ، فهو ليس كامل التكوين وانما بقايا قوم أو بقايا انسان أو إن شئت بقايا بشر . جرد بكلمة واحدة ، المهاجر من صفاته الايجابية التي يعتد بها ، وتركه بلا أرض ولا سماء .
كذلك يجرد المنفى من مضمونه حين يصفه في هذه القصة :( الملجأ ، كثيرا ما أجده كاستخدام أسلم وأغنى في انطوائه على معاني الوحشة والانعزال أكثر من لفظ " المنفى " .أما استخدام ( المنفى ) فأشك إن بقي يدل على شيء لشدة اهترائه من كثرة الاستخدام كحال كلمة ( وطن ) ....ص16
عاش الاديب الراحل محي الاشيقر في لبنان يوم غادر العراق اواسط السبعينات وعمل في الصحافة الفلسطينية ، ثم انتقل الى سوريا وفيما بعد هاجر الى السويد،عاش وشهد ويلات العراقيين في منافيهم ومهاجرهم ، لذلك لا تخلوا قصصه من أحداث ووقائع وشخوص من تلك البيئة التي خبرها في منافيه إضافة الى كونه ابن مدينة كربلاء التي شهدت انتقام النظام الصدامي والمصائب التي جرت على المدينة وسكانها .
نلمس حرصه على ابراز شخوص واحداث يرصدها ويتناولها عن قصد كي يبرز وجودها ليلفت الانتباه اليها. يشير الى المترجمة الكردية الفيلية روناك، في قصة الدور الاخير ص66 ويقتبس من مأساة تهجير الكرد الفيلين هذا المشهد ( جرت مصادرة البيوت والعقارات عموما . البقية الباقية من الفلذات وصغار السن جرى التقاطهم أنفارا وجماعات من المدارس والشوارع وأماكن العمل ووضعوا في مواقع ومعامل ومنشآت لايمكن التعرف عليها بسهولة ، فهي بمثابة غرف وقاعات درس مخصصة لاختبارات دقيقة وغاية في السرية ،( قطرة من السيانيد تنزل بين رئتي المترجمة الكردية) ،أما النماذج والوجوه المعروفة التي ظفر بها عرضا أو بعد تخطيط وتربص فقد تعرضوا الى أهوال ....) ص 67
لا ينسى الاشيقر أن المهاجر فقد أهم شيء في حياته ( نحن الان بلا اوطان ، هذا يعني اننا أقل احساسا بالموت ، أو أحياء رغما عنا. وبالتالي ما من ضرورة للتعرض الى الامور التي زالت وانمحت .)ص68
غيب الموت قبل أشهر الاديب والصحفي محي الاشيقر بعد عودته من منفاه السويدي الى مدينته كربلاء وكأنه اختار أن يسكن قريبا من أناشيد القراء وآذان المنائر الذهبية كما وصفها في قصة مقتبل النسيان في كتابه أصوات محذوفة** ( كان على كربلاء أن تنزع العماء الاول الذي تفشى في أرواحنا وعيوننا . لم يكن ذلك هينا ، فكان على السلالة أن تفتح لنا الدروب،فجاءت التي تفضي والتي تصد )ص18
...........................
*سوسن أبيض ، محي الاشيقر، قصص، دار شرقيات، القاهرة 2008 .
** أصوات محذوفة ،محي الاشيقر، قصص ، كوبنهاغن 1994
838 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع