سمير عبد الحميدً
المسيرالى النهروان
قال الخطيب البغدادي في كتابه تاريخ بغداد عن الجسور في بغداد العباسية :(( في سنة سبع وخمسين ومئة، ابتنى ابو جعفر(المنصور)قصره الذي يعرف بالخلد،وفيها عقد الجسر عند باب الشعير)) .فهو اول جسر قد بني في بغداد ولم يكن قبله اي جسر قد بني، ثم توالى بناء الجسور بعد جسر ابي جعفر هذ، وكان اخر جسر قد عقد في اواخر الدولة العباسية سنة 623هـ بناه الخليفة الظاهر بن الخليفة الناصرلدين الله العباسي .يقول المؤرخ البلاذري في كتاب انساب الاشراف :((ان الامام علي رضي الله عنه لما قصد النهروان لمحاربة الخوارج رأى ان يمضي من معسكره بالنخيلة، وقد كان قد عسكر بها –حين جاء خبر الحكمين-الى الشام ،....فسار بهم الى الانبار ،واخذ على قرية (شاهي) ثم على (دباها) من الفلوجة ثم الى (دمما) ولما بلغه خبر ابن خباب بعث اليهم الحارث بن مرة العبدي ليتعرف حقيقة مابلغه عنهم فلما اتى(الحارث) النهروان وقرب منهم خرجوا اليه فقتلوه، فبلغ ذلك عليا ومن معه ،فقالوا له:(ما تركنا هؤلاء وراءنا يخلفونا في اموالنا وعيالاتنا بما نكره،فسر بنا اليهم فاذا فرغنا منهم سرنا الى عدونا من اهل الغرب(الشام) فان هؤلاء احضر عداوة وانكى حدا).واتى علي المدائن ثم اتى النهروان.ان مسير الامام علي للنهروان قرب بعقوبة با لجهة الشرقية لنهر دجلة قد اتخذ مسارا لم تتطرق اليه المصادر التاريخية، ولكن هناك بعض الادلة الخططية قد حددت هذا المسير، فورود موقع (دمما)كما ورد عن البلاذري والتي هي قرية كبيرة كانت مأهولة بالسكان، تقع على نهر الفرات، قرب الفلوجة، اُشتهرت بقنطرتها التي عرفت بقنطرة دمما والتي عليها خمسة أبواب واحد كبير وأربعة صغار، وتحتها نهر عيسى الذي يجري إلى بغداد فيسقيها) ومن الطبيعي ان يسلك الامام بجيشه مسار نهر عيسى الذي كان يسمى ايام الامام علي باسم نهر الرفيل والذي كان يسقي هو وفروعه سيحا المزارع والبساتين الواقعة على اطرافه وينتهي الى دجلة وقد صار هذا النهر الكبير يعرف في العهد الاسلامي باسم نهر عيسى نسبة الى عيسى بن علي عم المنصور.وكان عند مصب نهر الرفيل في دجلة قصر ساساني يعرف باسم قصر سابور وكان قد نصب عنده جسر يصل الجانب الشرقي بالغربي من دجلة وقد ذكر البلاذري ان المسلمين عبروا هذا الجسر عند غزوهم لهذه المنطقة وكان عبورهم سنة 12هـ بقيادة النسير بن ديسم فقد عبروا اولا من الجانب الغربي من دجلة الى الجانب الشرقي ثم من الجانب الشرقي الى الجانب الغربي وجرت بين المسلمين والفرس وقعة قرب تل عقرقوف كان النصر فيها للمسلمين.
وبعد انتهاء معركة النهروان رجع الامام الى الكوفة متخذا نفس المسار السابق والدليل انه اثناء رجوعه قد مر على محلة تسمى قطفتا وهي محلّة كبيرة ذات أسواق بالجانب الغربي من بغداد مجاورة لمقبرة الدير التي فيها قبر الشيخ معروف الكرخي، رضي الله عنه، بينها وبين دجلة أقلّ من ميل وهي مشرفة على نهر عيسى إلا أن العمارة بها متصلة إلى دجلة بينهما القريّة محلة معروفة .وقطفتا بقي موضعها يعرف بهذا الاسم حتى اواخر الدولة العباسيةالا ان مساحتها قد تقلصت بحيث اصبح القسم القريب من دجلة يسمى برقة ابن دحروح والتي ذكرها ياقوت بقوله: هي البستان المقابل للتاج من دار الخلافة ببغداد وهي بالجانب الغربي وهو بستان عظيم جدا جليل القدر.و جاء في كتاب الامامة المنسوب للمسعودي المؤرخ ان الامام علي مر بقرية قطفتا -عند رجوعه من النهروان- وشكا اهلها اليه كثرة الخراج الموضوع عليهم. وفي مكان من قطفتا وبالقرب من شاطيء دجلة دفن الامام ابنه عون واخيه معين .يقول ابن الساعي بكتابه المقابر((مشهد عون ومعين ،وهما ولدا علي عليه السلام وهو موضع قديم بباب مشرعة الكرخ وفيه قبر عليه ملبن خشب يقصده الناس للزيارة والتبرك والدعاء عنده، ويقال ان سلجوقي خاتون بنت قلج ارسلان ابن مسعود ملك الروم زارت المشهد وسالت زوجها الامام الناصر لدين الله ان يبني لها تربة تجاور هذا المشهد فوقع الشروع فيها، فتوفيت ودفنت بها .وعون هو ابن علي بن ابي طالب من اسماء بنت عميس الخثعمية اما معين فليس من ابناء الامام علي ولعله احد حفدته .وذكر ابن جبير هذا المشهد في رحلته حينما وصف الجانب الغربي من بغداد فقال(( وفي الطريق الى باب البصرة، مشهد حفيل البنيان داخله قبر متسع السنام مكتوب عليه هذا قبر عون ومعين من اولاد امير المؤمنين علي بن ابي طالب رضي الله عنه)) ويقول الدكتور مصطفى جواد رحمه الله ان هذا الموضع يسمى اليوم (شريعة خضر الياس). ان مرور الامام وجيشه من جسر خضر الياس الحجري- بعد رجوعه من النهروان- يجعل من روايةزيارته الى براثا (جامع المنطقة حاليا)،والذي هو من مساجد العراق القديمة وكان ديرا نصرانيا في السابق ويحوي مقبرة، ويقع في جانب الكرخ من بغداد في منطقة العطيفية ببداية الطريق بين بغداد ومدينة الكاظمية.غير مستساغة كون الجامع يبعد حوالي 3كم من الجسر الحجري، وكذلك قصة تحول الدير الى مسجد غير مقبولة،اذ تقول الرواية: ان الامام عند مروره بهذا المكان عام 37هـ وإقامته فيه أربعة أيام وذلك لدى عودته من واقعة النهروان ومعه ولداه الحسنان(عليهم السلام) ونحو مائة ألف رجل من أصحابه. وقد اقتلع بيده المباركة من موضع فيه صخرة صماء سوداء اللون فنبع من مكانها ماء قراح ألذ من الزبد وأحلى من الشهد استحال فيما بعد إلى بئر ولا يزال الناس إلى يومنا يستشفون به وبالصخرة ذاتها بواسطة أخذ الماء من البئر وسكبه في نقرة وجدت على وجه تلك الصخرة كمثل إناء ومن ثم غرفه وسقي المرضى والأطفال الذين يتأخر نطقهم فيشفون وتنحل عقد ألسنتهم إذا ما شربوا من ذلك الماء القدسي ببركة تلك الصخرة وكرامة قالعها ومشيئة الله العلي العظيم.. ولقد جرب عدة أشخاص ذلك بأنفسهم وكانت النتائج أكثر من رائعة ومذهلة إذ أصبح الطفل الذي كان بالكاد ينطق بكلمة يتكلم بطلاقة ولباقة شديدة وذكاء مفرط أيضا بعد أن نبع الماء وشرب القوم وتوضئوا .الغريب في هذه الرواية هو امكانية تزويد جيش الامام بالماء لشتى الاغراض من نهر دجلة القريب جدا من مسجد براثا.
878 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع