الربـيع - إحتفالية عالمية

مجيد ملوك السامرائي*

الربـيع - إحتفالية عالمية

إحتفل السومريين بأعياد الربيع في أرض الرافدين منذ عصر (أريدو-5300 ق.م) باسم (زاكموك) وكان يُحتفل به مرتين خلال العام الواحد في الربيع والخريف، أما الساميون الذين سكنوا العراق القديم فقد إختاروا له تسمية (أكيتو) وتعني (الحياة) في اللغة السريانية الآرامية.

الربيع والأحوال المناخية
الربيع مفهوم مناخي- جغرافي يقع بين الفصل البارد والفصل الحار ويتميز بالتغير مابين درجات الحرارة الشتوية ودرجات الحرارة الصيفية في نصف الكرة الأرضيّة الشمالي وتوقيته بأشهر أذار/ مارس ونيسان/ أبريل ومايس/ مايو من1 مارس إلى 31مايو، أما في نصف الكرة الأرضيّة الجنوبي فتوقيته من 1 أيلول/ سبتمبر إلى 30 تشرين ثاني/ نوفمبر، وفلكيّاً يبداء مع الاعتدال الربيعيّ الذي يكون عادةً في 21 مارس في نصف الكرة الأرضية الشماليّ وفي 22 سبتمبر في نصف الكرة الأرضيّة الجنوبيّ ويستمرّ حتّى وقت الانقلاب الصيفيّ، حيث يكون محور الأرض في فصل الربيع مائلاً نحوَ الشمس لذلك يزدادُ طول النهار ويقلّ خلال فترة الليل، وتحدث ظاهرة الاعتدال مرتين في السنة حيث تصطف الأرض مع مدارها حول الشمس مرة في 20 آذار ويسمى الاعتدال الربيعي ومرة أخرى في 23 أيلول ويطلق عليه الاعتدال الخريفي حيث تكون الشمس مباشرة فوق خط الاستواء ويتساوى نصفا الكرة الشمالي والجنوبي في النهار والليل، وكل كواكب النظام الشمسي لديها هذه الاعتدالات عندما يؤدي مدار الكوكب وميله بالنسبة للشمس إلى تلقي كلا نصفي الكوكب كميات متساوية تقريبا من الضوء، والاعتدال ظاهرة فريدة يكون خلالها نهار وليل الأرض متساويين في الطول مما ينتج عنه 12 ساعة من ضوء النهار و12 ساعة من الليل في كل جزء من أجزاء الأرض وهذا ليس بحال الأيام الأخرى من السنة، حيث يتسبب ميل الأرض بزاوية 23.5 درجة في اختلاف طول النهار والليل وذلك حسب فصول السنة والموقع الجغرافي الفلكي لأقسام الأرض، وفي الوقت الذي يبدأ فيه الربيع بفعل الدفء الناتج عن ميل محور الأرض نحو الشمس يتأثر الطقس في كثير من مناطق العالم بظواهر غير مستقرة ويرتبط ذلك بمجموعة من الاتجاهات المتعلقة بدورات وظواهر جوية طويلة المدى تحدِّثها التيارات القادمة عبر المحيطات والمرتبطة بتغير درجة حرارة المحيطات ذاتها كظاهرتي (النينو، والتذبذب الجنوبي) اللتين تم بصددهما إجراء العديد من الأبحاث العلمية الجغرافية والجيوفيزيائيه، ويشهد الطقس خلال فصل الربيع حالة من عدم الاستقرار وذلك عندما يبدأ الهواء الدافئ في الهبوب من وقت لآخر من المناطق القريبة من خط الاستواء بينما لا يزال الهواء البارد يهب أيضاً من المنطقة القطبية وهذا ما يؤدي الى حدوث الفيضانات في المناطق الجبلية وبالقرب منها بفعل مياه الثلوج الذائبة، وفي الولايات المتحدة وتحديداً في المنطقة التي يطلق عليها زقاق الأعاصير تكون أعاصير (التُرنادو) أكثر نشاطًا في هذا الوقت من العام لأن سلسة جبال روكي تمنع الكتل الهوائية المتدفقة سواء الباردة أم الدافئة من التدفق شرقًا وتدفعها بدلاً من ذلك إلى التصادم المباشر مع بعضها البعض، كما تهب رياح عاتية للغاية وعواصف رعدية عملاقة.[1]
الربيع تجديد لكل المخلوقات
يرتبط مفهوم فصل الربيع مناخيا بمجموعة من الظواهر مثل تتفتح زهور العديد من الفصائل النباتية أو الأنشطة الحيوانية كالهجرة والتزاوج، ويُنْظر للربيع على أنه وقت النمو والتجديد والنشاط والحيوية لكافة المخلوقات بما في ذلك النباتات والحيوانات وهنالك ارتباط وثيق بين جميع الكائنات الحية في هذا الفصل كالتكاثر وأُزهار النباتات، أن خروج الإنسان من الظروف التي يواجهها في الشتاء واستقباله للربيع يمنحه الكثير من الراحة النفسية لتعرضة لأشعة الشمس في الربيع والتي تؤثر إيجابيا على الدماغ من خلال تحفيز إفراز هرمونات السعادة والشعور بالراحة النفسية، لذلك ارتبط الربيع بالحب عبر التاريخ من خلال الأدب والرسم والموسيقى وغيرها وكانت أسباب هذا الارتباط مجهولة؛ فهل لما يحدث علاقة بتفتّح الأزهار وانتشارها أم بسبب أشعة الشمس الساطعة؟ وهل يدعو الربيع الانسان للحُب فعلا أم ان ذلك وهما؟ أم أن هناك علاقة سحرية تربط بينهما، ان مشاهد تفتح أزهار الأشجار وعودة الطيور المهاجرة وزيادة ساعات النهار وزرقة السماء وغروب الشمس الرائع مع انعكاس أشعتها؛ تبعث الأمل والطاقة والحيوية في النفس البشرية ولهذا يصبح الربيع بطبيعته الخلابة بمثابة أرض خصبة للحُب والعشق، ويعد فصل الربيع فصلَ الراحة والجمال والحياة حيثُ تكثر فيه الرحلات والنزهات والسفر لكونه معتدلاً بين الحرارة والبرودة.
الربيع والحضارات
سكان العالم القديم لم تكن أحاسيسهم وعواطفهم وأفراحهم تختلف عما لدينا اليوم من مشاعر حين قدوم الربيع والخضرة والزرع والورود والثمار والنسيم المُعطر بروائح الزهور البرية التي تملأ الوديان والجبال والسهول والمراعي الخضراء التي ستطعم كل الكائنات الحية، لذلك فأن كل شعوب العالم قد إحتفلت بقدوم الربيع بشكل من الأشكال وهذا كان معروفاً منذ الأزمنة القديمة لبلاد ما بين النهرين في مدن (أريدو، أور، لجش، كيش، أوروك)، وكان (زاكموك وأكيتو) عيدين رئيسيين؛ فالاول هو عيد الإحتفال بحصاد الشعير، وكان الثاني في جذوره القديمة الأولى عيداً شعبياً لجز صوف الماشية والأغنام ويُمثل رأس السنة الجديدة (الإعتدال الربيعي)، وهكذا راح البابليون يحتفلون بعيد الأكيتو في اليوم الأول من شهر نيسان (نيسانو) والذي يعني بالعربية (نيشان) لأنها العلامة على حلول فصل الربيع والإعلان عن ولادة الحياة ورمزاً للخصب.
ربط الانسان تأريخيا فصل الربيع بمناسبات أحتفالية محلية وعامة قد تمتد لأكثر من يوم ولكل بلد طريقته الفريدة في الترحيب بالموسم الجديد سواء كان ذلك من خلال مهرجان أو موكب أو وجبة جماعية، ومن مناسبات الربيع؛ يوم الأمّ الذي يأتي في أول يوم من أيام فصل الربيع من كلّ عام أي يوم 21 من شهر مارس، وعيد الربيع، وعيد النوروز، ويوم العمّال الذي اختيرَ بأنْ يكون في اليوم الأول من مايو حيث يعتبرُ هذا اليوم بمثابة مرحلة انتقاليّة بين فصول السنة، وعيد الفصح المجيد الذي يعتبرُ من أهمّ الأعياد الدينيّة المسيحيّة.
عيد شم النسيم: يرجع الإحتفال بعيد شم النسيم المصري إلى (2700 ق.م) وبالتحديد إلى أواخر الأسرة الفرعونية الثالثة، ويرمز إلى بعث الحياة لاعتقادهم بانه أول الزمان وبداية خلق العالم، وترجع تسمية ( شم النسيم) إلى لفظة شمو الفرعونية، وقد أجمع المصريون باختلاف معتقداتهم على تعظيم شم النسيم ولا يزال الجميع في مصر يحتفل به حتى يومنا هذا، كما ارتبطت تسمية شم النسيم بالتقويم الزراعي المصري.
عيد الربيع الصينيّ: الذي يعدُّ من أشهر الأعياد التقليديّة ويطلق عليه أيضاً رأس السنة القمريّة الجديدة وعيد لم الشمل وتعود جذوره الى ثلاثة الاف سنة ويحتفل به في الكوريتين وتايلاند وميانمار ولاوس. أما عيد الربيع الياباني سيتسوبون فيكون أيام 2و3و4 شباط.
عيد الربيع في الخلافة العباسية:
أعتبرت الخلافة العباسية ببغداد يوم الربيع/ نوروز بداية لسنة جديدة من النواحي المالية والإدارية، وكانت المظاهر الجميلة لعيد الربيع في بغداد زمن العباسيين جلية للعيان وتمثلها زينة البيوت بمختلف انواع الورد والرياحين وقد ملأت الأرجاء بعبق رائحتها الزكية، وكان ذلك احلى دلالة لمعاني الود ومشاعر الاخاء والمحبة مثلما كان باعثا لألهام الشعراء بمشاعر الخصب والخيال كما كانت عادة التألق والتأنق في الأزياء ظاهرة ملموسة لدى الاسر البغدادية، وكانت حدائق قصور الخلفاء مزهوة بحدائق الورد الجميل مما حفز احساس الشعراء في التطلع الى المعان العميقة للورد وفي هذا السياق أنشد البحتري قائلا؛ أشرب على زهر الرياض يشوبه ... زهر الخدود وزهرة الصهباء، لقد كان عيد الربيع في بغداد خلال العهد العباسي اكثر الاعياد جاذبية ورونقا خاصة زمن البويهيين فقد غدا الاحتفال بالعيد عندهم كارنفالا عظيما وتمتد ايامه نحو أسبوعين وكانت مظاهره متجلية في افراح الناس وتزيين بيوتهم بالوان مختلفة من الورد والازاهير التي تملئ الاجواء بعطرها الفواح ولذلك أنشد ابن الجهم صادحا؛ لم يضحك الورد الا حين أعجبه ... حسن الرياض وصوت الطائر الغرد.
عيد نوروز عند الفرس المجوس:
كان نوروز عند الفرس متجليا طبقا لتقاليدهم المتوارثة منذ القدم في الخروج الى الغابات الكثيفة قبل يوم لجمع الاحطاب ليشكلو منها اهرامات عالية وعندما تشتعل النيران تبدأ جماعات المجوس في هذا الجو الساخن والوهج الساطع بالرقص بملابس العيد الزاهية حول الكتل المشتعلة مغتبطين مبتهجين. أما عيد ( نيروز) الفارسي في 21 آذار فعد العيد القومي ويوم الإعتدال الربيعي ورأس السنة الفارسية في إيران وتُعطل فيهِ كل الجهات الحكومية والأهلية إعتباراً من 20 آذار ولمدة خمسة أيام، و وتُعطل لمدة أربعة عشر يوماً المدارس والجامعات.
وفي مصر أطلقوا عليه تسمية نيروز القبطي، كما يحتفل به الأكراد يوم 21 آذار عيدا قوميا، وفي سورية عيد الربيع الشامي، ويحتفل به اليزيديون في شمال العراق تحت تسمية سري صال في الأول من نيسان، ويحتفل بهذا العيد سريان العراق المسيحيين في الأول من نيسان وكذلك الصابئة المندائيين في العراق.
نوروز آسيا الوسطى؛ يُحتفل به بالتزامن مع الاعتدال الربيعي 21 أذار، يرمز هذا اليوم إلى حياة جديدة ويختلف من بلد إلى آخر.
من الأمثلة الشعبيًة المتداولة عالميا عن الاعتدال الربيعي؛ بالإنكليزية/ تأتي الأمطار في أبريل لتجلب زهور مايو، وبالألمانية/ أبريل يفعل ما يريد، وبالفرنسية/ في أبريل لا تخلع خيطًا، وبالإسبانية/ حتى الـ40 من مايو لا تخلع ثوبك، وبالبرتغالية/ في أبريل آلاف المياه، وبالإيطالية/ الربيع هو موسم الحب، وبالهولندية/ ربيع جديد صوت جديد، وباليابانية/ نصف ساعة في مساء الربيع تساوي ألف قطعة ذهب، وبالروسية/ للحروف الحسنى صوت مثل يوم ربيعي، وباالصينية/ في الربيع يكون هناك أوركيد، وبالكورية/ البرد يحسد الزهرة.[2]
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[*] مجيد ملوك السامرائي، جغـرافـي، كاتـب ومـؤلف وأستاذ جامعي.# ويكيبيديا.
1.https://web.archive.org/web/20171222051209/

2.https://www.alaraby.co.uk/6-

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1088 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع