هدى رؤوف
إيران وواشنطن بين سيطرة المتشددين والرئيس الأميركي الجديد
انتهت الانتخابات الإيرانية البرلمانية وتلك المتعلقة بمجلس الخبراء والتي أجريتا في الأول من مارس (آذار) الجاري بنسبة إقبال 41 في المئة، وفق ما أعلنته السلطات رسمياً.
وبعيداً من كون هذه النسبة مخالفة للحقيقة بشكل كبير، إن لم يكن وفقاً لما أعلنته أطراف معارضة وإصلاحية عدة، فمن المؤكد أنها كانت أقل بكثير من نسبة التصويت المعلنة وفقاً لسياق تلك الانتخابات، ولظروف اجتماعية وسياسية واقتصادية متردية مر بها الإيرانيون منذ العام الماضي.
وإلى جانب أهمية نسبة الإقبال على التصويت كمؤشر على تراجع شرعية النظام وشعبيته لدى المواطنين ومدى قدرته على الحشد، إلا أنه من جانب آخر يحاول الربط بين نتائج الانتخابات التشريعية الإيرانية ونتائج الانتخابات الأميركية المقبلة في نوفمبر (تشرين الثاني) 2024، والتي قد تأتي بولاية ثانية لجو بايدن أو عودة دونالد ترمب.
ويكمن التساؤل هنا حول شكل العلاقات الإيرانية - الأميركية حال عودة ترمب، أو استمرار بايدن في ظل سيطرة المتشددين في إيران؟
وبالنسبة إلى إيران فلا تشكل نتائج انتخابات مجلس الشورى أي تغيير لسياسات الحكومة والنظام، ولا سيما أن السياسة الخارجية في يد المرشد الأعلى، يرسم خطوطها ومحدداتها بالتعاون مع "الحرس الثوري" الذي تغولت صلاحياته السياسة الخارجية على حساب وزارة الخارجية.
كما لا توجد علاقة للمجلس بقضايا الأمن القومي والسياسة الخارجية، لكن الفارق حال برلمان يسيطر عليه بالكامل المتشددون هو تصاعد لغة العداء للولايات المتحدة وإسرائيل، والتنديد بسياساتهما في الشرق الأوسط، مع تمرير القوانين التي تستهدف التعنت تجاه الملف النووي، على غرار القانون الذي صدر من مجلس الشورى ويطالب الحكومة بعدم التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية وتخصيب اليورانيوم بمعدلات أعلى من المنصوص عليها في خطة العمل الشاملة المشتركة، مع استمرار تشجيع سياسات القيادة الإيرانية سواء المرشد الأعلى أو الرئيس.
وفي حال جاءت انتخابات 2024 بولاية جديدة للرئيس جو بايدن فمن غير المتوقع أن تغير إيران نهجها في التعامل معه، طالما استمرت الإدارة الأميركية في نهج يتسم بالحذر وعدم تنويع أدوات التعامل مع طهران ما بين التهديد والردع والتحفيز، فالحرص تجاه إيران ووكلائها الإقليميين تخوفاً من حرب إقليمية شاملة لم يمنع اتساع رقعة التوترات في المنطقة، فمع حرب غزة امتد الصراع إلى اليمن وسوريا والعراق، بل تحول البحر الأحمر إلى بؤرة صراع جديدة.
ولم ينتج من سياسات بايدن سوى استمرار نهج السلوك الإيراني والحوثي على رغم محاولات المهادنة الأميركية، فضلاً عن تجاوز البرنامج النووي لكثير من حدوده، إذ إن أكثر من 150 هجوماً على أهداف أميركية في العراق وسوريا منذ طوفان الأقصى دليل واضح على فشل الإدارة الأميركية في الردع حتى الآن.
ومن ثم فلا يتوقع تغيير في ما يتعلق بالبرنامج النووي الإيراني أو برنامج الصواريخ الباليستية أو الوكلاء الإقليميين وحتى مهاجمة القواعد الأميركية في المنطقة، وستضاعف طهران نشاطها لإخراج واشنطن من المنطقة، فضلاً عن استمرار بايدن في تخفيف العقوبات عن إيران اقتصادياً في مقابل استمرار نمط التفاهمات غير المعلنة بينهما.
أما في حال سيناريو عودة دونالد ترمب لرئاسة الولايات المتحدة فستحاول إيران تجنب استفزاز واشنطن، ولا سيما مع ما يتسم به ترمب من عدم القدرة على التنبؤ بتصرفاته، أو إطلاق الحرية لإسرائيل لمواجهة واستهداف إيران عسكرياً، فقد تعاملت طهران بحذر مع ترمب تحاشياً لضربات انتقامية منه، وأبلغت واشنطن قبيل استهداف قواعد أميركية في العراق رداً على مقتل قاسم سليماني.
ولا يعنى ذلك أن ترمب مستعد لمواجهة عسكرية مع إيران، لكن يظل موقفه من طهران يدور حول سياسة التضييق الاقتصادي وربما عودة سياسات الضغط الأقصى مع تحريك الملف النووي، وتحميل إيران مسؤولية أية اضطرابات إقليمية بصورة مباشرة.
ومع ما سبق فمن الضروري عدم تصور أن وجود إيران يسيطر عليها المتشددون في كل مقاليد السلطة، مع عودة ترمب والجمهوريين، تعنى أن المواجهات بينهما ستكون صفرية أو تصعيداً باهظ الثمن سيغير إستراتيجية إيران، فخلال ولاية جورج بوش الابن وسيطرة المحافظين الجدد ومحاولات تغيير النظم العربية بالقوة العسكرية، تمكنت إيران وواشنطن من إيجاد مساحات للتفاهم والعمل حتى خلال إدارة أحمدي نجاد المتشدد، إذ عملا سوياً في أفغانستان والعراق.
أما في أفغانستان فطلبت إيران من واشنطن التعاون في مكافحة الإرهاب وتدريب القوات الأفغانية، وفي العراق تمت هندسة النظام السياسي العراقي بتعاون أميركي - إيراني تسعى طهران الآن إلى إخراج واشنطن منه.
1125 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع