الأستاذ الدكتور باسل يونس ذنون الخياط
أستاذ مُتمرِّس/ جامعة الموصل
عالم الاتصالات وقصته.. الجزء الأول
يُعد مجال الاتصالات Communications هو المجال السائد حاليا في العالم أجمع، ويطلق على عصرنا الحالي الذي نعيشه (عصر الاتصالات Communications era)، حيث تلعب أجهزة الاتصالات، من حاسوب وإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي وموبايل، الدور الفاعل فيه.
إن عصر الاتصالات عمره قصير نسبيا، حيث لم يتجاوز 180 سنة، ومع ذلك فقد حدثت فيه تطورات كبيرة ومتسارعة حتى وصل إلى الحالة التي هو عليها الآن.
لقد كانت نقطة البداية جهاز بسيط يُعرف بالتلغراف Telegraph، ثم جاء التلفون Telephoneواللاسلكي Wireless، ثم الإنترنت Internet، فالموبايلMobile.. ونتيجة لهذا التطور الهائل فقد حدثت تغيرات وتطورات واسعة في مختلف نواحي الحياة البشرية العامة والخاصة. وأصبحت الاتصالات تهيمن حاليا على جميع نواحي الحياة في مختلف بقاع الأرض، لذا فمن المفيد أن نطّلع على قصة الاتصالات من بدايتها.
صامويل مورس والتلغراف:
أن الأعمال الأصيلة تولد غالبا نتيجة لحوافز Incentives طبيعية تنبع من داخل الكيان البشري نتيجة لأحداث مؤثرة. وقد كانت نقطة البداية في عالم الاتصالات وفق هذا السياق.
صامويل مورس (Samuel Morse (1791-1872 مواطن أمريكي، التحق بكلية ييل ليدرس الفلسفة الدينية والرياضيات وتخرج بتفوق في العام 1810. عانى مورس الفقر والعوز في أول حياته، وكان رساما ماهرا، فمارس الرسم لتدبير معيشته ونفقات دراسته.
في العام 1825 كلَّفت مدينة نيويورك مورس برسم صورة زيتية مقابل 509 دولار (وهو مبلغ كبير آنذاك بالنسبة له)، وأثناء قيامه بالرسم، جاءه ساعي بريد من راكبي الخيول برسالة من أبيه يُخبره بمرض زوجته. فغادر مورس على الفور متوجهاً إلى موطنه نيو هافن دون أن يكمل اللوحة ليجد أن زوجته قد ماتت ودُفنت. فخيم عليه شعور قوي بالألم والحسرة؛ وتمنى لو رآها قبل وفاتها أو حضر عزائها.
لقد ظل مورس يتألم لأنه لم يكن يعلم شيئاً عن مرض زوجته ثم وفاتها بعيداً عنه بعد أن تأخر ساعي البريد أسبوعا كاملا لإيصال الرسالة له. وظل يتحسر ويتمنى لو كان هناك وسيلة تواصل بينه وبين موطنه نيو هافن لكي يرى زوجته أو يحضر وفاتها.
وتحت تأثير صدمته، قرر مورس أن يُكرِّس باقي حياته لتطوير طريقة للتواصل السريع. فترك الرسم وأخذ يبحث عن طريقة للتواصل عبر المسافات الطويلة.
وأثناء رحلة بحرية قام بها مورس في العام 1832، التقى شخصاً من بوسطن يدعى تشارلز جاكسون، كان قد درس الكهرومغناطيسية، وشاهد العديد من تجاربه على المغناطيس الكهربائي. وعقب تلك المشاهدات، طوّر مورس مفهوم التلغراف ذي السلك الواحد. وبمساعدة أستاذ بجامعة نيويورك تمكن من إرسال الرسائل التلغرافية لمسافة عشرة أميال (16 كيلومتراً) من خلال سلك.
فشل مورس في الحصول على دعم الحكومة المركزية في واشنطن لتوصيل خط تلغرافي. فسافر إلى أوروبا باحثاً عن رعاة وعن براءات لاختراعه، ولكنه اكتشف في لندن أن كلاً من وليام كوك وتشارلز ويتسون يقومان بتنفيذ فكرة مشابهة في بريطانيا.
وفي ديسمبر 1842 سافر مورس للمرة الأخيرة إلى واشنطن محاولاً إقناع الحكومة الفيدرالية، فقام بتوصيل أسلاك بين غرفتين في الكابيتول (مبنى الكونجرس) وأخذ يرسل الرسائل بين الغرفتين بالتبادل ليوضح لرجال الدولة طبيعة اختراعه.
اقتنع الكونجرس بفكرة مورس وخصص 30 ألف دولار سنة 1843 لإنشاء خط تجريبي طوله 38 ميلاً (61 كيلومتراً) بين واشنطن ومدينة بالتيمور. وفي 24 مايو 1844 تم افتتاح الخط، وجرت أول تجربة رسمية له، وقد أرسل فيها مورس عبارته الشهيرة (ما شاء الله What Hath God Wrought).
لقد كان العام 1844 البداية الأولية للاتصالات، إذ تم افتتاح أول خط اتصالات باستخدام إشارات مورس التي ابتكرها رجل الرياضيات الأمريكي صامويل مورس Samuel Morse (1791-1872)، كما يعدّ ذلك العام مدخلا غير مباشر لعلم كبس البيانات Data Compression بوصفها وسيلة لتسريع عملية الإرسال.
في مايو 1845 أنشئت شركة ماغنيتيك تلغراف لتوصيل خطوط التلغراف من مدينة نيويورك إلى فيلادلفيا وبوسطن وبافالو ومنطقة المسيسيبي. وأنشأ مورس أكاديمية وطنية للتلغراف بعد أن أحدث ثورة رائدة في مجال الاتصالات.
لقد حصل مورس على براءة لاختراع التلغراف في العام 1847 في قصر بيلربيه القديم في إسطنبول من السلطان العثماني عبد المجيد الأول، الذي قام بتجربة الاختراع الجديد بنفسه. وفي العام 1851 تبنت أوروبا رسمياً جهاز مورس ليكون الجهاز المعتَمَد في الاتصالات التلغرافية في أوروبا، غير أن بريطانيا ومستعمراتها الشاسعة احتفظت بجهاز إنكليزي.
وما زال تلغراف مورس الأول محفوظً في المتحف الوطني للتاريخ الأمريكي في مؤسسة سميشونيان، بصحبة طلب مورس للحصول على براءة اختراعه.
وهكذا أصبحت شفرة مورس Morse Code اللغة الأولى للتواصل التلغرافي في العالم آنذاك. وقد نال مورس العديد من الأوسمة من مختلف أرجاء المعمورة: نيشان الافتخار (الامبراطورية العثمانية)، وسام البرج والسيف (البرتغال)، وسام دانيبروغ (الدنمرك)، الميدالية الذهبية للفن والعلم (مملكة فورتمبيرغ)، الميدالية الذهبية للعلوم (النمسا)، وسام القديسين ماوريزيو ولازارو (ايطاليا)، وسام إيزابيللا الكاثوليكية (إسبانيا).
ثم جاء اكتشاف الميكروفون عام 1877، أعقبته الابحاث التي قام بها توماس إديسون والتي لعبت دوراً مفصلياً في تاريخ الهاتف، حيث تم وضع أول نموذج نظام هاتفي في العام 1878. ومع بداية القرن العشرين، اضحى الهاتف رمز الحداثة، ومغيّراً بشكل جذري الحياة اليومية.
وفي بداية القرن العشرين، برزت ثورة مهمة في عالم الاتصالات، هي ثورة الالكترونيات. وتم تطوّر الراديو وزيادة طول المسافات بين مستعملي الهاتف. ومع حلول العقد الثالث من القرن العشرين، انتشرت محطات البث الإذاعي.
ثم جاءت أول خدمة تلفازية عامة في العالم عام 1936م، وبحلول عام 1951م، غطّى البث التلفازي الولايات المتحدة من شرقها إلى غربها، حيث كان الناس مفتونين بالتلفاز.
وجاء اختراع الترانزستور سنة 1947 ليزيد في تقدّم وتطوّر الالكترونيات بشكل كبير، تبعه اختراع الدوائر المتكاملة في العام 1960.
وقام فريدريك ويليامز وتوم كيلبورن ببناء أول حاسوب رقمي يُخزّن البرامج في جامعة مانشستر عام 1948م، وسُمّي هذا الجهاز باسم الطفل (The Baby). وقد تم تطويره فيما بعد ليُصبح جهاز حاسوب كامل الحجم عُرف باسم مانشستر مارك (Manchester Mark) وذلك عام 1949م.
ثم قام الأميركي جون فون نيومان بتصميم حاسوب متطور في العام 1949، وكان نقطة البداية لما يسمى المعلوماتية Informatics، وهي تقنية تحويل المعلومات إلى أرقام، وقد ساهمت المعلوماتية بتحسين نوعية وخدمة الاتصالات خصوصاً البعيدة منها.
وفي العام 1961 تم اختراع الليزر، وبدأ العمل في مجال الألياف البصرية، تبعه بعد عقد من الزمن صناعة أول مُعالج معلومات والذي فتح المجال أمام تصغير حجم المعدات المعلوماتية وادخالها مجال الاتصالات.
ثم ظهرت الهواتف النقالة Mobile Phones وجرت أول مكالمة بها عام 1973. وأعقبتها الهواتف الذكية Smart Phones سنة 1993 والتي تجمع ميزتين: إمكانية التواصل عبر نظام الاتصالات الخلوية واحتوائها على نظام تشغيل متطور.
وللحديث بقية إن شاء الله تعالى.
858 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع