حق الرد: دفاعاً عن الحقيقة وليس دفاعاً عن مؤتمر اسطنبول؟

                                     

                        د أكرم المشهداني

            
رد على التصريح الصحفي الصادر عن المركز الوطني للعدالة بشان مؤتمر اسطنبول

في البدء اقول كلمتين مهمتين هما: الاولى انني ترددت كثيرا قبل ان اكتب هذا التعقيب دفاعا عن الحقيقة وليس دفاعا عن شخص ولا عن هيئة، حتى لا أتهم بالتحيز الظالم، والامر الآخر: انني لا اصادر وطنية احد، وبذات الوقت لا اسمح لاحد، كائناً من كان ان يُصادر علَيَّ وطنيتي أو يزايد عليها!. فأنا معروف من قبل كثير من العراقيين الشرفاء.

حين دُعينا مثل غيرنا، إلى مؤتمر اسطنبول الخاص بمناقشة انتهاكات حقوق الإنسان في العراق، لبينا النداء (أو الدعوة) مثلما لباّها عدد كبير من الشخصيات العراقية، واحسبها عند الله، كلها شاركت بدافع حب العراق والدفاع عنه وعن الانسان العراقي ضد ما يتعرض له الوطن والانسان من انتهاكات وصلت حد الجرائم ضد الانسانية وجرائم الحرب، مما تستوجب متابعة قضائية دولية تتبناها جمعيات وجهات وطنية ذات خبرة ومعرفة في الشأن القانوني.
ولقد استغربت الحملة التي تم شنها ضد المؤتمر قبل انعقاده والتي افتتحها السيد الدكتور محمد الشيخلي بمقالته الشهيرة، ثم ما لبث بعد يوم واحد من نشر (اعتذار) عن توجيه اتهامات دون سند قانوني ضد المؤتمر ومنظميه. ورغم اعتراضه وغيره، فقد حضر الاخ الشيخلي الى المؤتمر ولبى الدعوة وساهم مُساهمة فعالة وواضحة في جميع النقاشات تشهد له بها وقائع المؤتمر المثبتة ورقياً وفيديوياً.
المؤتمر دعت اليه منظمة حقوقية عراقية معلومة هي جمعية الحقوقيين العراقيين في بريطانيا التي يراسها الأخ الدكتور طارق على الصالح، وهذا الشخص اعرفه منذ عام 1966، كزملاء مسلك واحد، كما كنت زميله في البعثة الدراسية المرسلة من قبل ادارة البعثات لاكمال الدراسات العليا في بريطانيا بين عامي 1986-1990، وبعدها افترقنا حيث عدت انا وآخرين معي إلى الوطن، وبقي هو وآخرين داخل بريطانيا، وكانت حجته انه يريد ان يواصل للحصول على الدكتوراه وعدم الاكتفاء بالماجستير، وعلمت فيما بعد انه تم اعتقاله من قبل السلطات البريطانية مع بقية الضباط العراقيين المبتعثين ببعثات بعد احداث 2 آب 1990، كما ان وزارة الداخلية العراقية احالته مع غيره ممن امتنعوا عن العودة للوطن الى المحاكم المختصة وحسب القانون العسكري صدر حكم غيابي ضدهم بالاعدام، وكان هذا القرار ذريعة له ولغيره لطلب اللجوء الانساني والبقاء في بريطانيا. وانقطعت صلتي بالدكتور طارق حتى خريف عام 2003، حتى تقابلنا في عمّان بعد الغزو الامريكي الجائر وكنت قد خرجت للتو من الاعتقال في المعتقلات الامريكية، وقررتُ الهجرة بعدما تلقيت تهديدات كثيرة ممن لفقوا ضدي التهم المعروفة حينها. وللأمانة فإني أنتقدتُ الدكتور في موضوع مؤتمر العدالة الانتقالية والكراس الذي اصدرته الجمعية حول هذا الموضوع، وبرّر لي بان ذلك يقع ضمن الحرص على مسيرة العدالة والامن في القطر، وان الاوراق تضمنت توصيفا لحالة الامن والقضاء في العراق وكيف الحفاظ عليها ، وليس في الامر اسناد للعدوان ولا ترويجاً له. وخلال السنوات العشر المنصرمة لمستُ في الدكتور طارق ونشاط الجمعية، تحوّلا وطنيا واضحاً وملحوظاً من خلال مقالاته وابحاثه المنشورة على النت وبيانات الجمعية التي تدين انتهاكات الحقوق في العراق بعد الغزو، وتدين النهج الطائفي والاقصائي لحكومات الاحتلال، وتؤكد على عدم شرعية العدوان وكانت الجمعية عونا لمن اقاموا الدعاوى القضائية ضد جرائم الجيش الامريكي والجيش البريطاني في العراق، وما زالت جهود الجمعية متواصلة في هذا المجال وكان آخرها مؤتمر اسطنبول موضوع البحث والجدال.
اذا كان لدى الاخ الشيخلي وغيره ممن طعنوا في الجمعية والمؤتمر يقين او شك في تمويل المؤتمر وفي مقاصده وغاياته فلماذا حضروه ولبوا الدعوة وقبلوا ان يكونوا ضيوفا دفعت تذاكر سفرهم واقامتهم وسكنهم من قبل الجمعية المشبوهة؟ ولماذا لايكشفوا ما لديهم من معلومات إن كانت لديهم فعلاً، لو يكون هناك شك لدى شخص في مقصد من دعاه فيجب عليه ان يرفض او يعتذر عن الحضور، اما وقد حضر الاخ الشيخلي وغيره من الطاعنين في المؤتمر والجمعية وفي البيان الختامي، فما سر انقلابهم عليه بعد انفضاضه؟
المعلوم ان المؤتمر حضره اكثر من مائة شخصية وطنية عراقية من مختلف الاتجاهات، والغالبية الساحقة هم من معارضي الاحتلال وما نتج عنه، بل ان بحثا من تقديم عضوة الجمعية الدكتورة راقية القيسي فصَّل في لا شرعية ولا مشروعية احتلال العراق وما تنتج عنه من حكومات وبرلمانات ودستور، والابحاث كلها موثقة في وقائع المؤتمر وبياناته واوراقه وأفلامه التسجيلية. كانت الابحاث العشرون التي القيت في المؤتمر كلها تتحدث عن جرائم وانتهاكات حقوق الانسان في العراق بعد الاحتلال وفي ظل الاحتلالين الايراني والامريكي.
اعتقد جازما ان هذا المؤتمر هو اول واكبر مؤتمر تحضره شخصيات وطنية عراقية يشار اليها بالبنان (أذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر مع حفظ الألقاب: عمر الكبيسي، ناجي حرج، مؤيد الونداوي، نزار السامرائي، صباح الخزاعي، طارق الكبيسي، المحامي شلال الجبوري، عدنان الجبوري، الشيخ كاظم عنيزان، جاسم الشمري، ضياء الكواز، مصطفى كامل، عدي الزيدي، وكثيرون غيرهم أعتذر لعدم تذكر جميع أسمائهم)، كما استضاف المؤتمر عدد من جرحى ومنكوبي الجريمة البشعة التي ارتكبتها قوات المالكي في الحويجة مع عرض افلام وثائقية عنها، كما كان ممثلو المقاومة العراقية بمختلف فصائلها موجودون، وكل احداث ووقائع وكلمات المؤتمر وحواراته موثقة فيديويا ومتاحة للجميع للتاكد من نزاهة وحسن نية منظمي هذه الفعالية (ولا أقول وطنيتهم لأنني لست بمعرض توزيع الألقاب على أحد) .. فالوطنية إرادة يعززها الفعل الملموس وليس مجرد الكلام.
وللأمانة أقول أنني بعد انفضاض المؤتمر قد عَرَضتُ التوصيات على عدد من الأخوة الأساتذة الأفاضل الذين أثق في وطنيتهم وحرصهم ومبدئيتهم، فأجمعوا جميعهم على أن التوصيات متوازنة وجيدة، وأدعو كل واحد من الأخوة ممن لديه ذرة شك في توصيات المؤتمر أن يطلع عليها سواء على موقع الجمعية على شبكة الأنترنيت او في الصحف والمواقع التي نشرتها، ليتأكد من أن التوصيات تلبي طموح كل عراقي وطني شريف محب لوطنه، قبل ان يحكم عليها من خلال مقالات المعترضين.
لقد انصب اعتراض السيد الشيخلي وغيره من الاخوة الذين حضروا المؤتمر على مسألة توصيات المؤتمر التي كان لي شرف المساهمة في صياغتها وفي تلاوتها على المؤتمر وأؤكد هنا مجموعة حقائق عن موضوع التوصيات:
1.إن التوصيات في مجملها مستقاة من الأبحاث التي ألقيت في المؤتمر التي تجاوزت العشرين بحثا وكذلك الحوارات والمناقشات التي جرت بعدها.
2.كما أن التوصيات مستقاة من مجموعة اوراق مقترحات قدمت من شخصيات المؤتمر (بمن فيهم من اعترضوا لاحقا) بناء على طلب رئاسة المؤتمر من الجميع ممن لديه مقترح توصية ان يتقدم به الى لجنة الصياغة، وللأمانة فإنني احتفظ شخصياً لحد الآن بجميع القصاصات والاوراق المقدمة من قبل الاخوة المشاركين في المؤتمر وما تضمنته مقترحاتهم من أفكار وآراء كان نصيبها التدوين ضمن توصيات المؤتمر اللهم الا بعض التوصيات المكررة او غير المناسبة.
3.انصب اعتراض واحتجاج المعترضين سواء بعد تلاوة التوصيات، او بعد انفضاض المؤتمر، على موضوع التوصية الاخيرة، التي تضمنت تخويل الجمعية (وهي الجهة المنظمة للمؤتمر) بتشكيل لجنة متابعة وكانت صيغة التوصية المعترض عليها هي كالآتي نصاً: ((ولغرض تنفيذ هذه التوصيات فإن المؤتمرين اتفقوا على ان تقوم جمعية الحقوقيين العراقيين في بريطانيا بأتخاذ الإجراءات اللازمة لمتابعة تنفيذ هذه التوصيات، واجراء ما يقتضي من اتصالات مع الشخصيات الفاعلة لغرض تشكيل لجان من  الجمعيات والمنظمات غير الحكومية المشاركة في المؤتمر، لمتابعة تنفيذ التوصيات بالتنسيق مع الجهات المعنية في المجتمع الدولي وفي العراق)). ولم أجد في الصيغة المذكورة أي مثلبة ولا نقيصة لأن بإمكان جميع الجهات والشخصيات المشاركة بالمؤتمر أن تنضم لعضوية لجنة المتابعة.
4.استغربت جدا أن ياتي بيان المركز الوطني للعدالة الانتقالية لاستنكار من قال له ان المركز او الاخ د. الشيخلي يراس لجنة المتابعة القانونية المنبثقة عن توصيات المؤتمر، واعتقد انه لا داعي لهذا الشعور بالاثم والمعرة والعيب لكي يتأسف الدكتور الشيخلي ويستنكر!!، بل على العكس فان الخبر إن كان صادقا فالمفروض انه يتشرف به السيد د. الشيخلي لانه شخصية حقوقية وقانونية يستحق ان يرأس او يدير هكذا لجنة تخدم قضية العراق والعدالة في العراق التي يحمل مركزه اسمها...  وإلا فإن كنتم تشعرون أن المؤتمر كان مدعاة للنقيصة والعيب، فلماذا حضرتموه ولبيتم دعوة الجمعية وقبلتم تحمّلها مصاريف تذاكركم واقامتكم انتم ومن جاء معكم؟ هل كان الأمر سياحيا لزيارة اسطنبول والاستجمام فيها والتمتع بمناظرها الخلابة وسفرتها البحرية؟ أم أنه واجب ومهمة وطنية جئنا وشاركنا جميعا من أجل أن نحملها نيابة عن عراقنا الحبيب المبتلى؟
ـــــــــــــــــ
ختاماً فإني أعتقد أن القوى الوطنية العراقية مدعوة إلى الترفع عن الخصومات الشخصية والمهنية، والأغراض الذاتية، لأن الوطن الجريح المبتلى يطالبنا بنكران الذات وتحمل مسؤولية الدفاع عنه وانصاف ضحاياه، وملاحقة المجرمين الذين ارتكبوا جرائم الحرب والجرائم ضد الانسانية بحق العراقيين منذ 2003 وحتى زوال الأحتلال البغيض بشقيه الأمريكي والإيراني؟.. أما إذا بقينا ندور في فلك المهاترات والاتهامات والإدعاءات الفارغة واساليب التخوين ومصادرة وطنية الآخرين، فلن يرتجي وطننا منا شيئاً سوى مزيد من المصائب والنكبات.. أدعو الله أن يهدينا جميعا ويأخذ بأيدينا لما فيه صالح الوطن الحبيب..
وأتمنى ممن لديه ذرة شك في مقاصدنا ونياتنا أو يعلم فينا ما يجرح وطنيتنا ومصداقيتنا، أن لا يتردد بنصحنا وتقويمنا لأن قولة الحق أمانة (لا خير فيمن لايقولها ولا خير فينا إن لم نسمعها).......والسلام عليكم.

أخوكم/ الدكتور أكرم المشهداني
الثاني من أيلول 2013

 

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1139 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع