طارق الهاشمي
مجزرة جديدة ارتكبها نوري المالكي ليلة أمس بإرسال ميليشياته من الأجهزة الأمنية للهجوم على معسكر أشرف ( ديالى / شرق بغداد ) حيث يقضي لاجئون من إيران يتواجدون ويتصرفون وفق القوانين الدولية ذات الصلة وبإشراف وكفالة الأمم المتحدة وعلم ودراية الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن وفي المقدمة الولايات المتحدة.
قتل ٤٤ وجرح العشرات واختطف آخرون وأشعلت النيران في أطراف عديدة من المعسكر كما حصل في ساحة اعتصام الحويجة.
هذا الهجوم بالمناسبة هو الخامس على المعسكر ولكنه بلغة الخسائر البشرية يعتبر المجزرة الثانية بعد أن كان المعسكر المذكور قد تعرض إلى مجزرة مماثلة عام ٢٠١١ ذهب ضحيتها ما يزيد على ٣٩ قتيلا والمئات من الجرحى، ناهيك عن القصف من وقت لآخر لمعسكر ليبرتي (غرب بغداد) وهو معسكر بديل يقطنه لاجئون رحلوا قسراً من معسكر أشرف ، تعرض هو الآخر إلى قصف صاروخي من ميليشيات البطاط لمرتين حتى الآن أوقع العديد من الضحايا بين قتيل وجريح. وهكذا فإن محنة العراق تتضاعف إذ لا يقتصر القتل والتطهير والتهجير على العراقيين بل يتعداه ليشمل اللاجئين في بلدي حيث يتعرضون إلى تصفية دموية منهجية لا مصلحة للعراق بها لكنها تأتي قطعا بتوجيه وإرادة صاحبة النفوذ دولة ولاية الفقيه ولإرضائها، هذه الحادثة تكشف بالمناسبة زيف الادعاء باعتدال حكومة حسن روحاني إذ إنها لم تختلف في هذا الملف عن سابقاتها.
الحادثة لا تشكل مفارقة ولا تحولا في نهج المالكي أو سلوكه الذي عرف به على مدى تاريخه سواء كان في السلطة أو خارجها، فقد كان المالكي لمن لا يعرف مسؤولاً عن الجهاز الأمني في حزب الدعوة الذي تورط بعمليات إرهابية شغلت العالم لفظاعتها سواء في بغداد أو بيروت أو الكويت وغيرها إبان الثمانينيات من القرن الماضي، أما سجله منذ أن ابتلي العراق به وحكومته عام ٢٠٠٦، فقد دشن حكمه عام ٢٠٠٧ بمجزرة الزركة في كربلاء، واتبعها بمجزرة معسكر أشرف عام ٢٠١١ ثم بمجزرة الحويجة عام ٢٠١٣، ثم مجزرة سجن الحوت في يوليو الماضي والتي ذهب ضحيتها ما يزيد على سبعين معتقلا من العرب السنة تم إعدامهم بدم بارد انتقاما من هروب عدد من المسجونين في اليوم السابق، واليوم يرتكب المالكي المجزرة الخامسة وربما أكثر، ويتهيأ كما تواترت الأخبار للتحضير لمجزرة جديدة من المتوقع أن تحصل في ساحات الاعتصام في المحافظات الست لأنه ينوي فضها بالقوة المسلحة بعد شعوره الزائف بأنه أفلت من الملاحقة القانونية حتى الآن رغم أن الجرائم التي ارتكبها تقع في دائرة اختصاص المحكمة الجنائية الدولية. لم يتعامل المجتمع الدولي مع الأسف بالمسؤولية المطلوبة أو المتوقعة، لا مجتمعاً ولا متفرداً، لا حكومات ولا منظمات، مع مروق حكومة نوري المالكي وإرهابه الرسمي، بل غضت جميع الدول تقريبا الطرف عن الجرائم التي ارتكبها رغم أن أمام المجتمع الدولي بدائل عديدة سياسية وقانونية كان من الممكن أن تتوسل بها منفردة أو مجتمعة في إيقاف مسلسل القتل والتطهير لكنها لم تفعل، مما شجع نوري المالكي لارتكاب المزيد من المجازر، وأنا على يقين أن نوري المالكي سيرتكب المزيد فيما لو تساهل المجتمع الدولي هذه المرة أيضاً، وبالتالي فإن شعب العراق يحمل المجتمع الدولي وعلى وجه الخصوص المنظمة الدولية كامل المسؤولية فيما تعرض أو يتعرض له مستقبلا المواطنون والمقيمون على أرضه. رغم أن المنظمة موجودة بشكل دائم في بغداد عن طريق ممثليه الأمين العام للأمم المتحدة ( يونامي )...
اعتاد المالكي انتهاز فرص انشغال العالم بأحداث ساخنة في مناطق مضطربة من أجل ارتكاب هذه المجازر، وأعتقد أن انشغال العالم بالمجزرة التي ارتكبها قرينه في سوريا بالسلاح الكيماوي تشكل فرصته الذهبية لارتكاب المزيد في هذا المجال.
أدت المنظمات الأممية ذات الصلة بحقوق الإنسان ما عليها من مسؤولية في رصد وتوثيق وإدانة خروقات حكومة نوري المالكي في ملف حقوق الإنسان، لكن الشعب العراقي حقيقة ضاق ذرعاً بموقف دولي يكتفي بإصدار بيان الإدانة والاستنكار والناس تسأل وماذا بعد؟ لكن لا جواب لمن تنادي!!.
بالطبع سجل المالكي بملف حقوق الإنسان يتجاوز هذه الجرائم المنفردة رغم فظاعتها بما يمكن تصنيفها أنها جرائم إبادة ضد الإنسانية، يتجاوزه إلى الاعتقال التعسفي بحق المواطنين العراقيين، والتعذيب والاغتصاب والسجون السرية والقتل العمد.. جرائم طبعت الحياة اليومية في العراق وباتت تشكل جزءاً من المشهد الذي يصيب الجميع بالحزن والأسى. والمالكي في ضوء ذلك، طال الزمن أو قصر لن يفلت من العقاب.
ورغم ذلك فإن الانطباع السائد هو أن تبقى حكومة مارقة كحكومة نوري المالكي جاثمة على صدور العراقيين لأجل، لأنه كما يبدو في إطار المصالح الدولية مقبول وحتى لإشعار آخر إن يحكم مهد الحضارات، بلد الرشيد...جزار فاسد متخلف، مقبول أن يعاني شعب العراق الأمرين وأن يحرم فرصة الحياة الحرة الكريمة، مقبول أن يصبح العراق بلدا غير قابل للحياة وأن يفقد أبناؤه الأمل والرجاء وأن يتحولوا إلى غرباء ولاجئين يطرقون أبواب سفارات العالم طلبا للجوء، لكنه من غير المقبول تحريك الساكن وتنشيط الخامل وإيقاظ النائم، من غير المقبول في الظرف الراهن الحديث عن إصلاح وتغيير، الدول الكبرى قريبها وبعيدها قد يكون لها أجندتها ومصالحها واتفاقاتها، في غض النظر عن التدهور الحاصل في العراق بل إن حسابات دولية وإقليمية قد تكون وراء تأخير وصول حبة الدواء للعراق المريض، لكن شعب العراق لن يرضى بذلك بالطبع، لن يقبل أن يكون قدره أسير حسابات لا علاقة له بها، ولكل أجل مستقر.
وحكومة نوري المالكي تعلم هذه الحقيقة ولهذا تمضي بارتكاب مجزرة بعد أخرى وهي مطمئنة لردات الفعل الإقليمي والدولي التي لن تتجاوز في جميع الأحوال أصوات الشجب والاستنكار.
لكن للعراقيين رأيا آخر وموقفا آخر.
1122 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع