عملية طوفان الأقصى وردة فعل بعض المثقفين والمتعلمين والإعلاميّين العرب؟ الى متى يظل طرح الاسئلة الخطأ؟

د. سعد ناجي جواد*

عملية طوفان الأقصى وردة فعل بعض المثقفين والمتعلمين والإعلاميّين العرب؟ الى متى يظل طرح الاسئلة الخطأ؟

بعد الذي حدث في فلسطين على مدى 75 عاما، ثم ما حل بالعراق وليبيا وسوريا واليمن، إعتَقدتُ وبسذاجة، ان هذه الكوارث ستقلب مواقف الاشخاص الذين ظلوا يراهنون على الغرب، وبالذات على الولايات المتحدة وبريطانيا على نقل بلدانهم الى حال افضل: ديمقراطية واحترام لحقوق الانسان ورفاهية اقتصادية وتقدم علمي وتكنولوجي الخ. وكما كان اعتقادي خاطئًا انذاك، فان هناك مايشير إلى حقيقة انه رغم كل الذي يحدث في غزة العز والكرامة ان هناك من لا يزال متمسكا باعتقاداته. البعض يصر على القول ان الأعداد الهائلة من الضحايا التي تتساقط في غزة نتيجة الهجمات الوحشية والبربرية واللا إنسانية، وهي مؤلمة حقا، كان يمكن تجنبها لو لم تقم مقاومة غزة بعملية طوفان الأقصى، ولا يحاول ان يتذكر ما فعلته دولة الاحتلال طوال 75 عاما، بل ولا يزال هناك من يظن ان الفلسطينين ارتكبوا خطاءا كبيرا عندما رفضوا القبول بقرار التقسيم الظالم في عام 1948، وهناك من يجاهر علنا ان ما تقوم به المقاومة في فلسطين ولبنان واليمن والعراق هو عبث ولا طائل منه. ويضيف ان كل الأعمال لم ولن تحقق للفلسطينين وللعرب اي شيء.
بالتاكيد ان هؤلاء الاشخاص لن يغيروا ارائهم مهما حصل، والسبب الاساس في ذلك هو تشبعهم بالدعايات الغربية حول الديمقراطيات المزيفة الموعودة وأكاذيب حقوق الانسان والامال المبنية على مساعدة الغرب بتحقيق تنمية ورفاهية في مجتمعاتهم ، وان كل تلك الأمور يمكن ان تتحقق إذا ما سرنا خلف الغرب ورضينا بشروطه.
قبل ان يتم احتلال وتدمير العراق، وعندما كنا نعيش ايام الحصار الظالم واللا إنساني الذي فرضته علينا الولايات المتحدة وبريطانيا وإسرائيل ودول عربية عديدة، فاجأني موقف بعض الأساتذة الزملاء في الجامعة وهم يترقبون بايجابية الاحتلال، وقولهم ان هذا هو افضل سبيل للإطاحة بالنظام وانهاء الحصار وتحقيق الديمقراطية. وعندما كنت اقول لهم ان من فرض الحصار وقتل مليوني إنسان جلهم من الأطفال والنساء والشيوخ لا يمكن ان يكون منقذا، وان الاحتلال إذا ما تم لن يكون لنقل العراق إلى حالة افضل وانما لتدميره، وان الاطاحة بالنظام لن يكون حبا بالعراقيين وانما خدمة لإسرائيل. وان العراقيين وحدهم هم من يمتلكون الحق في التغيير. ولكن كل هذا الكلام لم يغير آرائهم شيئا. وقسم منهم لا يزال لحد الان يعتقد ان ما جرى في عام 2003 كان صحيحا رغم الدمار والشرذمة الطائفية وفشل الحكومات المتعاقبة والفساد الكبير الذي ضيع، ولا يزال يضيع موارد العراق الهائلة. وتكرر الأمر عندما دُمرت ليبيا وسوريا واليمن بهجمات عسكرية خارجية مباشرة، حيث منحت دول الناتو نفسها الحق في شن الحروب وإسقاط الأنظمة التي لا تنسجم مع فكرة بناء الشرق الأوسط الجديد الذي تكون إسرائيل على رأسه.
ان اخطر ما في هذا التفكير هو انه يمكن ان يُوصِل الاجيال الحالية والقادمة، عن قصد او عن جهل، إلى حالة من اليأس والقبول بنظرية الامر الواقع. فمثلا عندما يقول البعض كان على الفلسطينين ان يقبلوا بقرار التقسيم، ولو قبلوا به لكان لديهم دولتهم، ينسى ان فكرة اقامة دولة فلسطينية كانت مرفوضة تماما من قبل الولايات المتحدة وبريطانيا والدول المتحالفة معها منذ البداية، وأكثر من سعى عمليا لذلك هي بريطانيا التي احتلت اراضي فلسطين كلها ووضعتها تحت الانتداب، ولم يكن فيها سوى نسبة ضئيلة من اليهود الذين كانوا يعيشون بسلام مع المسلمين والمسيحيين، وفتحت باب الهجرة على مصراعيه لكي تدعي بعد ذلك انها لم تعد قادرة على ادارة الامور واحالت الامر إلى الامم المتحدة لكي تعلن قرار التقسيم المشؤوم. في نفس الوقت استعملت بريطانيا كل أساليب القسوة والقوة العسكرية ضد كل حركة وطنية ظهرت في الدول التي وضعت تحت انتدابها، وخاصة في العراق ومصر، من اجل التمسك باحتلال هذه الدول. كما أنّ إسرائيل رفضت حتى تطبيق قرارات الامم المتحدة المجحفة بحق الفلسطينين، مثل قرار رقم 194 الذي يعطي الفلسطينين حق العودة إلى وطنهم بعد ان شرّدتهم العصابات الصهيونية. ولا تزال إسرائيل تشترط على المنظمات الفلسطينية التنازل عن هذا الحق في اية مفاوضات. ثم قامت بالتوسع واحتلال اراضي فلسطينية اكثر مما خصصه لها قرار التقسيم، واستعملت أساليب وحشية وارتكبت مجازر بحق الفلسطينين الآمنين في قراهم ومدنهم والذين لم يكونوا يحملون السلاح. ومن يقرأ التاريخ جيدا يجد ان عملية التوسع الإسرائيلي على حساب الأراضي الفلسطينية التي خُصصِت (لدولة فلسطين) حسب قرار التقسيم كانت تجري على قدم وساق منذ نهاية الحرب العربية الاسرائيلية عام 1948، وتوجتها باحتلال سيناء لأول مرة في عام 1956، ولم تكن مصر انذاك قد هددت إسرائيل بالقوة العسكرية، وعندما انسحبت من سيناء بعد اكثر من عام استبقت لنفسها اراضي فلسطينية جديدة، وكذلك فعلت مع اجزاء من الضفة الغربية، وتوجت هذه النزعة التوسعية في عام 1967، عندما احتلت كل ارض فلسطين وزادت عليها باحتلال شبه جزيرة سيناء والجولان ومزارع شبعا، وفق مخطط اسرائيلي مبيت، ولم تكن اي من الدول العربية تمثل اي تهديد حقيقي للاحتلال. وكل هذا حدث عندما لم تكن هناك مقاومة تذكر يمكن ان تهدد التواجد الصهيوني، ولم تكن هناك صواريخ تطلق على الأراضي المحتلة. واليوم تؤكد حكومة الاحتلال وبصراحة لا غبار عليها، انها ترفض قيام شيء اسمه دولة فلسطينية، ويؤيدها في ذلك كل من الولايات المتحدة وبريطانيا. وما يصدر من تصريحات عن وجوب حل القضية الفلسطينية على اساس الدولتين هو كذبة كبرى لخداع المقاومة بعد الذي حققته عملية طوفان الأقصى وعجز جيش الاحتلال عن إنهائها. اما مسالة السخرية من المقاومة ومن صواريخها التي أنهت بصورة كبيرة تفوق الجيش الذي كان يعتبر الاقوى في المنطقة على الإطلاق والجيش التاسع عشر على المستوى العالمي، فهذه ايضا نتاج للتفكير الغربي الذي يحاول ان يهبط من عزيمة الأبطال الذين استطاعوا وبطرقهم البدائية ومواردهم الضئيلة من تصنيع الاسلحة الفعالة التي شكلت ردعا لإسرائيل المدججة باحدث الأسلحة الامريكية والغربية، وجعلها غير قادرة على تحقيق اي نصر عسكري ساحق كالذي حققته في عام 1967. وان اليوم الذي ستمتلك فيه المقاومة الأسلحة المضادة للطائرات ليس ببعيد وربما يظهر إذا ما تصاعدت المعارك مع المقاومة اللبنانية.
الأمر الإيجابي الذي يشكل ردا على حملات التشكيك ان الاجيال الحالية، والاهم الرأي العام العالمي، وصلوا إلى حالة من الوعي جعلتهم يعون حقيقة العنصرية والنارية والفاشية الاسرائيلية، واصبحوا على قناعة بعدوانية الاحتلال ومخططاته، وبضرورة نصرة الشعب الفلسطيني من اجل الحصول على حقوقه كاملة. وهذه الأطراف بدات تؤمن، ورغم وحشية العدوان، والعدد الكبير والمبكي من الضحايا الذين يتساقطون في كل لحظة والدعم المتزايد الذي تتلقاه إسرائيل، وبالذات من الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا، ان المقاومة الفلسطينية قد حققت نصرا كبيرا وعلى كل الصعد، هذا الانتصار الذي أعاد الكيان الاسرائيلي إلى حجمه الطبيعي وجعله يستجدي العون الأمريكي المباشر، الذي لولاه لكان الكيان غير قادر حتى على الحفاظ على الأراضي التي منحها إياه قرار التقسيم المشؤوم. وهذا الأمر آت طالما ظل هناك مقاومة رافضة للأفكار الغربية المحبطة.
كلمة اخيرة لمن يروج للأفكار السلبية ان عليهم ان يسألوا الاسئلة الصحيحة، وهي هل ان من مرر قرار التقسيم كان يومن بقيام دولة فلسطينية حقا؟ واذا كان ذلك صحيحا فلماذا تم تسليم ما تبقى من ارض فلسطين إلى الدول المجاورة وليس للشعب الفلسطيني؟ والسوال الاخر هو قبل ان تنطلق شرارة المقاومة ماذا تبقى من اراضي الدولة الفلسطينية المزعومة؟ والاهم ما هو عدد المستعمرات والمستوطنات التي أنشأتها حكومات الاحتلال المتعاقبة داخل الأراضي الفلسطينية؟ وماذا حصل بعد ان اعترفت منظمة التحرير الفلسطينية بالدولة اليهودية في أوسلو؟ وان يعودوا إلى الخريطة التي عرضها نتنياهو في الامم المتحدة موخرا مدعيا انها خريطة (إسرائيل). وعلى اصحاب هذه الاراء ان ينظروا حولهم في الوطن العربي ويؤشروا لنا على نموذج تنموي متقدم واحد ساهم الغرب في إنشاءه. بالمقابل يمكن ان نعدد لهم النماذج التي كانت تبشر بنهضة تنموية كبيرة دمرتها الحروب الاسرائيلية والأمريكية، هذا إذا ما تجاوزنا الأعداد الهائلة من البشر الذين قتلتهم الحروب البريطانية والأمريكية والاسرائيلية والفرنسية والإيطالية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية ولحد اليوم في الوطن العربي فقط.
ان زمن التغيير آت شاء الاحتلال الاسرائيلي ام أبى، وما سيعجل بذلك اتساع رقعة المعارك من غزة إلى الضفة الغربية وجنوب لبنان وفي البحر الأحمر وفي إيلات، ومهما أكثرت الولايات المتحدة من مباركتها لاستمرار الهجمات الاسرائيلية البربرية وبأسلحة فتاكة جديدة. وسيظل العرب المتفائلون بقدراتهم الذاتية يفتخرون بما تنجزه المقاومة التي أشعرتهم بالفخر لأول مرة منذ ان تم احتلال فلسطين. وستبقى عبارة (الحمد لله على كل شيء) التي يرددها ابناء فلسطين الصابرين اكثر ما يقض مضاجع المحتلين ومن يقف ورائهم.(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) صدق الله العظيم.
*كاتب واكاديمي عراقي

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

833 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع