الدكتور عدنان هاشم
لو قلت لرجل أنت كذاب! فأجابك: كلا وربِّ الراقصات! لظننت على الفور أنه جمع إلى الكذب الحمق وسخافة العقل.
ولو قلت لرجل: أنت جرثومة إبن جرثومة، لاستبد به الغضب، ولو كان من سريعي الغضب الذين لا يسيطرون على أعصابهم فالنتيجة ربما تكون وخيمة العواقب. وأما إذا قال الزوج لزوجته: أنت جرثومة الدار، فتوقع ثورة تقوم لها الدار ولاتقعد.
ولو قيل لك: اجتاحنا العدو بالقنابل تلو القنابل. لظننت على الفور أن العدو ملأ الجو بالطائرات التي ألقت حممها من الجو على الناس العزل!
ولكن أقرأ معي هذه الأبيات للشاعر القديم قيس لبنى:
حلفتُ بربِّ الراقصاتِ إلى مِنى هُوِيَّ القطا يَجْتزَن بَطنَ دَفينِ
لقد ظن هذا القلبُ أنْ ليس لاقياً سُلَيْمى ولا أمَّ الحسينِ لحينِ
إلى آخر قصيدة الغزل الجميل، لعرفت أن الراقصات جمع راقصة وهي الناقة التي إذا أسرعت في مشيها فإنها تتمايل يمينا وشمالا من جانب إلى جانب، ومنها اشتق اسم الراقصة للمرأة التي تميل بجسدها يمينا ويسارا عند الرقص، واسم رقاص الساعة لأنه لا يفتأ يتحرك من جانب إلى جانب.
والجرثومة في اللغة هي أصل الشيء ومجتمعه. والتاريخ يذكر أن أبا موسى الأشعري ثبط أهل الكوفة عن القتال مع علي بن أبي طالب عليه السلام قبل حرب الجمل بقوله: إنها فتنة فالزموا بيوتكم، واغمدوا سيوفكم وأنتم جرثومة العرب.
ومدح جرير عبد العزيز بن مروان بقوله:
قومٌ أبوهم أبو العاصِ وأُمُّهم جرثومةٌ لا تساويها الجراثيمُ
فابتهج عبد العزيز لهذا المديح وأكرم جريرا بجائزة سخية.
وأما القنابل فجمع قَنْبَل، وهو الطائفة من الخيل، قيل عددهم بين الثلاثين والأربعين. ثم استعملت في العصر الحديث للقذائف المختلفة أعاذنا الله وإياكم منها ومن شر نيرانها.
فترى عزيزي القارئ كيف تتطور اللغة وتتغير استخداماتها. فإذا التقيت لغويا متحذلقا، فقال لك أنت جرثومة البلد، فاشكر له قوله ولا تغضب فإنه يريد المديح ولا يريد الذم.
770 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع