سمير عبد الحميد
جامع الخليفة العباسي وجامع القصر
جامع القصر
قال الخطيب البغدادي في تاريخه1 :(فلم تكن صلاة الجمعة تقام بمدينة السلام الا في مسجدي المدينة والرصافة الى وقت خلافة المعتضد، فلما استخلف المعتضد امر بعمارة القصر المعروف بالحسني على دجلة في سنة ثمانين ومائتين ،وانفق عليه مالا عظيما.وهو القصر المرسوم بدار الخلافة .وامر ببناء مطامير في القصر رسمها هو للصناع ،فبنيت بناءا لم ير مثله على غاية ما يكون من الاحكام والضيق، وجعلها محابس للاعداء.وكان الناس يصلون الجمعة في الدار ،وليس هناك رسم لجامع ،وانما يؤذن للناس في الدخول وقت الصلاة، ويخرجون عند انقضائها ،فلما استخلف المكتفي في سنة تسع وثمانين ومائتين،ترك القصر وامر بهدم المطامير التي كان المعتضد بناها،وامر ان يجعل موضعها مسجدا جامعا في داره ،يصلي فيه الناس ،فعمل ذلك وصار الناس يبكرون الى المسجد الجامع في الدار يوم الجمعة، فلا يمنعون من دخوله ،ويقيمون فيه الى اخر النهار.وحصل ذلك رسما باقيا الى الان.وقد جرت اعمال صيانة لهذا الجامع عبر السنين ،فقد قال ابن الجوزي في المنتظم حوادث سنة 475 هجرية(وفي شوال تكاملت عمارة جامع القصر المتصل بدار الخلافة وبني ما كان فيه خرابا واوسع وعمل له منبر جديد . وقد كان الوزير فخر الدولة محمد بن جهير عمل فيه سقاية واجرى فيها الماء من داره في قنى تحت الارض وجعل لها فوارات فانتفع الناس يذلك منفعة عظيمة. وفي اخر شعبان من سنة خمس وثلاثون وستمائة انتهى من عمارة باب جامع القصرمما يلي الرحبة وفتح وفتحت المزملة التي عملت في الجامع المذكور. واستقرت صلاة الجمعة ببغداد في مساجد ثلاثة. وفي حجرته بباب المراتب بدرب السلسلة قرب المدررسة النظامية توفي الخطيب البغدادي سنة 463ذكر ذلك الدكتور بشار معروف في مقدمة تحقيق تاريخ بغداد الصفحة36 . قال ابن الاثير في تاريخه :(في سنة 510 هجرية وقعت النار في الحظائر المجاورة للمدرسة النظامية ببغداد ،فاحترقت الاخشاب التي بها، واتصل الحريق الى درب السلسلة وتطاير الشرر الى باب المراتب فاحترقت منه عدة دورواحترقت خزانة كتب النظامية، وسلمت الكتب لان الفقهاء لما احسوا بالنار نقلوها .وفي المنتظم لابن الجوزي في حوادث سنة 383 قال:( وفي يوم الاربعاء لاربع بقين من جمادي الاولى وقع الفراغ من الجسر الذي عمله بهاء الدولة في مشرعة القطانين بحضرة دار مؤنس واجتاز عليه من الغد ماشيا وقد زين بالمطارد) يقول الدكتورمصطفى جواد رحمه الله :(مشرعة القطانين تقابل اليوم شريعة بيت الايلجي قرب دار النواب على شاطئء دجلة الغربي ،وعلى هذا يكون الطرف الشرقي للجسر في شارع المحاكم المدنية المعروف (بشارع المتنبي) ويقول الدكتورفي دليل خارطة بغداد :(وفي اوائل القرن الرابع الهجري اقام الامير مؤنس المظفر دار فخمة عظيمة على دجلة، وفي قسم من هذه الدار انشئت فيما بعد المدرسة النظامية على عهد السلاجقة. يستشف من هذا ان دار مؤنس تقع في شارع المتنبي وان النظامية تقع في شارع المتنبي كذلك لانها بينت بدار مؤنس. وان النظامية قرب درب السلسلة وباب المراتب كون النار قد مستهم جميعا. ولما كان باب المراتب هو الباب الجنوبي لدار الخلافة حسب كتاب الصبح الاعشى للقشقلندي:( حريم دار الخلافة ببغداد وله ابواب اولها باب الغربة وهو على دجلة ثم باب سوق التمر وهو باب شاهق اغلق في خلافة الناصر لدين الله ثم استمر غلقه ثم باب البدرية ثم باب النوبي وفيه العتبة التي تقبلها الملوك والرسل ثم باب العامة ويقال له ايضا باب عمورية ثم يمتد السور ميل لاباب فيه الا باب بستان تحت المنظرة التي تنحر تحتها الضحايا ثم باب المراتب بينه وبين دجلة نحو رميتي سهم)الجزء الرابع صفحة 331. اي ان باب المراتب هو الباب الجنوبي لدار الخلافة وبذلك تكون دار الخلافة تقع في مباني وزارة الدفاع القديمة في الباب المعظم لذا فجامع القصر المتصل بدار الخلافة يقع قرب القصر العباسي الموجود الان في وزارة الدفاع. يقول العلامة محمود شكري الالوسي في كتاب بغداد ومايجاورها من العباد ص76: (ولعل هذا القصر هو المحل المعروف بالقلعة- يقصد القصر العباسي الحالي كونه قصر التاج- وفيه الى اليوم بعض مباني العباسين .....وفيه مسجد كبير )وذكر السيد محمد سعيد الراوي انه كانت توجد مطامير بقرب جامع القلعة اي سراديب كانت تتخذ سجونا .وهنا قد فات الدكتور بشار معروف محقق كتاب تاريخ بغداد الموقع الحقيقي لدرب السلسلة كونه في شارع المتنبي كما اوضحنا ،اذ تبنى القول القائل( ان درب السلسة يمثل اليوم فرعا من سوق البزازين الكبير القريب من خان دلة اذ كانت عنده المدرسة النظامية التي يعتقد انها تقع جنوب المدرسة المستنصرية، ثم قال فان كان هو المقصود فهذا خطا بين لبعد هذا الدرب عن موقع البستان. يقصد بستان عضد الدولة البويهي بين جسر الصرافية الحديدي والعيواضية .
جامع الخليفة او الخلفاء
قام الخليفة المستنصربالله العباسي بعد ورود الانباء باقتراب العساكر المغولية
من بغداد بجيوشها، باجراء امور احترازية منها: اغلاق حريم دار الخلافة ، وجامع القصر باعتباره جزء من دار الخلافة، والقيام ببناء جامع بديل لاقامة الصلاة. ففي كتاب الحوادث الجامعة، في سنة تسع وعشرين وستمئة هجرية وردت الاخبار بانتشار عساكرالمغول في بلاد اذربيجان وتطرقهم الى مايقاربها من النواحي والاعمال الى نحو شهرزور فاخرج الخليفة المستنصر بالله الاموال وجهز العساكر وارسل الى سائر البلاد للجمع والاحتشاد)ثم في سنة633 هجرية وصلت الاخبارمن اربل ان عساكر المغول اجتازوا بها قاصدين الموصل فحاربهم عسكر اربل وقتل من الفريقين وجرح جماعة ثم انفصلوا قاصدين اعمال الموصل فعاثوا بها اشد العبث وقتلوا ونهبوا واسروا، فامر الخليفة بتجهيز العساكر والتوجه الى تلك الجهة واستنفار الاعراب من البوادي والرجالة من جميع الاعمال فلما حضروا فرقت عليهم السلاح والاموال وجعل مقدم العساكر الامير جمال الدين قشتمر.
قال الدكتور مصطفى جواد في ترجمته لرحلة نيبهر الى بغداد سنة :(وبنى المستنصر بعد ثلاث سنوات -اي بعد بناء المدرسة المستنصرية- جامعا بديعا كان اية في الفن والجمال في محلة سوق الغزل، لم يبق منه الا المنارة وواجهة سوره الذي يحتوي على مدخلين جميلين. وقد شاهدت على هذا الباب كتابة تشير الى باني هذا الجامع وهذا نصها .:(امر بعمله سيدنا ومولانا الامام المستنصر بالله امير المؤمنين اعلى الله تعالى معالم الاسلام بهمته العالية وازهى دعائم الايمان باياته وذلك في سنة ثلاث وثلاثون وستمائة .ويقول المؤرخ الكبير عباس العزاوي في مقال بعنوان من جوامع بغداد:( القول بانه جامع المستنصر: المستنصر بالله خليفة مشهور وان جامعه صح ان يقال له انه (جامع الخليفة) فالاضافة اليه صحيحة سواء كانت نسبة اختصاص او ملك).
وجاء في كتاب الحوادث :لما دخل المغول بغداد سنة 656 هجرية (واحرق معظم البلد وجامع الخليفة ومايجاوره واستولى الخراب على البلد)عين علي شهاب الدين بن عبد الله صدرا في الوقوف وتقدم اليه بعمارة جامع الخليفة وكان قد احرق كما ذكرنا.وسلمت مفاتيح دار الخليفة الى مجدالدين محمد بن الاثير وجعل امر الفراشين والبوابين اليه وتفدم للجاثليق بسكنى دار علاء الدين الطبرسي الدويدار الكبير التي على شاطئ دجلة فسكنها.
يستشف من هذا ان منشات حريم الخليفة ومنها جامع القصر وقصور اكابر الناس كقصر الطبرس قد سلمت من التخريب والحرق عدا جامع الخليفة الذي هو خارج الحريم والدليل الاخر على سلامة حريم الخلافة مكوث الطاغية في الدار المثمنة داخل الحريم قال ياقوت (دار المثمنة بدار الخلافة وهي من عمارات المطيع لله) يقول الدكتور مصطفى في دليل خارطة بغداد:( والدار المثمنة وهي التي جلس فيها الطاغية هولاكو عند فتحه بغداد) مما يعني ان جامع القصر قد اغلق احترازا سنة 655هجرية اي قبل سنة واحدة قبل الغزو المغولي وان البديل كمسجد جامع هو جامع الخليفة في سوق الغزل. يقول سليمان افندي بجوي المتوفى سنة 1061 هجرية:( دخل السلطان-سليمان القانوني- عام 941 بغداد الى القصر عالي البهجة الذي كان داخل سور بغداد والذي كان ماوى ومنزل الخلفاء السابقين .واستراح فيه وقال الدكتور عبد السلام :(قصور دار الخلافة ظلت ماثلة عامرة ينزلها المحتلون حتى القرن العاشر للهجرة اي بعد ثلاثة قرون من زوال الخلافة العباسية )ولو رجعنا الى كتاب الحوادث الذي حققه الدكتور بشار معروف والدكتور عبد السلام رؤوف، سنرى ان صاحب الكتاب كان يذكر الجامع باسم جامع القصر قبل نكبة بغداد بهولاكو والمغول حيث اشار الى ذلك في الصفحات :(325،346،235،193،168،138،132،130،42وبدأ حرفيا ذكر جامع اخر باسم جامع الخليفة ابتداءا من سنة 655هج وما بعدها ولم يعد اي ذكر لجامع يسمى جامع القصر حيث بدء استعدادات هولاكو لغزو العراق في هذه السنة اذ قد رحل من همذان نحو العراق بجيوش تملأ الفضاء حسب كتاب الحوادث اما بعدهذه السنة فانه اخذ يذكر جامعا اخر سماه جامع الخليفة كون جامع القصر كان قد اغلق امام العامة لانه اصبح جزء من دار الحكم للمحتلين ولم يبقى للعامة سوى الجامع الذي سماه جامع الخليفة بعدما تم اصلاحه كما ذكرنا وهو الجامع الذي بناه المستنصر عام 633هج الذي هو جامع سوق الغزل الان.
916 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع