بعض من رسائل طوفان الأقصى

د. علي محمد فخرو

بعض من رسائل طوفان الأقصى

في ديوان قصيدة «الجنة المفقودة» الأبيات التالية: «وماذا إذا ضاعت الأرض؟ فهذا لا يعني أن كل شيء قد ضاع. فهناك الإرادة التي لا تقهر، وهناك تهيئة النفس للكره الأبدي ولأخذ الثأر. وهناك الشجاعة التي لا تتنازل أو تلين».
لكأن من ألفها كتبها لأبطال غزة ولشعب فلسطين العربي. وها هم أبطال ومجاهدو «طوفان الأقصى» يترنمون بها لتسمعها آذان أمتيهما العربية والإسلامية وأحرار العالم كله.
لقد اغتصب الاستعمار الغربي، وفي مقدمته خائنة العهود (بريطانيا) ورافعة لواء كل أكاذيب الدنيا (أميركا)، وبالتنسيق التام مع الصهيونية العالمية القابعة خلف أساطير وخرافات دينية وتاريخية متخيَّلة... اغتصبوا أرض فلسطين من ساكنيها، وحتى عندما اضطرت الضحية إلى التنازل عن ثمانين في المئة من أرضها ظل الأميركيون والسلطات الاستعمارية في فلسطين المحتلة يتلاعبون ويراوغون من أجل الإتيان بمزيد من المستوطنين وأخذ المزيد من الأرض والتهيئة لقيام دولة يهودية حتى ولو كان ذلك على حساب وحقوق ومواطنة عشرين في المئة من سكان فلسطين المحتلة في عام 1948.
وإبان ثلاثين سنة من مناقشات اتفاقيات أوسلو العبثية نجحت الصهيونية العالمية في بناء يمين صهيوني ديني دموي بالغ التطرف، ونجح الاستعمار الأميركي في الكذب مرة أخرى وإقناع العديد من الأقطار العربية للدخول في عملية التطبيع مع الكيان الصهيوني من خلال تقديم وعود مضللة وممارسة كل أنواع التهديد والضغوط والابتزاز بأن التطبيع سيقود إلى حل معقول حسب - بالطبع - الفهم الأميركي والفهم الصهيوني لكلمة الحل، والتي لن تزيد على استسلام عبودي كامل من قبل خمسة عشر مليون فلسطيني من أجل كسب فتات الفتات مما بقي من وطنهم ومجتمعهم وتاريخهم وهويتهم وثقافتهم وحقوقهم السياسية، وبالتالي دخولهم في مستقبل مظلم، تماماً كما تدخل العاهرة بيت الرذيلة حتى يتكفل الزمن بنسيانها لذاكرتها ولشرفها ولعفتها الإنسانية.
ما يوجع القلب أن بعضاً من مسؤولي وطن العرب ومن أزلام مجتمعات العرب المدنية الطامعين في الثروة والمنصب لا يرون حقائق ذلك التاريخ الناصعة، ولا يعون حقائق الحاضر الخطرة المأساوية، ولا يدركون حقائق المستقبل وأهواله القادمة. أبطال ومجاهدو فلسطين من الشباب والكبار والأطفال، الذي يضحون يومياً بالغالي والرخيص، والذين يموتون من أجل الدفاع عن هذه الأمة كلها، المستهدفة من الصهاينة في فلسطين وفي واشنطن وتابعيها، هم وحدهم الذين يدركون بأن «الشجاعة هي الثمن الذي تطلبه الحياة منا لتمنحنا السلام والسكينة»، وهم وحدهم الذين يعرفون بأنك إذا امتلكت ما يكفي من الشجاعة فلا تهتم بما يقوله الآخرون من الجبناء والمشككين المستهزئين. وهم وحدهم يصرخون عالياً بأن «الشجاعة هي الشيء، وأن كل شيء يختفي إذا اختفت هي، وأنها ليست فقط واحدة من الفضائل، وإنما هي التي تكون وترسم صورة كل فضيلة أخرى عندما تمتحن محن الحياة تلك الفضائل».
أما الذين يتباكون عند سماعهم بكاء بضعة أطفال أو نساء أو جنود من المستوطنين فإننا نذكرهم بأننا قد سمعنا عبر خمس وسبعين سنة بكاء وآهات وأوجاعاً واستنجاداً من شعب فلسطين المظلوم من دون أن يلتفت إليهم أصحاب دموع التماسيح في أوروبا وأميركا وبعض دول العرب مع الأسف.
وكالعادة، ما إن تأوه الجلاد الصهيوني تحت ضربات الدفاع عن النفس الفلسطينية الممتدة عبر ثلاثة أرباع القرن والتي ظلّ يمارسها الصهاينة يومياً بحق أناس وأرض وكرامة أرض فلسطين، حتى تبرعت أميركا بثمانية مليارات دولار، إمعاناً في جرح كرامة الضحية الفلسطينية، وبدأت بإرسال أفتك الأسلحة للجلاد وليس للضحية التاريخية.
ولذلك فمن حقنا طرح هذا السؤال للمرة الألف: متى ستعتبر الجامعة العربية ومؤسسة مؤتمرات القمة العربية ومؤسسات المجتمع المدني وشعوب الأمة العربية والأمة الإسلامية قاطبة... متى سيعتبرون أميركا دولة عدوة حاقدة ظالمة يجب أن تقاطَع وتحارَب في كل الحقول السياسية والاقتصادية والأمنية والثقافية وفي كل الساحات الدولية بعد أن عادت كالعادة وأكدت فجورها المجنون، الممتد أكثر من سبعين سنة، تجاه شعب فلسطين المضطهد من دون ذنب جناه وتجاه أمتي العرب والمسلمين؟
يا أبطال غزة وفلسطين نذكركم بالقول الشهير: «إن حياة الإنسان تتقلص وتتمدد بمقدار ما تحكمها فضيلة الشجاعة». لكم الله يا أبطال هذه الأمة الشجعان.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

889 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع