علي المسعود
متى يخرج المواطن العراقي من عالمه المتجمد ؟
في عمر الثامنة عشر فقط كتب إيتيان دولا بويسي كتابه ذائع الصيت بعنوان "مقالة العبودية الطوعية " وفيه يتساءل عن السر الذي يجعل المجموعة تخضع بارادتها للفرد واحد الذي لايتميز عنه بشئ سوى أنه متنمي للعائلة الملكية .
يتحدث دولا بويسي في هذا الكتاب عن ألانظمة المستبدة وينتقد " عميلة ضناعة الطغاة ". ويدعوا في مقالاته الشعوب الى التمرد وعدم الخنوع ورفض الانصياع للحكام حتى ولوكلف ذالك حياتهم . وضع الكاتب تصنيف للحكام المستبدين ورتبهم في ثلاثة أصناف: الأول يحكم لأن الشعب قد انتخبه، والثاني انتزع المُلك بقوة السلاح ، والأخير جاءه الحكم بالوراثة. أما الذين اغتصبوا السلطة بقوة السلاح فيتصرفون بها كأنهم في بلاد قاموا بغزوها . وأما الذين ولدوا ملوكا فليسوا دائماّ هم ألأفضل ، فالذين ولدوا وترعرعوا في حضن الطغيان يرضعون الطغيان طبيعيا مع الحليب وينظرون إلى شعوبهم الخاضعة لهم نظرتهم إلى عبيد بالوراثة ويتصرفون بالمملكة وفقا لطبعهم الغالب ، بخلاء كانوا أم مبذرين ومثلما يتصرفون بإرثهم . أما الذي تأتيه السلطة عن طريق الشعب يبدو أكثر قبولاّ وأحتمالا. وأعتقد أنه يمكن أن يكون كذلك أذا لم يرى نفسه أعلى قيمة من الجميع حتى يساوره الغرور بفعل ذلك الذي يطلقون عليه اسم جنون العظمة ويتحول الى ديكتاتور، فيصمم على أن لا يتزحزح عن مقامه +. ويعتبر على نحو شبه دائم أن القوة التي منحه الشعب إياها ينبغي أن ينقلها إلى أبنائه .
يضيف لابويسي أن هناك عاملين مهمين يخدمان قضية العبودية الطوعية وهما: الدين والخرافات، التي ينشرها رجال الدين عنصر أساسي لدى الحكومات، ليس لنشر الفضيلة ولكن للسيطرة على الناس"- فالسلطة الملكية تستعمل رجال الدين لإقناع المواطنين بخرافة "الحق الإلهي للعائلة الملكية" القادم من السماء السابعة كما توظف الخطاب الديني لأجل التحكم في الغضب الجماهيري وانتهاج سياسة الإلهاء والتفرقة. كما يقول الفيلسوف الايطالي ( (نيكولا ميكافيلي) . بالرغم من أن المفكر الشاب " دي لا بويسيه " لا يخفي كراهيته للطغاة، لكنه يوجه اللوم للناس الذين مكّنوا الطاغية من أن يصبح طاغية من خلال موافقتهم على ما ينفذه من سياسات وقبولهم ما يتبعه من أساليب لإدامة سلطته وتشديد قبضته عليهم . يقول المفكر الفرنسي " اتييان دولابواسييه " في كتابه ( مقالات العبودية الطوعية ) : "عندما يتعرض بلد ما لقمع طويل تنشأ أجيال من الناس لا تحتاج إلى الحرية وتتوائم مع الاستبداد ويظهر فيه ما يمكن أن نسميه (المواطن المستقر) " المواطن المستقر يعيش في عالم خاص له وتنحصر اهتماماته في ثلاثة أشياء:
1- لقمة العيش ،
2 - كرة القدم ،
3 - الدين .
هذا المواطن ( المستقر) هو العقبة والعائق الحقيقي لحدوث التغيير ، ولن ولن يتحقق التغيير إلا عندما يخرج من عالمه المتجمد" .
بالرغم من أنّ "لا بويسي" كتب هذه المقالة في عام 1548م أفي وقت كانت فرنسا تمر بأزمة خانقة تميزت بالظلم والاستبداد . إلا أنها تشبه الى حد كبير الحقبة التي نحنُ فيها بكل تفاصيلها وأرهاصاتها وصراعاتها . ويجسد حرفيا ما تعيشه البلدان العربية حاليا خاصة منها تلك الخاضعة لحكم الملوك والسلاطين والنظم الديكتاتورية ، والواقع المؤلم الذي يؤشر الواقع المزري للغالبية العظمى من سكان مجتمعاتنا العربية الذين ارتضوا بالعبودية الطوعية . وحال المواطن العراقي بالتحديد والمكبل بفساد الطبقة الحاكمة وشيوع الخرافات الدينية والمبالغة في المزرات الدينية الزائفة .
متى يتحرر الانسان العراقي من عالمه المتجمد؟؟ . ومتى يعي المواطن حقيقة السياسيين ويتحرر من قيود الاتّباع الأعمى ؟. وأخيراّ، أقول متى ما أصبح لدينا وعي بحيث يمكننا التمييز بين الصالح والطالح وعلى أساسه نختار بتمحيص دون التعصب والتعظيم لبشر مثلنا ، عندها نتحرر من العبودية الطوعية ونزع رداء التقديس عن رجال الدين والسياسة؟ .
2968 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع