كتب : مهند سري
عراق بلا سياسة
قال لي الخبير الإقتصادي، الدكتور عبد الستار الموسوي، إن مشكلة المياه التي يعانيها العراق لاتنحصر بإجراءات دول المنبع، وانما فقدان السياسة المائية في التعامل مع هذا المحور تحديدأ، ثم ضحك بسخرية مستدركاً أننا نفتقد ايضاً الى سياسة زراعية، وأخرى إقتصادية، وثالثة نفطية، بل دعني اقول لك الى سياسة عامة بالمجمل، الى جانب غياب الخطط المستقبلية، وما موجود مجرد ترتيب مقاعد وكراسي لاغير، وهذه الطامة الكبرى.
رجعت سنوات قليلة الى الوراء، محاولاً وضع دلالات على ماقاله الموسوي، حيث استقر بي المقام في وزارة الموارد المائية، للقاء وزيرها في حينه، ودعونا من ذكر الأسماء، وبدا لي من اول وهلة أن منصبه عن تراض وليس عن خبرة وكفاءة، بدليل أنه احالني الى مستشاره للحديث بلسانه!!
ادركت ساعتها أن المياه تجري وحدها، وإن غارت فبسبب دول المنبع، وشح المطر، ولا ثالث لهما، فيما يبقى الخزين من المياه الجوفية تحت الأرض، ممنوعة التداول.
في القرن الماضي، جففت اهوار العراق بقرارسياسي، ولما اعيدت المياه الى مجاريها استبشرنا خيراً، وقلنا أن حلم فينيسيا سيتحقق فيها، ولاسيما عندما دخلت في قائمة التراث الإنساني، وما درينا أن الجفاف اللاسياسي قد اصابها هذه المرة، وبات عمقها الممتد الى آلآف السنين مهدد بالإندثار، و"لاعين تشوف ولاقلب يحزن".
في حلقة من حلقات الزميل محمد خليل التميمي، الماتعة، تناول موسم الفيضانات في العراق، وتحدث عن فيضان عام 1954، وكيف ان الدولة الملكية جندت كل إمكاناتها لإنقاذ البلاد والعباد من الطوفان.
بل كان العراقيون يؤرخون لسني الفيضانات، فيقولون : هذا ولد في عام " الغرقة"، واذكر في ثمانينات القرن الماضي عندما كنت في الخدمة العسكرية، في منصورية الجبل، كلفنا ببناء السدود نتيجة فيضان نهر دجلة الخالد، وكنت ارى بساتين مدينة البرتقال قد غطت بالماء.
وكانت الأنظمة المتعاقبة تبني السدود لمنع الفيضانات، وتنظيم الري، عندما كانت الزراعة ترسم ظلها على أرض السواد، وفلاحها ينشد :
لكيت الريف بستاني
معاني الفرح الواني
ومع خطط دول المنبع، بل حتى الدول المتشاطئة، في بناء المشاريع الكبرى على حوضي دجلة والفرات، تقلصت الإطلاقات المائية، حتى نشفت والخوف بعينها أنهار كثيرة كانت تمر في العراق، وباتت أخرى على المشارف، فيما نحن نتفرج مرة، ونعترض مرات، فيما يذهب مجرى دجلة والفرات متحداً الى شط العرب!!
وبإزاء حالة التصحر التي أخذت تهدد العراق الذي كان يعد سلة الغذاء العالمية في عصر الإقطاع، وليس الإصلاح الزراعي، اصبحت الحاجة ملحة لإستثمار الخزين الجوفي، وعدم الإلتفات الى تنظيرات ذات دوافع ضيقة الأفق، ولاسيما بعد أن فقدنا الجزء الأكبر من الموارد المائية في مدة وجيزة، بحسب تقريرمعهد البحر الأبيض المتوسط للدراسات الإقليمية في آب 2021.
العراق بحاجة الى وضع خطة طواريء تعتمد إجراءات داخلية، واخرى خارجية تعنى بتحديد حصص الدول المتشاطئة، حتى إذا استلزم ذلك وضع اتفاقية على غرار النفط مقابل الغذاء والدواء، لكن هذه المرة النفط مقابل المياه، لإنقاذ وادي الرافدين.
763 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع