ضحى عبد الرحمن
مباحث في اللغة والأدب/٤٤
الكتاب الذي أثار ضجة في العراق
هناك بعض الكتب التي أثارت ضجة كبيرة لدى القراء، وأدت الى مناقشات كبيرة، واحيانا فقد بعض الكتاب حياتهم بسبب كتاب ما، مثل نجيب محفوظ صاحب كتاب اولا حارتنا والحائز على جائزة نوبل للأدب عام 1988، وفرج فودة وعلي شريعتي وغيرهم، وبعض الكتاب استمرت المناقشات حول كتبهم والرد عليها بعدة كتب ولعدة سنوات مثل وعاظ السلاطين لعلي الوردي، والإسلام وأصول الحكم لعلي عبد الرازق، وكتاب في الشعر الجاهلي لطه حسين، وقد غير عنوانه بعد الضجة وسماه الأدب الجاهلي، و(الصراع بين الإسلام والوثنية)، و(هذه هي الأغلال)، كلاهما لعبد الله القصيمي، وكتاب آيات شيطانية لسليمان رشدي الذي تعرض للقتل اكثر من مرة، وكتاب قس ونبي لأبي موسى الحريري، وهو اسم مستعار، وتحرير المرأة لقاسم أمين، والثالوث المحرم لبو علي ياسين، ومن الروايات الخبز الحافي للمغربي محمد شكري، وكتاب وليمة لأعشاب البحر لحيدر حيدر.
وهذه الظاهرة ليست جديدة، فمن الكتب القديمة التي أثارت ضجة (تهافت الفلاسفة) للغزالي، وهو رد على كتاب (تهافت التهافت) لابن رشد، وكتاب (فصل الخطاب في إثبات تحريف كلام رب الأرباب) للنوري الطبرسي، وكتاب (منهاج السنة النبوية) لابن تيمية وألف ليلة وليلة والمثني وغيرها. وكذلك تعتبر ظاهرة عالمية، فمن الكتب التي أثارت ضجة في العالم، كتاب كفاحي لهتلر، والأمير لميكافلي، ومزرعة الحيوان لجورج أرول، وعشيق الليدي شاترلي لهربرت لورنس، وبروتوكولات حكماء صهيون وغيرها.
في القرن الماضي كان لكتاب أنيس الصولي (الدولة الأموية في الشام) ضجة كبيرة لدى النخب العراقية، اضطرت لتدخل الملك فيصل الأول فيها. والكتاب يعكس ازدواجية غريبة عند شيعة العراق فرغم ان مصادرهم المعتبرة حسب تعبيرهم تلعن الخلفاء الثلاثة ابو بكر وعمر وعثمان وأمهات المؤمنين عائشة وحفصة وغيرهم، وفيها تجريح لأهل السنة وهم يمثلون 90% من مجموع المسلمين في العالم. فهم لم يثيروا ضجة مثل التي أثارها الشيعة عندما نشر الفيلسوف والمؤرخ اللبناني أنيس الصولي (1902 ـ 1957) كتابه الموسوم ( الدولة الأموية في الشام) عام 1927، بل ان المراجع العليا تحرض على أهل السنة وتفتي بتكفيرهم وأن يباهتوهم، أي يكذبوا عليهم، رغم إنهم فرس ويعيشون في العراق ويغتنوا من خيراته، في ظل رئيس دولة من أهل السنة، ويعتبر كتاب الصولي من أهم الكتب الصادرة في حينه بسبب الضجة التي أثرها، ثارت ثائرة الشيعة على المؤلف وتم سحب الكتاب من الأسواق، وحصلت مشكلة كبيرة في الحكومة العراقية بين مؤيد للصولي ومعارض.
ذكر ساطع الحصري" خلال زيارة وفد مصري للعراق في شباط عام 1931 وفي مسجد الكاظمية كادت ان تحدث فتنة هوجاء، ان فريقا من الكتاب الجعفريين كان ساخطا على كتاب فجر الاسلام الذي الفه الأستاذ أحمد أمين، لأنه كان يعتقد ان مؤلف الكتاب تحزب للسنة وتجنى على الشيعة، فأراد أحدهم ان يستغل فرصة هذه الزيارة لانتقاد الكتاب والتشهير به.. وحدث في دار أحد علماء النجف ان قال الاستاذ احمد أمين في الرد على اللوم والعتاب: أنا لم أكتب شيئا دون أن أستند على وقائع ثابتة، وإذا كان لديكم أسانيد تبرهن خلاف ذلك، ارجو ان تطلعوني عليها، وأنا أعدكم بإعادة طبع هذا الكتاب". (مذكراتي في العراق2/69). كالعادة لم يقدموا لأمين أحاديث مقنعة او مسندة.
وتبعه عبد الرزاق الحصان بعد ست سنوات بكتابه (العروبة في الميزان) فاحتج الشيعة على الكتابين على أساس ان فيهما تجريح بالغ لهم، رغم ان الصولي اشاد بمنجزات الدولة الاموية وهي منجزات لا يمكن أن ينكرها لبيب! والحصان بدوره أكد على عروبة العراق وضرورة الحد من توجهات شيعة العراق وولائهم الطائفي للفرس على حساب العروبة. قرّر وزير المعارف (عبد الهادي المنتفكي) ـ وهو أبو المجرم الإرهابي المتفرس عادل عبد المهدي ـ فصل النصولي من وظيفته. فثارت ثائرة المدرسين السورين في العراق، فقدموا استقالاتهم للوزير، كما قامت طلاب الجامعات بتظاهرة لثني الوزير عن قرار الفصل، ذكر ساطع الحصري" ان فكرة معاقبة الطلاب بالجلد كانت نشأت لأول مرة خلال المظاهرات التي قامت بمناسبة قضية النصولي". (مذكراتي في العراق2/12). يقصد المادة الأولى من المرسوم13 لسنة 1928 لمن يتظاهر (دون 18 سنة) بما لا يزيد عن (25) جلدة. لكن الوزير الشيعي الطائفي رفض إعادة الصولي لأنه طائفي بنظره!!! بل حرض رجال الشرطة على قمع المتظاهرين، وحدث صدامات بين الطرفين، وقرر الوزير المنتفكي فصل الطلاب المتظاهرين، وبدأت بذرة الطائفية تنمو بين المعلمين والطلاب السنة ونظرائهم الشيعة. حتى عبر عنها وزير المالية الشيعي حينها (عبد الكريم الأزري) بأنها" زوبعة طائفية شديدة". (مشكلة الحكم في العراق). لكن الملك فيصل الأول أعاد الطلبة المفصولين الى مقاعدهم الدراسية رغم أنف الوزير المنتفكي.
ذكر مدير التعليم العام (ساطع الحصري) الذي يرجع له الفضل في رسم سياسة التعلم في العراق ان الأمر لا يستحق كل هذه الضجة حول الكتاب، وانتقد الصولي في زاوية واحدة، عندما أهدى كتابه " مَن أحق بتاريخ أميَّة، مِن أبناء أميَّة! ومَن أحق بتاريخ معاوية والوليد مِن أبناء معاوية والوليد". مع ان من حق أي كاتب اي يهدي كتابه الى من يرغب، فهذا جزء من حريته. لكن الشيعة اعتبروا ان هذا الإهداء استفزاز لهم، بل جريمة بحقهم متناسين انهم كانوا أقلية في العراق، وليس في هذا الاهداء ما يجرح شعورهم، فكتبهم تعج بالاتهامات البذيئة لأمهات المؤمنين وسب الصحابة وأهل السنة، ولم يعترض أهل السنة على تلك الإساءات، وقابلوها بالتسامح، وكان هذا من أكبر أخطائهم، فالتسامح مع المسيء يفسح له المجال لتوسيع نطاق إساءاته، وهذا ما حصل، ولم يتعظ أهل السنة من تكرار اخطائهم هذه. من جهة أخرى انتقد الشيعة ساطع الحصري بسبب فلسفته التربوية وتمجيده القومية ورفضه العشائرية والإقليمية باعتباره غريبا عن العراق لكن الطريف انهم لم يعتبروا مراجعهم الفرس غرباء؟ وقام رجال الدين الشيعة بمنه اتباعهم من دخول المدارس باعتبارها علمانية ولا تتوافق مع دينهم، فوتوا الفرصة على ارتقاء الشيعة المناصب العليا في الحكومة. اكتسب الحصري الجنسية العراقية عام 1921 وسحبت منه عام 1941 بضغط من الشيعة/ وهو بحق أبو القومية العربية بلا منازع، ومن المفارقات ان كتابه المسمى (الإقليمية) الذي نشره عام 1961 كان فيه نقد حاد لأفكار مؤسس حزب البعث العربي الاشتراكي ميشيل عفلق، علما انه " أطلق بعض الأشقياء رصاصا على فريد بك آمر موقع البصرة، وبديع نوري بك الجابري المتصرف في لواء المنتفق بديع نوري بك، فمات الأول حالا، وأما الثاني فتوفي بعد بضع ساعات نهار الجمعة 20 حزيران سنة 1913 (شعبان سنة 1331هـ)". (لغة العرب3/56).
شنٌ المجتهدون الشيعة حملة ضد التعليم في المدارس، وخطط ساطع الحصري لتطوير التعليم في العراق، باعتبارها علمانية وثنوا ابنائهم عن ارسال ابنائهم لها مما زاد من عدد الأميين في صفوف الشيعة. مع ان وزراء التربية والتعليم كان معظمهم من الشيعة فقد استوزرها عبد الحسين الجلبي ثماني مرات للفترة 1922 ـ 1935 حتى سماه ساطع الحصري" جوكر الوزرات العراقية" علاوة على المنتفكي. في 12 و14 سبتمبر 1927 اجتمع كبار المجتهدين في النجف ومنهم محمد حسين كاشف الغطاء وهادي كاشف الغطاء، ومحمد بحر العلوم، والشيخ جواد الجواهري، وعبد الكريم الجزائري وآخرين حيث قرروا رفع الحظر عن توظيف الشيعة في المؤسسات الحكومية لكسر عزلتهم.
الوزارات العراقية
ما بين شهر آب 1921 ولغاية شهر حزيران 1941 تشكلت (30) وزارة في العراق، برئاسة (13) رئيس وزارة منهم نوري السعيد (5 وزارات)، جميل المدفعي (5 وزارات)، عبد المحسن السعدون (4 وزارات)، رشيد عالي كيلاني (4 وزارات)، عبد الرحمن النقيب/ رجل دين (وزارتين)، جعفر العسكري (وزارتين)، توفيق السويدي (وزارة واحدة)، ناجي شوكت (وزارة واحدة)، حكمت سليمان (وزارة واحدة) طه الهاشمي (وزارة واحدة). كانت أقصر وزارتين وزارة طه الهاشمي التي لم تتجاوز الشهرين، ووزارة جميل المدفعي الثالثة التي استمرت لمدة اسبوعين. وكان عدد الوزراء خلال تلك الوزارات يتراوح ما بين (7 ـ 9) وزير بما فيهم رئيس الوزراء.
الحقيقة ان أخطر ما جاء في كتاب الصولي من وجهة نظر الشيعة هو مطالبتهم بالابتعاد عن ممارسات عاشوراء السادية التي تسيء لهم والإسلام، وناشدهم بتحويل مجرى أحزانهم" إلى فعل الخير والإحسان وبث الفضيلة بين أبنائهم وبناتهم". فهل هذه جريمة؟
علما ان بعض كبار مراجع الشيعة انتقدوا هذه الظاهرة مثل المرجع الشيعي الأعلى محسن الحكيم، وآية الله العظمى اللبناني محمد حسين فضل الله وغيرهم. اليس من العجب أن يتسامح الشيعة مع انتقادات مراجعهم، ولكن الويل لأهل السنة لو قاموا بذلك؟
ذكر اسحق نقاش" أبان الحكم العثماني كان المطبرين والمتسوطين الفرس يستعرضون مراسيم العزاء أمام القنصل العام الإيراني لتأكيد هويتهم ومراسيمهم الفارسية. في حين مواكب العرب يؤديها أمام سادن الحضرة. وفي سنة 1921 حضر الملك فيصل مواكب 10 محرم في الكاظمين. وفي الوقت الذي حاول فيه محمد الصدر اقناع المواكب العربية والفارسية بالإستعراض امام الملك فيصل فان المواكب العربية وافقت لكن المواكب الفارسية رفضت، واستعرضت امام القنصل العام الإيراني لعدم اعترافها بالملك!". (شيعة العراق/273).
1142 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع