د. مؤيد عبد الستار
يتبادر الى الذهن السؤال المجازي عن هدف العمليات الارهابية في العراق التي تفاقمت مؤخرا بشكل لا يصدق ، اذ ضربت مفاصل المجتمع العراقي في المحافظات وفي بغداد ولم تراعي حرمة شهر رمضان ولا مناسبة حلول العيد المبارك .
واذا عرفنا الهدف الذي تطمح اليه العمليات الارهابية يجب علينا البحث عن الغاية التي ترمي اليها ، فالهدف وحده ليس سوى وسيلة للوصول الى الغاية الاساسية من هذه الاعمال الارهابية التي لم تميز بين منطقة واخرى في بغداد فضربت في الكرخ والرصافة وكان ضحاياها من مختلف الوان الطيف العراقي.
ليس من شك ان المناطق ذات الكثافة الشيعية والحسينيات كانت الهدف الاول للعمليات الارهابية لكن الارهاب يهمل اية تفصيلات لا تخدم غايته الاولى والاخيرة ، وهي اسقاط العملية السياسية واعادة عجلات الزمن الى عهـد الدكتاتورية وهيمنة حفنة من السياسيين على شاكلة عزة الدوري واتباعه .
ان العديد من الكتاب والسياسيين يعزون الاخفاق في الوضع الامني واضطراد العمليات الارهابية الى عدم كفاءة رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة السيد نوري المالكي ونهجه في قيادة الحكومة وحصره المناصب الامنية بيديه دون اشراك الاخرين في القرار .
واذا دققنا النظر في مسألة عدم اشراك الاخرين في العملية السياسية نجد ان القوى الاخرى الى جانب العرب الشيعة هم الكورد ، العرب السنة ، و التركمان لهم تمثيلا وافيا في الحكومة والبرلمان والقضاء ، اما القوات المسلحة فالعديد من قواد وعناصر القوى الامنية السابقة التي كانت في زمن الطاغية صدام في مناصب عسكرية رفيعة تم اعادتها الى مراكز حساسة وقيادية في السلطة حتى ان العديد من المعارضين يأخذون على المالكي اعادته اعدادا كبيرة من قادة الجيش السابق الى صفوف الجيش وتسليمهم قيادة القوات العسكرية ، وابرز اعتراض جاء من حكومة اقليم كوردستان على قائد الفرقة الذي تسلم قيادة قوات دجلة .
اما السيد رئيس الوزراء نوري المالكي فلا نظن انه الغاية وانما هو الهدف الذي ان ازيح عن المركز الاول قد تقود ازاحته الى الغاية ، وهي اسقاط العملية السياسية ، فازاحة المالكي عن قمة الهرم تفتح الطريق امام خطوات اخرى على طريقة الدومينو ، فان التحالف الوطني الذي يستند اليه المالكي في الانتخابات وقيادة الحكومة يسهل تـشـتـيـتـه بعد ازاحة المالكي ، والتعويل على فصل التيار الصدري والمجلس الاسلامي عن التحالف ليصبح بالامكان تقديم بديل لتحالف جديد من الكتل الاخرى في اتفاق هش بين الاطراف المتنافرة التي تـلـتـئم لوقت قصير تحت وصاية رمز ضعيف – على شاكلة عبد الرحمن عارف – لتتمكن قوى الارهاب من ازاحته فيما بعد للاستيلاء على السلطة بعد ان تكون رتبت الاوراق جيدا للقادم الجديد الذي لن يكون افضل من عصابة انقلاب 68 التي جاءت تحت سدارة البكر شكلا و سيف صدام فعلا .
ان بقاء المالكي في منصبه ليس مطلبا ترغب به القوى الديمقراطية ، وتتمنى ان تتمكن القوى الوطنية من تقديم بديل يلبي متطلبات المرحلة الراهنة يكون اكثر مرونة وتفهما لواقع العملية الديمقراطية المنشودة .
ان جميع الوان الطيف العراقي المؤمن بالديمقراطية كخيار وحيد لتقدم البلاد ، هو الذي يدافع عن العملية السياسية ويعمل على تحويلها الى عملية ديمقراطية بعيدة عن المحاصصة الطائفية ، والخلاص من هيمنة الاحزاب التي لم تثبت نزاهة في الحكم ولا قدرة على ادارة دفة الصراع بشكل ايجابي ، لانها ليست البديل المنشود للنظام الصدامي الذي اطاحت به القوات المتحالفة وضربات شعبنا المتتالية له طوال سنوات حكمه منذ عام 63 ، التي بدأت بانتفاضة معسكر الرشيد بقيادة البطل حسن سريع عام 63 ثم انتفاضة خان النص اوائل السبعينات والانتفاضة الشعبانية اواسط الثمانينات والانتفاضة الكوردية المستمرة ومفصلها الذي ادى الى انسحاب ادارة صدام من كوردستان عام 90 ، اضافة الى ترك القوات العسكرية العراقية نظام العصابة الصدامية لمصيرها المحتوم لتسقط كورقة توت يابسة لتلقى حتفها وتقبر في مزبلة التاريخ .
ان عدم رغبة القوى الديمقراطية العربية والكوردية في تعريض البلاد الى هزات لا تعرف عقباها هو العامل الايجابي الذي ادى الى بقاء المالكي في منصبه وعدم السماح لسحب الثقة منه في مجلس النواب ، كما كان ذلك هو الهدف ايضا الذي سعى اليه البرزاني في اتفاقية اربيل التي ساهمت بتشكيل حكومة يرأسها المالكي ، لان اي خلل يصيب العملية السياسية الان وفي هذه الظروف الصعبة التي تحيط بالعراق وعلى الاخص الظروف المتفجرة في سوريا ستؤدي الى انتقال الاضطرابات العرقية والطائفية بقوة الى العراق ، ولن يسلم من نيرانها الحارقة اي فصيل او طائفة او قومية .
نرى من المفيد ان تحرص جميع القوى عربية وكوردية وتركمانية سنية وشيعية ومسيحية وغيرها الى تغليب امن واستقرار البلاد على الصراعات الجانبية ، والعبور بالعملية السياسية الى شاطئ الامان وانضاج العملية السياسية على نار هادئة بدلا من محاولات اسقاط هذا وذاك من الرموز الموجودة اليوم على قمة هرم السلطة سواء في الحكومة المركزية او في حكومة الاقليم لان الوضع الاقليمي هش للغاية واي قدح لشرارة النار في العراق يقحم البلاد في اتون حروب لها بداية وليس لها نهاية ومثال سوريا امامنا واضح للعيان ويصرخ بالجميع ان كفوا ايديكم عن اللعب بالنار .
1169 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع