مباحث في الكتب/ ٤٠

ضحى عبد الرحمن

مباحث في الكتب/ ٤٠

جمع الكتب أهواية أم إحتراف؟

رسالة مهمة لمستشرق ايطالي

كتب المستشرق الإيطالي (جورجيو ليفي دلافيدا) اسنتذ الدراسات الشرقية في جامعة روما عام 1930التالي" أود أن أرى يوماً الحكومة العراقية تحقق أمنية تجول في خاطري وخاطر كل محب للعرب ولغتهم وهي أن تخلد لها اسماً نابهاً بأن تأمر وتجمع في كتابهم عام اسامي جميع المخطوطات التي ترى في مدنها سواء أكانت تلك المخطوطات عامة أم خاصة من غير أن تنزعها من أصحابها أو من مواطنها من مدارس أو جوامع أو بيوت خاصة فإذا تم العمل يرى كل أديب ما للناطقين بالضاد من الفضل على العلم والفن والرقي في سابق العهد ويتبين له ما في دولة الملك فيصل الأول من الكنوز العلمية المدفونة بين دفات المهارق، فضلاً عن الكنوز المخفية في بواطن أراضيه. وبهذه الصورة يتحلب العلماء وأهل التحصيل إلى العراق ويشدون إليه الرجال، لتكون هذه المخطوطات مجلبة للأجانب فينتفع بأسفارهم أهل العراق أنفسهم. وبهذه الصورة أيضاً يكون العراق داراً للعلماء من غربيين وشرقيين. وأن لم يتمكنوا من السفر إلى ديار أكد وشمر القديمة يستنسخون تلك المخطوطات نسخاً أو تصويراً فيكون هذا الأمر مرتزقاً آخر لبعض أهل الأقلام أو التصوير من العراقيين. فعسى أن نسمع عن قريب بنهوض العراق وأخذه بهذه المهمة الأدبية التي تبقى الأثر الحميد الملك العراق ولحكومته وينفتح باب جديد لرزق بعضهم ويعود العراق إلى مجده السابق أي يجلب إليه العلم من كل حدب وصوب فعسى أن تتحقق هذه الأحلام". (مجلة لغة العرب8/622).
هواية جمع الكتب من الهوايات الجميلة، وهناك من يجمع الكتب لغرض القراءة او الدراسة والبحث أو المتعة وقضاء الوقت، ومنهم من يجمعها لغرض الزينة، فبعد الغزو الامريكي للعراق قام العديد من زعماء الأحزاب السياسية الجديدة بشراء المئات من الموسوعات والدورات المهمة كالتفاسير والتأريخ والأدب ملأ بها جدران مكتبه او بيته دون أن يكلف نفسه بقراءة مجلد واحد منها.
قال محمد بن شاكر" ناصر بن علي بن خلف، الوجيه المعروف بابن صورة الكتبي؛ كان سمساراً في الكتب بمصر وله في ذلك حظ كبير، وكان يجلس في دهليز داره لذلك ويجتمع الناس عنده يوم الأحد والأربعاء من أعيان الرؤساء والفضلاء ويعرض عليهم الكتب التي تباع، ولا يزالون عنده إلى انقضاء وقت السوق". ( فوات الوفيات4/184).
إشتهرت عواصم البلدان العربية بأسواق خاصة للكتب منها شارع الأزبكية في مصر وشارع المتنبي في العراق وغيرها في بقية العواصم، وهذا ما تجده في أوربا، مثلا على ضفاف نهر السين في فرنسا تصطف الكثير من الأكشاك لبيع الكتب القديمة. ويعتبر سوق المتنبي في العراق أشهر من نار على علم، ففيه المئات من المكتبات وبسطات الكتب، ويعتبر السوق المتنفس الثقافي للعراقيين، ويزدحم أيام الجمع بباعة الكتب وهواة المطالعة علاوة على باعة الصور القديمة والطوابع النادرة والخرائط والمسكوكات القديمة.
باعة متخصصون بالكتب الأجنبية، وآخرون بالكتب الفنية والمسرحية والسينما، وبعض الباعة هم من الشعراء والقصصيين والباحثين والصحفيين والنسابة وغيرهم. والبعض من الباعة متخصص ببيع الكتب النادرة. وكان من زوار شارع المتنبي المستشرق ماسينيون وجاك بيرك وجيرتروود بيل وكافن يونغ وصموئيل كريمر والسير مالون (زوج الكاتبة اجاثا كريستي) والجواهري والرصافي والسياب والفيتوري وزكي مبارك وعلي الطنطاوي وعباس العزاوي وجواد علي وطه باقر واحمد سوسة وعلي الوردي وعشرات الألاف من رواد النهضة العرب والعراقيين.
يحمل سوق المتنبي إسم الشاعر العربي الكبير ابو الطيب المتنبي وربما إستمد الشارع أهميته وعظمته وكبريائه وشهرته من الشاعر والعكس، حيث خلد الشارع إسم الشاعر، وخلد الشاعر إسم الشارع. الكتاب الذي تعجز في الحصول عليه من المكتبات العامة ستجده حتما في سوق المتنبي. وإذا فشلت في الحصول عنه بسبب ندرته فهناك من الباعة ممن يرشدك لشخص يمتلكه من رواد السوق المعروفين او قد يتوسط لك عند صاحبه لغرض الإستعارة سيما إن كنت من الباحثين او من طلبة الدراسات العليا، فالباعة على معرفة تامة بما يمتلكه كبار رواد السوق وبما يحتاجونه منها لذلك يحجز بعضهم كتب نادرة ولا يبيعونها إلا لزبائنهم فقط ولو حرمهم ذلك من ربح وفير.
بعد الهجوم الغادر في التفجير الإرهابي الذي تعؤض له سوق الكتب تغيرت الوجوه تماما، وتحولت من وردية زاهرة الى كالحة ذابلة، وإنعطفت المسار الثقافي الى منحدرات حادة، فقد أمسى القلق مكتملا كالبدر بعد أن كان هلالا يشكو النحول. وإستمرت غيوم الأرهاب تتكاثف يوما بعد عن يوم في سماء السوق ولايعرف متى وأين ستمطر. وكان الرعد يصم الأذان زلزال سمائي يحمل رسالة تحذير من شر مستطير. في هذه الأجواء الهوجاء اقتلعت الرياح غصون الحماس والآمال عند الجميع.
ومثلما أختفت من السوق المكتبات العامرة والكتب النادرة والنفيسة كذلك إختفت وجوه عدد كبير من الباعة لإنصرافهم لمهن أخرى وبعضهم إحتل موقعا مرموقا في وسائل الإعلام بعد الغزو. كذلك اختفى عدد كبير من رواد السوق المعروفين وكان يطلق عليهم تسمية (صيادو الكتب) فهم خبراء بالكتب الثميية والنادرة ولا يجاريهم أحد في خبرتهم، ولايصدهم سعر الكتاب النادر مهما تعالى وتكبر.
في العراق توجد مكتبات منزلية رفيعة المستوى فيها من النوادر ما لم تجده في المكتبات العامة، وهي من مخلفات الكثير من الباحثين والأدباء والشعراء تركوها أرثا لأبنائهم، البعض منهم مازال محتفظا بها، والبعض الآخر عرضها للبيع.
ـ ذكر الهلالي" قَالَ بَعْضُ الْكُتَّابِ: كُنَّا إِذَا دَخَلْنَا عَلَى أَبِي الْفَضْلِ بْنِ الْعَمِيدِ، رَأَيْنَا إِلَى جَانِبِهِ فِي مَجْلِسِ الْعَمَلِ زُهَاءَ مِائَةِ مُجَلَّدَةٍ، فَنُنْكِرُ ذَلِكَ، فَفَطِنَ يَوْمًا لإِنْكَارِنَا فَقَالَ: إِنِّي أَحْفَظُ جَمِيعَ مَا فِي هَذِهِ الْكُتُبِ، فَإِذَا اشْتَغَلْتُ بِالْعَمَلِ عَنْ دَرْسِهَا، أَحْضَرْتُهَا عِنْدِي، فَكُلَّمَا نَظَرْتُ إِلَيْهَا ذَكَرْتُ مَحْفُوظِي مِنْهَا، فَقَامَ ذَلِكَ لِي مَقَامَ الدَّرْسِ.
ثُمَّ قَالَ لِرَجُلٍ مِنَّا: خُذْ أَيَّهَا شِئْتَ.
فَأَخَذَ الرَّجُلُ مِنْهَا كِتَابًا، وَقَالَ: هُوَ الثَّانِي مِنْ كِتَابِ كذَا.
فَابْتَدَأَ أَبُو الْفَضْلِ فَقَرَأَ مِنْ أَوَّلِهِ صَدْرًا، ثُمَّ مِنْ وَسَطِهِ، ثُمَّ مِنْ آخِرِهِ، فَتَحَقَّقَ عِنْدَنَا أَنَّهُ صَدَقَ مَا قَالَ، وَعَجِبْنَا مِنْ حِفْظِهِ وَعِنَايَتِهِ وَحِرْصِهِ". (الحث على طلب العلم/79)
ـ قال الأصمعي:
يضيع من المال ما قد جمعت وعلمك في الكتب مستودع
إذا لم تكن حافظـــــــــاً واعيا فجمعك للكتب ما ينفع ( المحاسن والأضداد/23)
ونسب الشعر الى محمد بن بشير:
( محاضرات الأدباء1/70 )

بيع الكتب عند الحاجة
ـ ذكر د. الحسين بن محمد شوَاط في حديثه عن مكتبات القيروان وفقدان معظم المصنفات " التخريب الذي تعرضت له القيروان على أيدي الأعراب سنة (449هـ) فإنَّهم هدموا البيوت، وأتلفوا كل ما وصلت إليه أيديهم، حتى أنَّهم استعملوا أبواب المنازل، وغيرها، لإيقاد النار، ولا شك أنَّ استعمال الكتب في ذلك، كان أسهل لهم. وهرب منها من بقي حيّاً من أهلها، ولا شك أنَّ من كان عنده كتب آنذاك، لم يكن يجد الفرصة لإخراجها، ولَعَلَّه لا يجد ما يحملها عليه، وخاصة من كان مثقلاً بالنساء، والعيال، فتكون زحفة الأعراب بذلك سبباً في إتلاف ما نجا من أيدي الرافضة، وما صنف بعد خروجهم من إفريقية. ثم إنَّ كثيراً من العلماء، قد اضطروا إبان فتنة الأعراب لبيع كتبهم، للتَّقَوِّي بثمنها على الفرار بعيالهم، ذلك ما تمثله هذه الأبيات لأحد علماء القيروان:
قالت وأبدت صفحــة كالشمس من تحت القِنـاع
قالت: وأبدت صفحة كالشمس من تحت القناع
بعت الدفاتر، وهي آخر ما يباع من المتاع
لا تعجبي ممّا رأيت فنحن في زمن الضياع
(مدرسة الحديث في القيروان2/805).
ونسب الشعر الى أبي علي الحداد( المحاضرات في اللغة والأدب/103).
وقول ابن الحاجب لما ورد مصر:
يا أهل مصر وجدت أيديكم عن بسطها للنوال منقبضه
لما عدمت الغذا بأرضكـــم أكلت كتبي كأنني أرضه
وصرت لما حللت واديكــم كجملة في الكلام معترضه .
( المحاضرات في اللغة والأدب/103).

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1488 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع