اسماعيل مصطفى
بين الحلم والواقع
يعرف الجميع أن هناك دوماً تبايناً واسعاً بين الحلم والتطبيق أو الحلم وما نراه من حقائق على أرض الواقع، ومردّ هذا التباين في الغالب يعود إلى أسباب عدّة يمكن الاشارة إلى بعضها في هذا المقال المقتضب أبرزها أن ما يرسمه الإنسان في مخيلته من أمنيات يتم عادة في أجواء مريحة وهادئة وحالة من الاسترخاء والاستلقاء والتأمل في أجواء تبعث على رسم أمنيات مشروعة وربّما غير مشروعة في مخيلته ولكن عندما يريد تطبيق هذه الأمنيات والأحلام في تفاصيل حياته يجد نفسه عاجزاً عن تحقيقها لأن الحياة بحقيقتها ليست مشاريع ترسم في الذهن وينتهي الأمر؛ بل هي عبارة عن شبكة معقدة ومتداخلة من العناصر والأسباب والمعطيات التي تفرز تداعيات يقع الكثير منها في حيّز يخالف أو يبتعد كثيراً أو قليلاً عمّا هو مرسوم في المخيلة. بمعنى آخر يرتطم تحقيق الأماني بسلسلة من العوامل التي تحول دون تحقيق هذه الأماني على الرغم من المساعي والمحاولات التي تبذل للتغلب على صعوبات الواقع ومن هنا نستنتج أنه يجب على من يريد تحقيق أمنية معينّة أو حلم معيّن لابدّ له أن يفكر بصورة واقعية ولا يعيش التصورات والأوهام وأن لا يكون مصداقاً للمثل القائل بأن (كلام الليل يمحوه النهار) وكذلك المثل القائل أن (الأمنيات رأس مال المفلسين).
بالعودة إلى الأسباب التي تجعل الأمنيات تبتعد في الغالب عن الحقيقة والواقع لابدّ من الاشارة أيضاً إلى أن الفضاء الذهني الذي يكتنفه في بعض الأحيان حالات من الغموض والوهم والحيرة والتخبط في تحديد الأولويات وتشخيص المهم والأهم، وضرورة تقديم الأهم على المهم، وأهمية التعاطي مع الوقائع من منظار صحيح مبني على الحقائق العلمية والتجارب الغنية التي ينبغي أن تفضي إلى استنتاج واستلهام دروس وعبر تساعد كثيراً -إن أحسِن استيعابها- في تحديد وتوجيه البوصلة بما ينسجم ويتطابق مع مستلزمات الواقع ولا ينأى عنه نتيجة الأحلام الفارغة تارة، والأمنيات التي تملأ عادةً ذهن الإنسان المبتلى بالنرجسية العالية والمثالية المفرطة تارة أخرى، وهذه الأمور من العوامل الأساسية التي تقود في معظم الأوقات الى إفراز نتائج وخيمة وتداعيات سلبية تؤثر على انتهاج السبيل القويم وتمنع من الاستمساك بالحبل المتين الذي يستلزم توفره التحلي بإمكانات عقلية راجحة وامتلاك تجارب عملية كفيلة بأن تزيل حالة السذاجة وتطرد التصورات الكاذبة من الذهن وتمكّن بالتالي العقل من إصابة الواقع دون الوقوع في متاهاته ومنعطفاته التي لا يمكن تجاوزها بسهولة ما لم تكن لدى الفرد حصيلة وافرة ومخزون جيد وراقي من المعارف النظرية من جهة، والإلمام بحيثيات الواقع ومعطياته التي تختلف من حال إلى حال ومن شخص إلى آخر من جهة أخرى، وبهذا نكون قد سلمنا من مطبات ومنزلقات الفكر النظري المجرد واقتربنا بدرجة مطلوبة من تلمس مقتضيات ومتطلبات الواقع لنضمن الحصول على نتائج مرضية ومفيدة ومثمرة تتناسب مع الطموحات المشروعة والواقعية للانسان الموفق والناضج والناجح..
21 مارس 2023
1654 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع