الأستاذ الدكتور فوزي فرمان بشير في ذمة الله

                                     

                          د. عمر الكبيسي

فقدنا في عمان فجر عيد الفطر المبارك شخصية سياسية مخضرمة ، ذلك هو الرجل الشريف والنظيف والعفيف فوزي فرمان عرفته في يوم دخول قوات الاحتلال الغاشم لبغداد يوم ، وأنا في شارع حي الخضراء الرئيسي حين دخلت دبابات وهمرات امريكية الشارع وهاجمت مركز شرطة 17 تموز ،

كان فوزي فرمان أحد سجنائه الذين أطلقت سراحهم القوة الأمريكية وكان يوما رهيبا في حياتي ، فقد شاهدت صباح ذلك اليوم سيارة مدنية تحترق بضربة صاروخ كان يقودها الشهيد الدكتور خالد النعيمي الخبير في التصنيع العسكري وهو أحد مرضاي ، وأول عالم استهدفه الأمريكان حين كان خارجا من بيته في حي الكفاءات في بداية استدارته في شارع الخضراء الرئيسي ، وشاهدت الفقيد فوزي فرمان خارجا من مركز الشرطة بفانيلته الداخلية ولباس يغطي ركبتيه وهو يحمل لافتة ورقية بيديه مكتوب عليها عبارة ( يسقط الاحتلال الأمريكي ) وهو يسير على قدميه من المركز باتجاه الكفاءات هاتفا بشكل مستمر ومتكرر بسقوط الاحتلال ، أثارني المشهد كثيرا وبفضول تقدمت اليه أسئله من أنت؟ قال أنا ابن البعث وسجينه ، أطلق الأمريكان المحتلون سراحي من هذا المركز بعد أن شبعت تنقلا من مركز الى آخر خلال الأسبوع الماضي ، فإذا بي يطلق سراحي من مركز قريب على بيت أختي وأنا ذاهب الي دارها ، قلت له من أنت ؟ قال لي ومن أنت ؟ قلت له انا الدكتور عمر الكبيسي هذا داري هنا قريب تفضل معي ، قال أنا فوزي فرمان ابن عم الدكتور علاء بشير الذي تعرفه ، ازددت تشبثا وإلحاحاً عليه لمرافقتي الى مسكني القريب ، لكنه أبى إلا أن يستمر بمسيرته راجلا ، يردد بالهتاف بلا توقف ومضى الى حيث أراد .
هذا هو عناد وصمود وشجاعة فوزي فرمان ومقاومته التي ظل يهتف بها ويعمل من أجلها ويروج لمشروعها طيلة السنوات العشر لا يرى حلا ولا خلاص الا بما تنجزه هذه المقاومة في كل مجلس وفي كل مؤتمر وفي كل حفل وعزاء ، تارة بما يحمل من بيانات وتارة بما ينشده لسانه من هتافات نثرية وشعرية تعبر عن أصالته وفكره الواقد وظل كذلك الى آخر أيامه وهو يعرف انه يحمل في صدره آفة سرطانية كان يصر على عدم رفعها إلا بعد التحرير الذي ينشده ، ولكن الله قدر ما لم يكن في حسبان الفقيد ، الذي لا يخاف الموت ولا يلويه المرض والهزال .ولم يتم رفع الورم من صدره إلا بعد تفجره بالنزف بعد ان نال منه رئته وجوفه .
عرفت فوزي فرمان بعدها جيدا في بغداد ومن ثم في عمان للسنوات العشر التي انصرمت  عن قرب وتجربة ومحاكاة ، كان جليسي كل يوم في ديواني وكان كان مجلسه رائعا يتحدث وهو يعرف عما يتحدث بأدب واحترام ، يتحدث عن المقاومة والصمود بقمة الشجاعة والصراحة والإصرار ، ويتحدث عن رفاقه من الشهداء والسجناء بدموع صافية تقرأ فيها النقاء والصفاء حتى على أولئك الذين ساموه في حياته السياسية الطويلة ونال من كيدهم و وشايتهم ما نال .
لقد قدم الفقيد كل ما يستطيع عليه من كلمة وجهد ومال من أجل العراق الذي كان يأمل بالعودة اليه موحداً آمنا ومحرراً . ومضى الى ربه راضيا مرضيا موضع حب واحترام لكل من رافقه وجالسه وتعايش معه . أنا أشهد لفوزي فرمان بوطنية عالية واستقامة والتزام مبدئي ونظافة اليد واللسان وهو من قلائل ونوادر الساسة الذين التقيتهم في هذا الزمان   ،  رحم الله الفقيد وأحسن عزاء ابنتيه وعائلته والهمنا جميعا الصبر والسلوان .

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

893 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع